الأخلاق فجوة رقمية بين الأجيال : شيماء رحومة

  • 7/25/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الأخلاق فجوة رقمية بين الأجيال شيماء رحومة “وكن نرجسيا إذا لزم الأمر” قالها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش منذ سنوات، لكنه لم يكن يدرك أن هذه الصفة ستتحول إلى مبادئ وأخلاقيات لا تروم سوى الربح التجاري على حساب القيم. من المتعارف عليه أن الشخصية النرجسية عاشقة لنفسها تهتم بأدق تفاصيل مظهرها منها يبدأ الكمال وإليها ينتهي، ولست أبحث الحديث عن هذه الصفة المذمومة بقدر ما اتخذت منها مرتكزا للإشارة إلى جملة من السلوكيات الجديدة التي وسمت العلاقات بين أفراد الجيل الجديد وأسرهم، والتي تنم عن أنانية مفرطة في شبكة تعاملاتهم ولسان سليط في معالجة الفجوة بينهم وبين أولياء أمورهم وأساتذتهم ومحيطهم الخارجي. ومن وجهة نظري لا يحصل شرخ في قواعد تربية الطفل إلا متى تعددت الأطراف -الأم والأب والجدة وأحيانا تمتد القائمة للجيران والأحباب والأصحاب- في عملية توجيهه، فما بالنا اليوم بتدخل وسيطرة وسائل حديثة على الأدمغة الصغيرة. بالأمس القريب كان أبناء جيلي ومن سبقنا يجهل الأزرار الكثيرة ما عدا من عدد قليل متصل بالريموت كنترول وعدد محدود جدا من القنوات، بينما أبناؤنا فتحوا أعينهم على عالم مليء بالأرقام والحسابات التي تهدف إلى الربح غير آبهة بالمصلحة العامة، مشتتين بين تطبيقات الهواتف الذكية التي غزت ولا تزال تغزو اهتماماتهم وبين زخم من البرامج التلفزيونية تحت مسميات مختلفة بعضها اجتماعي والآخر مجموعة من المسلسلات والسلسلات الكوميدية والدرامية التي خلقت قواميس ومفردات جديدة تبيح الإجهار بالفواحش من قول وفعل. وصار ترديد الكلام البذيء داخل البيوت وخارجها بين الأكبر سنا أو وسط مجموعة من النساء والفتيات أمرا عاديا حتى القوانين الردعية لم تجد معه نفعا، لكن أن يبث مراهقان فيديو مباشرا على موقع فيسبوك يظهر تبجحهما بممارسة علاقة جنسية، أو استقبال برنامج تلفزي مصري سيدة متزوجة اعترفت على الهواء مباشرة بعلاقة تجمعها برجل آخر، قائلة إنها ترغب في الطلاق، وظهر عشيقها معها أثناء الحلقة، فهذه مستجدات لا تربطها صلة بمواكبة العصر وتغيير جلباب الأجداد المنعوتين بالجهل والرجعية. تراجع القيم والأخلاق نتيجة حتمية للقراءات المغلوطة لحروف أبجدية مبعثرة بين ثنايا الشاشة الصغيرة والمنصات الاجتماعية. ومع ذلك، هناك مجموعة من الأفراد تتقاسم تحمّل مسؤولية ذلك، فالأمر ليس حكرا على الأولياء فقط ولا الأساتذة بل حتى المؤسسة الإعلامية والشركات التكنولوجية تتحمل وزر ما آلت إليه السلوكيات الشبابية الراهنة. وهذا لا يعني أنه لا توجد بعض المجهودات الحثيثة للخروج من بؤر الفساد الأخلاقي بين الناشئة، حيث حاول مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، إيجاد حل لتفاقم ظاهرة حمل الأطفال الصغار للهواتف المحمولة والكمبيوترات اللوحية، من خلال عدم السماح لأولاده بأن يكون لديهم هاتف شخصي، إلا مع بلوغهم سن الـ14 عاما، مشيرا إلى أن الطفل يمكن أن يسمح له باستخدام الهاتف الذكي فقط مع دخوله للمرحلة الثانوية، موضحا أن عائلته تلتزم بقواعد منزلية بشأن استخدام الهاتف الذكي. وتشير دراسة إلى أن العمر ليس شرطا لتحديد درجة استيعاب الطفل لما يحدث، ومدى تصرفه، لذلك ترى هذه الدراسات أن إعطاء هاتف لأطفال تقل أعمارهم عن 10 سنوات “أمر خاطئ” بالنسبة إلى تربيتهم وصحتهم وتعليمهم. ويسعى بعض الأولياء إلى تهيئة المناخ المناسب عبر عملية انتقاء وفرز للمواد التي يسمحون بتمريرها للأبناء. التصدي المستمر لما يخرج عن القواعد العامة ضرورة قصوى، لا سيما حين تتحول الفضاءات التعليمية إلى مسرح لتمثيل آفات اجتماعية منبوذة، فقد حدثتني خالتي منذ مدة عن اجتماع حضرته بدعوة من مدير مدرسة ابنتها الابتدائية لمناقشة مسألة طارئة تناولت أحد التلاميذ الذي تمت مباغتته وهو يشجع بقية زملائه على شم قطع من الطباشير التي قام برحيها واستخدامها بدل المخدرات. وبالنهاية فإن وفق قول أعجبني لكني أجهل مصدره “الشعوب التي لا تملك وعيا قد تصبح قطيع غنم يسوقه إعلام لا يملك ضميرا”. كاتبة تونسية سراب/12

مشاركة :