الحكومة التونسية مشدودة بين ضغط الشارع ومتطلبات الإصلاح الاقتصاديعاشت تونس الآونة الأخيرة على وقع احتجاجات اجتماعية تطالب بنصيبها في التنمية والتشغيل، إضافة إلى مساعي الموظفين بالقطاع العام والخاص لتفعيل الزيادة في الأجور التي أعلنت عنها الحكومة يناير الماضي، ما أربك الخطط الحكومية في إنقاذ الاقتصاد المتردي، وهو ما يستدعي هدنة اجتماعية بواسطة المنظمة الشغيلة لرأب حالة الاحتقان وتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة.العرب آمنة جبران [نُشر في 2017/10/28، العدد: 10795، ص(4)]هدنة اجتماعية جديدة سبيل الحكومة التونسية لعلاج حالة الاحتقان تونس - أربك نسق الاحتجاجات الاجتماعية المرتفع في تونس محاولات الحكومة للنهوض بالاقتصاد المتردي منذ اندلاع ثورة يناير عام 2011 والإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وأعلن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل)، تسجيل أكثر من ألف و900 تحرّك احتجاجي من أجل مطالب اجتماعية، من يونيو حتى سبتمبر الماضيين، بجميع محافظات البلاد. وقال مسعود الرمضاني رئيس المنتدى لـ”العرب” إن “منسوب الاحتجاجات ارتفع ليبلغ 8000 احتجاج خلال العام الجاري بين شهر يونيو إلى شهر سبتمبر الماضيين، في حين كانت تبلغ 6000 احتجاج عام 2015”. وتوقع الرمضاني أن “ترتفع التحركات الاجتماعية خلال الفترة القادمة وبحلول الموسم الشتوي”. وبرر ذلك “بسبب الجدل التي أثاره مشروع موازنة العام القادم، وتواصل البطالة وإعلان الحكومة عن تجميد التوظيف، إضافة إلى تواصل ارتفاع الأسعار”. واعتبر رئيس المنتدى أن “ارتفاع عدد التحركات الاحتجاجية يُعبّر بشكل واضح عن صعوبة الوضع الاجتماعي في تونس، نتيجة ضبابية المشهد السياسي، وتدهور الوضع الاقتصادي”. ورأى الرمضاني أن “الاحتجاجات ستؤدي إلى المزيد من تردي الوضع الاقتصادي في ظل غياب الحلول والإصلاحات”. وأشارت تقارير المنتدى التي أعدها خبراء إلى تسجيل 569 تحرّكا احتجاجيا في يونيو و630 تحرّكا في يوليو الماضي. ولفت عبدالستار السحباني عضو في منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريحات صحافية إلى أن “شهر أغسطس شهد 283 احتجاجا، وسبتمبر 423 احتجاجا”. وأوضح السحباني أنّ “ما يُلاحظ، استنادا إلى هذه الإحصائيات والأرقام، هو ارتفاع وتيرة التحركات الاحتجاجية في شهر سبتمبر، عقب تراجعها في أغسطس”. وخلص إلى أن “ذلك يوحي بإمكانية تزايد وتيرة الاحتجاجات في الفترة المقبلة، خصوصا في ظل صعوبة الوضع الاجتماعي الراهن”. وتشهد تونس منذ مطلع العام الجاري احتجاجات شملت مختلف محافظات البلاد، وخصوصا تطاوين (جنوب شرق)، وقبلي (جنوب غرب)، والقيروان (وسط)، للمطالبة بالتوظيف والتنمية.8 آلاف تحرك احتجاجي شهدتها محافظات تونس من يونيو إلى سبتمبر 2017 ويطالب المحتجون بنصيبهم في التشغيل وتفعيل الوعود الحكومية السابقة، كما يشتكي أهالي المحافظات من غياب التنمية في مناطقهم، كمحافظة تطاوين التي تحتوي على ثروات نفطية لكنها مازالت من المناطق المهمشة، ونسب البطالة فيها عالية مقارنة بمناطق أخرى. وعاشت محافظة تطاوين على وقع الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل في شركات البترول بالصحراء التونسية. ووصلت الاحتجاجات إلى حد المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، أدت إلى مقتل شاب بعد عملية دهس بسيارة أمنية. كما نجم عن ذلك توقف لعملية الإنتاج. وتمكنت الحكومة من السيطرة على حالة الاحتقان الاجتماعي، حيث توصلت مع المحتجين إلى اتفاق لإعادة إنتاج الغاز وإنهاء الاحتجاج في تطاوين بجنوب البلاد بعد وساطة اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد). ولعبت المنظمة النقابية المشاركة في اتفاق قرطاج المبرم في أغسطس 2016، دورا بارزا في تحقيق هدنة اجتماعية بعد تصعيد المحتجين وحالة التوتر الاجتماعي، واختارت أن توحد جهودها مع الحكومة للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي. وتشكلت وثيقة قرطاج في أغسطس عام 2016 ووقعت على مضامينها تسعة أحزاب وثلاث منظمات تونسية من بينها المنظمة الشغيلة. وحددت الوثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية ومن ضمنها تحقيق إصلاحات اقتصادية عاجلة. ويرى مراقبون أن الاتحاد باعتباره وسيطا بين الطرف الحكومي والفئة العاملة بالبلاد قادر على رأب حالة الاحتقان، خاصة وأن الاحتجاجات شملت قطاع الوظيفة العمومية وقطاع التشغيل الخاص أمام دعوات بتفعيل الزيادة في الأجور. ويشير هؤلاء إلى أن المنظمة الشغيلة تستطيع أن تحقق هدنة اجتماعية جديدة في حال تواصل الاحتجاجات كسبيل للحكومة للخروج من حالة الاحتقان، خاصة وأن قرار الزيادة في الأجور الذي أعلنته الحكومة في يناير الماضي، لم يفعل نتيجة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد. وأكد محمد علي البوغديري الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل المكلف بالقطاع الخاص في تصريحات لـ”العرب” أن “اتحاد الشغل في الصفوف الأمامية لدعم الحكومة وسنتصدى لكل احتجاج غير سلمي”. ورأى البوغديري أن “الاحتجاجات غير مقبولة إذا تجاوزت التحرك السلمي”، مشيرا إلى أن “الاتحاد يدرك أن البلاد تمر بفترة اقتصادية صعبة، حيث أنها مازالت في الخطوات الأولى للترفيع في نسبة النمو”. وأعتبر البوغديري “خطوات النمو بطيئة لكن ثابتة نحو التقدم”. وتأمل تونس في أن ينمو اقتصادها بنسبة ثلاثة بالمئة العام المقبل مقارنة مع 2.3 بالمئة هذا العام. وأردف البوغديري “نحن لا نستطيع إلا أن ندعم التوجه الحكومي، لكن أيضا نراقبه باعتبار أننا شركاء في وثيقة قرطاج”. ولفت إلى أن “الاتحاد ينتقد من أجل البناء ولنا ثقة في آن تونس سنتجاوز الأزمة الاقتصادية وستسترجع الحكومة ثقة المستثمرين كما السياح”. ويرجح خبراء في الاقتصاد تزايد وتيرة الاحتجاج في تونس بسبب الضغط الضريبي الذي تقره موازنة العام 2018. ويقترح مشروع الموازنة العامة 2018 زيادة في الضرائب، ويشمل ضريبة القيمة المضافة، والضرائب على الأجور والدخل، إلى جانب إقرار مساهمة اجتماعية عامة تفرض على الدخل. ويدافع رئيس الحكومة يوسف الشاهد عن الموازنة بالقول إنه “ليس فيها تراجع في منظومة الدعم ولا زيادة في الضرائب، بل هناك إعادة توجيه الجباية”. وقال رضا الشكندالي الخبير الاقتصادي لـ”العرب” “هذا الترفيع سيكون له انعكاس سلبي على المقدرة الشرائية للمواطن”، لافتا إلى أن “الاحتجاجات ستخلق مناخ أعمال متعكر ومتغير لا يشجع المستثمر المحلي والأجنبي”. ورأى الشكندالي “أنه لا بد للحكومة أن تراجع خياراتها حتى تتمكن من الترفيع في نسبة النمو”. ومن المنتظر أن يشرع البرلمان التونسي، بعد أيام، في مناقشة مشروع قانون المالية والموازنة العامة للدولة للعام المقبل.
مشاركة :