الحكومة التونسية تشرع في تطبيق برنامج إصلاح أنظمة التقاعدتتحرك الحكومة التونسية بخطوات جادة لإصلاح قطاع الوظيفة العمومية وأنظمة التقاعد. واعتمدت على إستراتيجية وطنية تقوم على جملة من التوجهات والبرامج في إطار نسق تشاركي لإصلاح القطاع، وسنت قانون التقاعد المبكر وسارعت في تفعيله لتجاوز العجز المالي ولفتح آفاق التشغيل للشباب المعطل من أصحاب الشهادات العليا.العرب آمنة جبران [نُشر في 2017/08/04، العدد: 10712، ص(4)] التوجه نحو التقاعد المبكر للحد من مأزق البطالة تونس – تواصل الحكومة التونسية تفعيل جملة من إصلاحاتها المتعلقة بقطاع الوظيفة العمومية وأنظمة التقاعد والنصوص القانونية الخاصة بها، للدفع بمسار النمو الوطني والخروج من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. ودعت رئاسة الحكومة، في بلاغ لها، أعوان الوظيفة العمومية الذين يبلغون السن القانونية للتقاعد خلال الفترة الممتدة بين بداية يناير 2018 إلى بداية يناير 2021 والراغبين في الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية، إلى الشروع في تقديم مطالبهم في الغرض عن طريق التسلسل الإداري في أجل أقصاه 2 أكتوبر القادم. ويأتي هذا الإجراء تطبيقا لإستراتيجية الحكومة التونسية في إصلاح قطاع الوظيفة العمومية من خلال إعادة هيكلته وتنقيح قوانينه وفق ما تقتضيه المرحلة الراهنة في تونس. وصادق البرلمان التونسي في يونيو الماضي على قانون التقاعد المبكر والذي يشمل ضبط أحكام استثنائية للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العمومية. وقال عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة الأسبق لـ”العرب” إن “منطلقات هذا القانون موضوعية بسبب التناسب العكسي بين الموظفين وواقع النمو في تونس ويعد المنطلق الرئيسي له”. وأشار البريكي إلى أن “قانون التقاعد المبكر يندرج ضمن جملة من الإصلاحات المطروحة للبحث عن آليات تقلص من انعكاسات الأجور على ميزانية الدولة، حيث يعد ضمن الحلول المعالجة لهذه الأزمة”. ويعيش الاقتصاد التونسي حالة تراجع حاد منذ ثورة يناير عام 2011، كما أن هجمات إرهابية تعرضت لها البلاد العام الماضي تسببت في تعطيل تدفق السياح إليها، ما أدى إلى تفاقم اختلال التوازنات المالية. ويضيف البريكي “أهمية هذا القانون تكمن في أن التقاعد المبكر ليس إجباريا وإنما هو اختياري. ولا وجود لأي صيغة من صيغ التعسف في هذا القانون لأن المسألة اختيارية”. ولفت البريكي إلى أنه “أمام توقف الانتدابات في الوظيفة العمومية قد يكون هذا الخيار من بين الحلول التي تفتح آفاق التشغيل مستقبلا، خاصة إذا حقق النمو بعض التقدم”. ويضيف “يستطيع أن يفتح قانون التقاعد المبكر آفاق التشغيل خاصة مع تواصل معضلة البطالة في صفوف أصحاب الشهائد العليا، لكنه رهن تمكن تونس من تحقيق نسب نمو مرتفعة مقارنة بالوضع الحالي”. وكشف المعهد الوطني للإحصاء أن النتائج الأولية للحسابات الثلاثية المتعلقة بالثلاثي الأول من سنة 2017، أفرزت ارتفاعا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 بالمئة مقارنة بنفس الثلاثي من السنة الماضية. وتعتبر نسبة الناتج المحلي المسجلة لهذه السنة أعلى نسبة نمو اقتصادي لتونس منذ سنة 7 سنوات، حيث كانت تعدّ سلبية سنة 2011 وحتى في سنتي 2015 و2016 وبلغت في الثلاثي الأول من سنة 2015، 0.1- بالمئة وفي الثلاثي الأول من سنة 2016، بلغت 0 بالمئة. وأوضح البريكي أنه “من المفيد في المرحلة الحالية النظر في الإجراءات العملية لإصلاح الوظيفة العمومية، من الأفضل أن تتم معالجتها مع الأطراف الاجتماعية المعنية وخاصة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، تجنبا لكل ما ينجر عن هذا الخيار من بعض المخلفات”. وتعتمد الحكومة التونسية على مسار عمل تشاركي بين مختلف الفرقاء في الحكم من أحزاب ومنظمات ومجتمع مدني، وفق ما تقر به حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت في أغسطس العام الماضي على قاعدة وثيقة قرطاج. وحددت وثيقة قرطاج أولويات حكومة الوحدة الوطنية، وأهمها التصدي للإرهاب ومكافحة الفساد وتسريع نسق النمو والتشغيل، ووقعت عليها أحزاب تونسية إضافة إلى الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية). ويضيف البريكي “من المفيد جدا أن يتم التشاور مع الاتحاد، خاصة أن تونس بعد الثورة اختارت المسار التشاركي لمعالجة القضايا وخاصة في ما يخص معالجة الإصلاحات الكبرى”. ويدعم الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة التونسية، رغم ما اتسمت به العلاقة بينهما بالتوتر في العديد من القضايا كملف إرجاء الزيادة في الأجور، إضافة إلى تباينات في ملف وزير التربية السابق ناجي جلول قادت إلى إقالته في مايو الماضي. وتم التوصل إلى حلول مشتركة بينهما تجسيدا لروح العمل الوطني المشترك وتغليبا لمصلحة البلاد. وأكد الكاتب العام للحكومة التونسية الهادي الماكني، الأربعاء، أن المنتفع بقانون الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية في قطاع الوظيفة العمومية، يخوّل له الحصول وبصفة فورية على جراية التقاعد حالما يتحصل على مقرر الإحالة على التقاعد من قبل اللجنة المختصة برئاسة الحكومة. ولفت الماكني الخميس، عقب جلسة عمل انعقدت بقصر الحكومة للنظر في سبل حسن تطبيق أحكام هذا القانون، إلى أهمية اعتماد معايير موضوعية لدراسة الملفات وخاصة تلك المتعلقة بالوضعية الاجتماعية والصحية للأعوان العموميين مع مراعاة متطلبات ضمان السير العادي للعمل بالمرفق العمومي. ودعا إلى ضرورة إيلاء القانون ما يستحقه من اهتمام عبر الحرص على إنجاحه في أسرع الآجال. وتطرقت الجلسة إلى الإطار القانوني المنظم لهذه العملية ومجال تطبيقه، بالإضافة إلى الحرص على مزيد توضيح الشروط المستوجبة للانتفاع بهذا الإجراء، فضلا عن إجراءات تقديم المطالب. وتم خلالها استعراض أهم الخطوط الإستراتيجية الوطنية لتحديث الوظيفة العمومية والتي تهدف إلى ترشيد عدد الأعوان بها والتخفيض من ضغط كتلة الأجور على ميزانية الدولة. وتحرص الحكومة التونسية على حسن تنفيذ برنامج إصلاح أنظمة التقاعد وتحديث الوظيفة العمومية من خلال إقرار رزنامة تتضمن مختلف المراحل المرتبطة بهذا المشروع.
مشاركة :