غزة الصامدة والمقاومة لاتستحق الانتقاد ولا التنكر لبطولاتها الممتدة على طول جغرافية وزمن الاحتلال الصهيوني، فالحرب الصهيونية عليها اليوم أضافت لها صفحة جديدة في تاريخ نضالها الملحمي المقاوم لعدو محتل ومتكبر لا يعرف ميثاقاً أو عهوداً تردعه عن التنكيل بالصامدين بغزة، فتبرير بعض الكتاب العرب للعدوان الإسرائيلي على غزة هو عدوان على الدم والحقوق والنضال، فمن حمل حركة حماس سبب تدمير غزة أسقط كل الحجج التاريخية والشهداء والمهجرين والمعتقلين الفلسطينيين من حساباته، وجعل القضية وكأنها بين جماعة خارقة للقانون ودولة لها يد بطش قوية، فمعارضة حماس سياسياً شيء وتبرير قتل أهل غزة شيء آخر، فإسرائيل لا تحتاج لسبب لقتل الإنسان الفلسطيني. فوجودها سبب ونتيجة لكل الكوارث التي أصابت الشعب العزيز في الأرض المحتلة. في الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2008 نهض ضمير بعض المنظمات الدولية والمؤسسات القانونية والإنسانية في العالم وطالبت بمحاكمة العشرات من المسؤوليين الإسرائيليين بسبب ارتكابهم جرائم إنسانية ضد أهل غزة وكانت مطالبات معززة بالأدلة القانونية ومؤيدة بوعي إنساني غير مسبوق، إلا أن الأمر لم يخرج عن تقاليد العصابات الإنسانية التي تسيطر على عدالة القضاء وأحكامه بالعالم، تعلن الاتهامات بدون أحكام عادلة تفصل بها. من هذه الزاوية تعرف قوة الإصرار الفلسطيني على التمسك بحقوقة ومتابعة نضاله وحيداً لا سلاح يحمي به دمه إلا دمه. مصيبة غزة اليوم أنها لم تعد صاحبة الامتياز الوحيد لإيقاظ الحس القومي عند الشعوب العربية، فقد لحقت بها دول عربية أبيدت بأيد عربية، فشعور الأشقاء لم يعد يتسع لحمل مصائب قديمة تتجدد، بل زاد الأمر سوداً فغدت غزة محسودة في مصيبتها، فهي تقاتل عدواً محتلاً لا يشترك معها في عقيدة ولا تاريخ ولا دم، بينما شقيقاتها انتهكت محارمها، ويقتل المؤذن على يد المصلين وتقام الصلاة، فعذرا غزة فقد فقدنا العاطفة التي تجذبنا لمأساتك كلما صرخت جراحك تبحث عن العرب، فالعاطفة رحلت مع الحيل والمساندة، وحدك فقط القادرة على الاستمرار في النضال بدون عاطفة الاشقاء ومساندتهم لان مأساتك وحدها التي تذكر بان للعرب قضية عادلة تخلوا عنها ولم تتخلى عنهم. غزة ليست حماس ولا جماعة الإخوان ولا قضية تستعمل في الرهانات السياسية كما يريدها الإخوان اليوم لضرب خصومهم السياسيين، فقط نذكر بأن الذي صنع ميثاق التهدئة مع الإسرائيليين هو الرئيس مرسي وليس السيسي، فالذي خذل القضية الفلسطينية هم جماعة الإخوان فقد كانوا أيام حكم مبارك يشعلون الشوارع غضباً مع كل انفجار يضرب الأرض المحتلة، ويحرقون الأعلام وصور الرؤساء ونادوا بالجهاد "خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود" وعندما وصلوا للحكم تنازلوا عن الكفاح وأهدوا الاحتلال التزامات سياسية تحمي خروقاته وعجرفته وتعهدوا بأن يكونوا كما أرادهم الإسرائيليون أن يكونوا، سقطت الأقنعة وقبلها سقط التاريخ والنضال المشترك. غزة سوف تتجاوز حماس وحلفاء حماس فمن يقوم بضرب الاحتلال أطفال فلسطين الذين يحاول مقاولو السياسية استثمار دمائهم لصالح جماعة الإخوان مرة، وطهران مرة، مثل ما كان في السابق يعملون لصالح نظام بشار الأسد، هذا العفن لا ينسي أن غزة واحتلالها أشرف قضية عرفها التاريخ العربي، ولا ينسي إيضاً أن المقاومين فيها اليوم هم أحفاد المقاومين الأوائل، تموت أجيال وتحيا أرض وستبقى حية إلى أن يزول الاحتلال.
مشاركة :