طلال عوكل يكتب: معركة لا تحتمل أنصاف المواقف والحلول

  • 7/23/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرة الأسئلة والتساؤلات التي تدور في الأروقة السياسية والإعلامية، بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه التطورات المتعلقة بالمسجد الأقصى والقدس. هل يمكن أن تمتد شرارات الأقصى إلى كل الأراضي الفلسطينية، وتتحول إلى انتفاضة شعبية شاملة؟ هل ستؤدي هبة القدس إلى تطوير مواقف القيادات السياسية لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة، وعلى أية أسس وبرامج؟ هل تتجه الأمور نحو استراتيجية الصراع المفتوح ومغادرة برنامج البحث عن السلام؟ هل يمكن للتدخلات الخارجية أن تعيد الأوضاع في الأقصى إلى ما كانت عليه، وهل يمكن التوصل إلى تسوية، أو حل وسط؟. في الواقع فإن الإجابة عن كل هذه التساؤلات والأسئلة مرهونة بالسياسة الإسرائيلية لكونها الطرف الذي بادر إلى تفجير اللغم في الموقع الأهم تاريخيا ودينيا وسياسيا بالنسبة للفلسطينيين والعرب والمسلمين. الوقائع التي جرت يوم الجمعة الثالث عشر من الجاري، تقرر بما لا يحتاج إلى نقاش أن إسرائيل قد اتخذت من واقعة قتل الشرطيين الإسرائيليين في الحرم القدسي ذريعة لتتويج نهجها الذي لم تتوقف عنه، من أجل السيطرة على السيادة في الحرم، وفرض التقسيم المكاني والزماني فيه. لم تجرِ إعادة فتح بوابات المسجد الأقصى كما أعلن كذبا نتنياهو في اليوم الثالث لإغلاقه، ولا يمكن لأحد أن يتخيل وضع البوابات الإلكترونية بدون موافقته. نتنياهو وحكومته رفضت التحذيرات والتوصيات التي تقدمت بها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وقررت استمرار وجود البوابات رغم علمها بغضب الفلسطينيين. وبدلا من التهدئة والبحث عن حلول استدعت الحكومة المزيد من القوات لمجابهة الفلسطينيين وحماية البوابات. العناد الإسرائيلي ليس شخصيا أو قيميا وإنما هو عناد سياسي مرتبط بتقدير للحظة السياسية والبيئة الداخلية والخارجية، والتي توفر لها الفرصة لفرض مخططاتها وتحقيق أهدافها. عقبة أخرى تضعها إسرائيل في وجه المحاولات الأمريكية الجارية لاستئناف المفاوضات، بدون أن تتوقع ردود فعل ذات قيمة تجعلها تتراجع عما تنوي القيام به. منذ اليوم الأول استهتر وزير الأمن الإسرائيلي برد فعل الأردن وبكل ردود الفعل العربية التي لم ترق حتى اللحظة إلى مستوى خطورة الحدث. بعيدا عن المزايدات والدعوات العاطفية والحالمة تحاول إسرائيل مصادرة وإغلاق ملف القدس قبل وبدون أية مفاوضات فيما الأوضاع الفلسطينية في حالتها الراهنة لا تشكل تهديدا جديا للسياسة الإسرائيلية. من غير المنطقي أن يفكر أحد من الفلسطينيين بأن يبادروا من غزة إلى تفجير الأوضاع مع إسرائيل لأن نتائجها ستكون مدمرة للقدس وغزة. أما جديد هذه الهبة فهو أن أهل القدس والداخل هم طليعتها ووقودها وقيادتها المباشرة. ثمة قيادة أو مرجعية دينية وطنية تقف على رأس الهبة المقدسية، الأمر الذي سيجعل التدخلات الخارجية بما في ذلك من القيادات السياسية الفلسطينية أقل تأثيرا على مجريات الحدث وأبعاده. وبالتالي وعلى الرغم من أن الانقسام باق، لم تحركه دعوات الرئيس محمود عباس، ولا مطالبات حماس فإن شرارات الأقصى إذا استمرت إسرائيل في عنادها ستمتد إلى بقية أنحاء الضفة الغربية، خصوصا في ظل الفشل السياسي، والضغط الشديد الذي يتعرض له الناس من كل الأطراف. عشرة أيام مرت منذ اندلاع المواجهات حتى نشر هذا المقال، لم تكن كافية لتحريك عوامل الضغط، لا من قبل الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة، ولا من كل الأمم، فالكل يكتفي بالتحذير أو الاستنكار أو الدعوة لضبط النفس، الأمر الذي يضع السلطة أمام وضع صعب ومحرج للغاية بدون أن تكون حضرت نفسها لمواجهة مثل هذه الاحتمالات. الموقف الأولي الذي أعلنه الرئيس محمود عباس، يشكل غطاءاً سياسياً ومعنوياً مهماً لأهل القدس لكن الناس يحتاجون لفحص مدى جدية الموقف من العلاقة مع إسرائيل بما في ذلك وأساسا التنسيق الأمني. دعوات الرئيس عباس لم تلقَ أذانا صاغية لدى حماس، التي نعتقد أن عليها من أجل القدس أن تعلن حل اللجنة الإدارية، إن لم تكن كخطوة نحو المصالحة، فعلى الأقل لسحب الذرائع، ذلك أن الناس عموما لا يقبلون أقل من ذلك. في الخلاصة فإن القراءة السياسية العميقة لما يجري في القدس من تداعيات وتحولات يجعلني أعتقد أنها المعركة التي ستفتح بوابات الصراع الشامل، بما يفرض على الفلسطينيين الاستعداد له بأسرع وقت ممكن.الموقف الفلسطيني الوطني الموحد، وهو غير موحد حتى اللحظة، يشكل المهماز والأساس الذي يحرك العواصم العربية والإسلامية، فلقد لوحظ أن الجماهير في عديد هذه البلدان قد تجاوزت مواقف أنظمتها السياسية. الفلسطينيون في هذه اللحظة التاريخية الفارقة يستطيعون في حال أجادوا الحسابات أن يعيدوا القضية الفلسطينية على رأس الأولويات العربية والإسلامية بعد أن حصلت على رقم ثلاثة. لن يأتِ الترياق لا من العراق ولا من غير العراق ما لم يكن في البداية ترياقاً فلسطينيا. أما إن أضاع الفلسطينيون هذه اللحظة فإن قضيتهم قد تهبط إلى أرقام قياسية في سلم أولويات العرب والمسلمين. إذا أخذنا على سبيل ذلك مثالا فإن موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرتش الذي أدان بسرعة شديدة قتل المستوطنين الثلاثة، وتأخر كثيرا لكي يطالب الفلسطينيين والإسرائيليين بضبط النفس، فإن هذا يؤشر إلى أن لا أحداً يهتم بأمرك ما لم تهتم أنت أولا بأمر نفسك.

مشاركة :