لا شك أن وضع صورة الروائية الإنكليزية جين أوستن وغيرها من كبار الأدباء والعلماء الآخرين على القطع والأوراق النقدية له أكثر من دلالة حضارية نفتقدها في حياتنا الثقافية من المحيط إلى الخليج. العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/07/21، العدد: 10698، ص(15)] في هذا الأسبوع وضع بنك إنكلترا صورة الكاتبة الروائية الإنكليزية جين أوستن على فئة 10 جنيهات استرليني تخليدا لذكرى هذه الأديبة المولودة في عام 1775، ويدل هذا الاحتفاء على تقدير الدولة البريطانية وشعبها لأقطاب الثقافة والفكر والعلم والفن. ولقد أوضحت التقارير الإعلامية التي غطت هذا الحدث الثقافي أن اختيار بنك إنكلترا لفئة 10 جنيهات يدخل في إطار تذكير القراء بأن هذا المبلغ المهم في ذلك الزمان قد تلقته أوستن في عام 1811 من ناشر روايتها الأولى التي تحمل عنوان “العقل والعاطفة”. الروائية أوستن تعتبر من أبرز الروائيات الرائدات في الأدب الإنكليزي اللواتي وضعن اللبنات الفنية مبكرا للرواية الإنكليزية مثلما توصف كتاباتها بالنزعة النسوية الطليعية المدافعة عن المرأة. ولكن الناقد إدوارد سعيد يرى في معرض تحليله للعلاقة السلبية القائمة بين الامبراطوريات الاستعمارية الأوروبية/ الغربية وبين السرد الأدبي وفن الشعر، في كتابه المعروف “الثقافة والإمبريالية”، أن كتابات الروائية أوستن، منها روايتها الشهيرة “مانسفيلد بارك”، لا تخلو أيضا من تكريس النزعة الكولونيالية المبكرة. رغم هذا الانتقاد فإنه لا شك أن وضع صورة هذه الروائية وغيرها من كبار الأدباء والعلماء الآخرين على القطع والأوراق النقدية له أكثر من دلالة حضارية نفتقدها في حياتنا الثقافية من المحيط إلى الخليج. وفي الحقيقة فإن الأمر يتجاوز هذا النوع من الاحتفاء حيث نجد الدولة البريطانية تكرم الأدباء والعلماء والفنانين البارزين وغيرهم من الشخصيات الوطنية التي تخدم الشأن العام بطرق مختلفة ومتنوعة. فاسم الشاعر النوبلي الشهير توماس سترنز إليوت مكتوب على مدخل دار النشر فيبر ويبر التي عمل فيها لسنوات، مثلما نجد مختارات من مقاطعه الشعرية منحوتة على طول الممشى المحاذي لنهر التايمز القريب من محطة ووترلو لقطار الأنفاق. منذ أسبوعين فقط قمت بزيارة استجمام لجامعة كامبردج وحينما دخلت إلى باحة كلية المسيح التابعة لها رأيت تمثالا برونزيا منتصبا فيها وهو للعالم تشارلز داروين صاحب نظرية التطور والارتقاء، وذلك لتذكير طلاب هذه الكلية وكذلك السياح الزائرين لها في كل لحظة بأن داروين تعلّم فيها في شبابه. هناك تقاليد أخرى في منتهى الروعة للاحتفاء بالأدباء وغيرهم من الشخصيات ببريطانيا مثل كتابة اسم ولقب وتاريخ ميلاد وتخصص هذا الأديب أو العالم أو الفنان وهلم جرا على لاصقة حديدية لامعة وملفتة للنظر، وتثبت على الواجهة الأمامية للمنازل أو الشقق التي عاش فيها هؤلاء، مع العلم أن البلديات البريطانية تمنع السكان القدامى أو الجدد منعا باتا وبقوة القانون من نزع هذه اللاصقات التي تصنف في سجلات الدولة كجزء من التراث الثقافي والحضاري الوطني. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :