الشارقة: محمد ولد محمد سالمصدر عن دائرة الثقافة في الشارقة كتاب جديد بعنوان: «أسنان الذاكرة البيضاء.. مقاربات في سيرة (الحمودي) لعمر عبد العزيز»، وهو مجموعة من المقالات النقدية لأربعة عشر ناقداً عربياً تناولت رواية «الحمودي»، للدكتور عمر عبد العزيز، جمعها وقدّم لها محمد صابر عبيد.ويتضمن الكتاب مقالات لكل من د. عبد العزيز المقالح، ود. إبراهيم السعافين، ومحمد حسن الحربي، ود. سمر روحي الفيصل، وإبراهيم الحجري، ود. ياسين الأيوبي، وهيثم حسين، ومحمد محمد إبراهيم، وفرج مجاهد عبد الوهاب، ود. محمد صابر عبيد، ومحمد منصور، ود. أحمد عبد الملك، وفتحية النمر، ود. عبده بن بدر، وقد ركزت الكتابات على جوانب متعددة من الرواية، بما في ذلك الجانب الأبرز فيها وهو الجمع بين الرواية والسيرة الذاتية، فهي عمل سردي ذو طبيعة خاصة.وتُظهر عناوين المقالات بعض تلك الجوانب، مثل: الفضاء السيرذاتي المغاير، من السيرة الذاتية إلى دائرة الرواية، وكدمة الإمام العتيق والأنين اليمني الجديد، والذات بين الاغتراب والذاكرة، ويمنيو الصومال.. رحلة المتن والهامش، والفكر والفلسفة واللغة كروافد لشلال البيان السردي، والبعد الغرائبي في شخصيات سردية الحمودي، إلى آخره.وتتكئ سردية «الحمودي» على نمطين من السرد، ففي جزئها الأول هي سيرة للمكان تصف «حارة العرب» في مقديشو بالصومال، وكيف تشكّل هذا الحي من امتزاج أجناس بشرية وأعراق، أساسها المهاجرون اليمنيون إلى تلك البلاد، وما يسود بين سكانه من ممارسات ومعتقدات تعطي للخرافة والغرائبية مكانة كبرى، وهو ما ساهم في صناعة الدهشة في النص، وقد تجلت هذه الغرائبية في نماذج بشرية تعيش في الحي مثل «البهلول دمدم»، و«المصور الفوتوجرافي ذي العين الواحدة»، و«عمر الصيدلاني»، وغيرهم ممن طبعوا الحي بتصرفاتهم، وكانوا منبعاً لحكايات وغرائب عديدة أبدعها خيال أهل الحي. أما الجزء الثاني الذي يحتل نصف الكتاب تقريباً، فقد خُصص لتقديم سيرة لشخصيات عدة، منها آباء «الحمودي»، بدءاً بجده القديم الطيّار الولي الصوفي، الذي كانت تحصل له كرامات وخوارق أصبحت منبعاً شعبياً للحكاية كركوبه البحر على ردائه. ومن تلك الشخصيات أيضاً «المُجارح» والد الحمودي الذي كان يمتلك موهبة التطبيب، ويمارس الجراحة في زمن لم يكن المجتمع فيه قد عرف الطب الحديث وأدواته التي سهلت الجراحة، ثم شخصية «الحمودي» نفسه الذي سمي به الكتاب - وهو عبد العزيز والد المؤلف كما سنكتشف في تضاعيف النص - الذي ولد في تلك القرية الصغيرة المعلقة في قمة «جبل حبشي» على مشارف مدينة «تعز»، وتربى في بيئة رفيعة الجمال والجلال، ظل خيالها يلاحقه طوال سنين هجرته المديدة، هنالك حيث رافق الأغنام الملوّنة، وانخطف بالفتوة الساحرة للماعز الجبلي الرشيق، وشاهد بدهشة الطفولة المفعمة بالخيال قوافل الإبل التي تتسلق الجبال، وامتلأت عيناه بمشاهد الطيور الخضر، والفراشات الشفقية، وزهور الصبَّار الزاهية، والمدرجات الجبلية الملوّنة، والبيوت المعلقة في رؤوس الجبال، كأنها اللؤلؤ المنثور فوق سجادة السماء الزرقاء الصافية، لكن ذلك ينقضي كله عندما فر الحمودي من جور جنود الإمام وعسفهم في اليمن، وما يفرضونه على السكان من إتاوات مجحفة، وانخرط في صفوف الجيش الإيطالي، وأُخِذ إلى الصومال ليعيش أهوالاً ومغامرات لا تحصى، ويسكن الحي العربي في مقديشو لعقود طويلة. وفي مقديشيو تعلم الإيطالية قراءة وكتابة بل أجادها كما ينبغي أن يتصف بها الجندي الإيطالي في جيش موسوليني، إلى حد أنه كان يراسل زوجته بها بلغة «دانتي الليجييري» كما عبرت عن ذلك، وبعد التقاعد يأخذ الحمودي طريق العودة إلى عدن في اليمن التي انطلق منها أول مرة.من المواضيع البارزة التي تناولها عدة كتّاب في مقالاتهم عن الرواية، موضوع التلاقي الدقيق والموزون بين الشأن السيري المتعلق بوالد المؤلف، والشأن الروائي المتعلق بالرواية الموضوعية للأحداث، وفاعلية الخيال في الربط بينها.
مشاركة :