الجاذبية الثقافية والأفول الثقافي

  • 8/1/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

التصحّر الفنيّ العربيّ غريب. أوّل الخيط: يجب البحث عن أسباب فقد مصر دورها الرياديّ في الفن والثقافة. على مراكز الدراسات أن تدرس العلل، وأن تعكف على إيجاد المخارج التي توصل إلى الحلول، ولو تمهيداً.ليس صعباً أن ندرك أن الحلول الناجعة خارجة عن نطاق الثقافة. هي أبعد من الأوساط الفنية. لكن البداية يجب أن تنبثق من الثقافة بأوسع مفاهيمها. الثقافة نبات يحتاج إلى تربة يتوافر فيها الماء والغذاء، فما هما؟ لا بدّ من روح طموح عام، هويّة جليّة الدعائم، ذات عزة عمليّة في شخصيتها. من لا يستطيع أن يرى كيف استولى الرعاع على قمم العمالقة، فنحن لا نرميه بأنه أخفش في النهار، فالأخفش لقب لأحد عشر عالماً في النحو، ولا نصفه بالأعشى ليلاً، والأعشى صنّاجة العرب، صاحب معلقة خالدة، ولكن ننصحه بزيارة أقرب طبيب عيون.الثقافة منظومة تولد معاً وتأفل معاً. تماماً مثل المنظومات الفلكيّة. بين مكوناتها جاذبية هي الرباط والآصرة الآسرة. خذ العقود التي كانت العصر الذهبيّ الثقافيّ في مصر، في القرن العشرين. ثم خذ الموسيقى فقط. مع الأصوات الفائقة، والملحنين الأساطين، وكبار العازفين، كانت المحروسة تعجّ بأساتذة في الموسيقى منظرين ومفكرين: محمود الحفني وكريمته رتيبة الحفني، حسين فوزي، سمحة الخولي، ونقاد عارفين مثل كمال النجمي، والقائمة طويلة. شعراء الأغنية كانوا أحمد شوقي، أحمد رامي، بيرم التونسي، نموذجاً لا حصراً. في ذلك المحيط الأهراميّ الأقصريّ، كنت ترى أهراماً ثقافية من لحم ودم: طه حسين، العقاد، أحمد أمين، وخذ آلة حاسبة لمحاولة حصر أقطاب الفنون شعراً ونثراً، مسرحاً، سينما، نحتاً، رسماً، كاريكاتوراً، روايةً، قصةً قصيرةً، نقداً، تأليفاً في جميع الميادين، إلى جانب أساتذة الفلسفة والفكر زكي نجيب محمود، عبدالرحمن بدوي...في تلك البيئة كان الإعلاميون الكبار نبض الثقافة والفكر والشارع، والجسور المستقيمة إلى السلطة.تلك القوة الجاذبة، كانت محرّك سفينة الثقافة العربية، وربّان دفتها، في زمن ورقيّ بطيء التوزيع، لا شبكة عنكبوتية فيه. لكن طه حسين كان يُملي روائعه هامساً في أولمب مقامه، فيرفرف جناح فراشة فكره، فإذا هو هدير من طنجة إلى عدن. كان ذلك يفجّر صداعاً لا يطاق في رؤوس المخططين لوضع حدّ لمن يمكن أن يوقظوا العرب النائمين. قالوا: بسيطة، لا بدّ من 67، وعلى الهزيمة يكون «بناء» الدمار الشامل. الحرب تأكل التنمية، وانهيار المعنويات يوهن الطموح، ويوهي الثقافة والفكر والفنون، وعزل مصر يستأصل مفهوم الأمن القوميّ، والتصحّر العام يسهّل تغيير الخرائط.لزوم ما يلزم: النتيجة الفيزيائية: كل هذه المشكلات تحلّ إذا عرفنا معنى الجاذبية ودورها في المنظومة، وإلاّ «يفتح الله».عبد اللطيف الزبيديabuzzabaed@gmail.com

مشاركة :