ألقى عضو مجلس أمناء جائزة محمد حسن عواد للإبداع الدكتور عاصم حمدان، كلمة مجلس أمناء الجائزة، وقال فيها: معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، وزير الثقافة والاعلام السادة والسيدات الحضور.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنها لحظة تاريخية بالنسبة لي أن أقف اليوم على منبر هذا النادي العريق، لأنوب عن مجلس أمناء «جائزة محمد حسن عوّاد للإبداع الشعري» في إلقاء هذه الكلمة بمناسبة تكريم الفائز بالجائزة لهذا العام.. إنّ الشّكر لينداحُ عفو الخاطر والبديهة في استهلال كلمتي هذه إلى معالي الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، وزير الثقافة والإعلام، فما رعايته لهذا الحفل إلا أيقونة جيدة من الجمال يضعُها مع مثيلاتها في سيرته منذ أن ضمّه كُرسيُّ الوزارة، فما من مناسبة أدبية أو ثقافية أو فكرية إلا ولقيت منه الحفاوة والدعم والرعاية، مجسداً صورة الوزير المثقف بأجلى ما تكون الصورة. ثم إن الشكر يناسق إكليلاً من محبة نضعه على عنق الأستاذ الأديب أحمد باديب، وقد كلف نفسه بالرعاية المالية لهذه الجائزة، معبّراً بذلك عن طويته المُحبة للثقافة والأدب، فهو أحد أبناء هذا الوطن المثقفين، وتعرفه مدينته جدة بسمت الأدب وزينة الفكر والثقافة، فلا غرو أن يكون داعماً لهذا الجانب، ونصيراً لفعالياته، فله الشكر على ما يبذل، واسأل الله أن يجعله عملاً مقبولاً في ميزان حسناته. إن الحديث عن «جائزة محمد حسن عواد للإبداع الشعري» يستوجب الإشادة والشكر لمجلس إدارة النادي الأدبي الثقافي بجدة السابق، الذي رأسه الدكتور عبدالمحسن القحطاني، وقد تشرّفت بأن كنت ضمن مجلسه الذي أقر هذه الجائزة، ووضع ملامحها وأطرها العامة، كما يُحمد لمجلس الإدارة الحالية برئاسة الأستاذ الدكتور عبدالله عويقل السلمي أن سار على ما كان عليه الحال في المجلس السابق، بتضمين هذه الجائزة في أجندته لنحتفل اليوم بنيل الشاعر عبدالله الصيخان لها. لقد كان هدفنا الأساسي عندما أقررنا هذه الجائزة إبان الحقبة السابقة، أن نجعل منها جسراً يردم الهوّة بين الأجيال، بعدما لمسنا جفوة وحالة من الانقطاع المخيف بين الأجيال السابقة والجيل الحالي، فمن المؤسف حقاً أنّ الأجيال اليوم تجهل جهلاً كبيراً رموز الأدب والفكر والثقافة، ولا تعرف عن الروّاد شيئاً، وربما لم تقرأ حرفاً لحمزة شحاتة، ومحمد حسن عواد، وحمد الجاسر، والعقيلي، وأحمد عبدالغفور عطار، وأمين مدني، ومحمد عبده يماني، وأسامة عبدالرحمن عثمان، وعبد الله مناع، ومحمود سفر، وراشد المبارك، بل إن بعضهم ليذهب أبعد من مسألة التجاهل إلى دمغ إنتاج الروّاد والرموز بعدم الصلاحية للزمن المعاصر، وأن ما يُنتج اليوم في بعض أدبيات الحداثة يتجاوز عطاء الرواد ولا يجد له مكاناً إلا في متحف الذكريات. إن هذه النظرة تكاد تلحظها بوضوح وجلاء، وتلمسها لمس اليد اليوم، بما يُنذر بوضع مأساوي يستوجب التوقّف عنده طويلاً، إذ لابد لأجيال اليوم أن تعرف وتدرك أن تطوّر الأدب والثقافة قرين باحترام المراحل، وليس ثمة تطوّر يقوم بغير جذور متأصلة في الوعي الحضاري والفكري للأمم، وهكذا كانت الأجيال في السابق تتعامل مع المنتج الأدبي والفكري والثقافي، كل جيل يدرك أن واجبه أن يضع لبنة في الصرح، لا أن يهدم الصرح القائم بحجة عدم المواكبة والتطوير ليقيم بديلاً عنه صرحاً يتوهم فيه العصرنة والحداثة التي توافق مقتضيات اليوم، إن مثل هذا الصنيع لا يعدو أن يكون قفزة في الظلام، وخطوة في الهاوية، وغراساً بغير جذور، لا أمل له في البقاء والنمو والتطوّر.. أقول هذا وفي خاطري صور ماثلة لماهية الحفاوة الكبيرة التي تجدها رموز الأدب والفكر والثقافة في العوالم الغربية من حولنا، فرموز مثل شكسبير، وتشارلز دكينز، وتي إس إليوت، وآثر ميلر، وأيزراباوند، وفيكتور هيجو، وجوته، وتولوستوي، وطاغور، وماركيز، وغيرهم يجدون الحفاوة عند أُممهم وأقوامهم على اختلاف الأجيال، وليس أدلّ على ذلك من أن مسرحيات شكسبير لا زالت حتى اليوم تُعرض على المسارح المختلفة، ويُؤمّها الناس على اختلاف أعمارهم، وتفاوت مشاربهم الثقافية والفكرية، ولكنهم جميعاً متفقون على عبقريته، محترمون لتجربته، برغم أنهم بمقياس التطوّر والحداثة قد قطعوا شوطاً أبعد، ولكنهم مُدركون أنها كانت الأساس الذي قام عليه تطوّرهم، والركيزة التي استندت عليها حداثته.. وهذا للأسف ما نفتقده اليوم في ساحتنا الثقافية والأدبية. إن هذا الواقع هو الذي حفّز على إنشاء هذه الجائزة، متخيّرين لها اسم رائد من الروّاد المبدعين، هادفين من ذلك أن نعقد عبر اسمه جسر التّواصل بين الأجيال، وأن يكون الماضي متّصلاً بأسباب الحاضر بأوثق ما يكون الاتصال، وأن يعقد المُستقبل آصرة الصّلة على ذات المنوال من التّواصل الذي لا يعرف انقطاعاً أو تجاهلاً، فإن من تجليات هذا التّواصل أن يرسم صورة جليّة لماهية خطابنا الحضاري والثقافي والأدبي، وآثرنا أن يكون مجال الجائزة الشعر، لكون الجزيرة العربية هي مهد الشعر منذ آماد بعيدة، وظلّ الخطاب الشعري السعودي على وجه التحديد محتشداً بالجمال، وحاضراً في المشهد، وبخاصة في أنماط الشعر الحديثة كشعر التفعيلة مثلاً، فلئن كان بدر شاكر السياب ونازك الملائكة يقفان بوصفهما رمزين من رموزه البارزة في الساحة العربية، فإنّ السّاحة السعودية عرفت أصواتاً صدّاحة في هذا المجال منظورة في الشعراء: محمد العلي، وغازي القصيبي، وعبدالعزيز خوجة، وحسن عبدالله قرشي، وسعد الحميدين.. وجرى على مسارهم وحذا حذوهم شعراء الجيل الذي تلاهم فبرز محمد الثبيتي، وعبدالمحسن حلّيت، و محمد جبر الحربي، ولطيفة قاري، وأشجان هندي، وفوزية بوخالد، ولولو بقشان، ومنى العريمي، وجاسم الصحيّح، وفاروق بنجر، ويوسف الرحيلي، ومسفر الغامدي، ومحمد الحرز، وحسين عجيان العروي، وأحمد البوق، وأحمد عايل فقيهي، وشاعرنا الذي نحتفي به اليوم عبدالله الصيخان، هذا الذي تفتّحت عيناه أوّل ما تفتحت في مدينة حائل، ثم عرف الشعر في دمه باكراً فأفصح عنه جنانُه وصدح به لسانه، وطوّف به منشداً وملقياً حتى خارج حدود الوطن حيث شارك في مهرجان المربد الشعري في بغداد في منتصف الثمانينيات، وصعد به منبر مهرجان جرش في الأردن.. ثم أودع تجربته في جوف ديوانه «هواجس في طقس الوطن» في العام 1988م، وكانت تجربته أحدثت حراكاً كبيراً بإطلالتها، إذ تناولها النّقاد بالبحث والتشريح والنّقد، ليتبدى أمامهم صوت مبدع يتماهى شعرُهُ بين الذات والوطن والمرأة، دخلت قصيدته من مغزل الحداثة المستندة إلى جذور راسخة وقديمة، فجاء شعرُهُ إبداع قُدرةٍ وليس ابتداع قصور، فقصيدته انغمست في بحور الخليل، وخرجت مُبتلة بعبقها، فإذا ما زاوج بين التفعيلات في قصيدته الحديثة فإنما يكون ذلك لضرورة النّهج الدرامي الذي تلمسه في قصائده واضحاً وجلياً، وهو في أُسلوبه الشعري يأخذ من العبارات أنصعها، طائفاً على القاموس الشّعبي آخذاً منه مفردات فيعمد إلى غلسها من أوضار الاعتياد ليشحنها بطاقة شعورية، لتأخذ موضعها في قصيدته، التي تتخذ من الصحراء والحياة العروبية مسرحها في دالة رمزية على الحرية والانطلاق بغير حُدود.. هكذا يتبدى لي الإحساس كلما دخلت إلى حديقة الصيخان الشعرية.. ولا يسعني إلا أن أتقدّم له باسمي واسم أمانة الجائزة بأحر التهاني على فوزه بالجائزة، وهو فوز جاء عن جدارة واستحقاق، فقد حرصنا في أمانة الجائزة أن نجعل معيار الموضوعية وصرامة منهج الاختيار وفق الأُسس العلمية ديدننا في الاختيار، لذا فقد قمنا بإحالة كل الأعمال المتنافسة إلى ثلة من النّقاد المشهود لهم في الساحة، وتركنا لهم حرية العمل بلا أدنى تدّخل، حتى أنّنا لم نعلم الاسم الفائز إلا بعد الإعلان عنه، فالغاية الأساسيّة من هذه الجائزة أن تُؤسّس نهجاً علمياً في الاختيار، موقنين كذلك أن كل التجارب التي تقدّمت للتنافس جديرة بالحفاوة والتقدير، وجديرة أيضاً بأن يكون لها موضع في الساحة، فليدأب أصحابها ويُثابروا على تأكيد الحضور بالتنافس في المواسم المقبلة للجائزة، وحري بالمُثابر أن يبلُغ مُراده وشيكاً. أعود بما ابتدأت به كلمتي هذه مجدداً شكري وتقديري لمعالي وزير الثقافة والإعلام الوزير المثقف الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة، وللأديب أحمد باديب، ولمجلس أمناء الجائزة، ولمجلس إدارة النادي الثقافي الأدبي بجدة برئاسة الأستاذ الدكتور عبدالله عويقل السلمي.
مشاركة :