تعكس الوقائع الميدانية على أرض المعركة التي سيقوم بها الجيش اللبناني ضدّ «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع كما «المواكبة السياسية» للمواجهة الوشيكة حساسية ما يحوط بهذا الملف الذي يشكّل امتداداً للعملية التي نفّذها «حزب الله» أخيراً في جرود عرسال وانتهتْ الى انسحاب «جبهة النصرة» منها (ومن القلمون الغربي) الى إدلب من ضمن صفقة متعدّدة المراحل (شملت تبادُل جثث وأسرى وموقوفين ونقل المسلّحين وآلاف النازحين الى إدلب). وفي حين كان الجيش اللبناني يبلْور أمس استراتيجية «القضم» والسيطرة «النظيفة» على التلال المشرفة على مواقع «داعش» بعدما تَقدّم اليها على وهج القصف المدفعي والصاروخي المستمرّ منذ الخميس، فإن أوساطاً مطلعة توقفت عبر «الراي» باهتمام كبير أمام حرْص المؤسسة العسكرية على تبديد الانطباع الذي ساد بأن «حزب الله» وعبر إطلاقه معركة جرود عرسال هو الذي اختار التوقيت العسكري لمعركة جرود رأس بعلبك والقاع من ضمن أجندته الاقليمية، وبأنّ إطلالة أمينه العام السيد حسن نصر الله هي التي حدّدتْ «الساعة صفر» لعملية الجيش والتي رسمتْ الإطار الميداني الذي يقوم على تنسيق مع الجيش السوري و«حزب الله» اللذين سيحرّكان بالتوقيت نفسه الجبهة ضدّ «داعش» على المقلب السوري (قارة والجراجير) الذي يشكّل امتداداً لرأس بعلبك والقاع. وحسب هذه الأوساط فإنه ليس عابراً تَعمُّد الجيش توجيه رسائل بأن «الأمر له» بتحديد ساعة المعركة وبأن لا «شركاء» معه فيها، لبنانيين او من الخارج (الجيش السوري أو حتى الغطاء الجوي الروسي والأميركي)، بعدما كانت عملية «حزب الله» ضدّ «النصرة» وما تخلّلها من مفاوضاتٍ انتهتْ بخروجٍ «آمِن» لأمير «الجبهة» في الجرود ابو مالك التلي ومسلّحيه (المسؤولون عن قتْل عسكريين وعناصر أمن إبان معركة عرسال 2014 وبعدها) أثارتْ غباراً لدى بعض الداخل وغالبية الخارج حول ظهور «حزب الله» بموقع «حامي لبنان» من الإرهاب فيما الجيش اكتفى بحماية بلدة عرسال والنازحين ومنْع أي إقحام لها في المعركة. وإذا كان «الإطباق» التدريجي للجيش اللبناني على مواقع محيطة بمراكز «داعش» في رأس بعلبك والقاع اعتُبر في سياقِ رفْع مستوى «الإنذار بالنار» للتنظيم بأنّ «المعركة على الأبواب» والوقت صار ضيّقاً لإنهاء الأمر بتفاوضٍ يشمل بتّ مصير العسكريين التسعة الأسرى لدى «داعش» (منذ اغسطس 2014) وانكفاء المسلّحين الى البادية السورية، فإن إشارة مصادر عسكرية رفيعة (عبر صحيفة «المستقبل») في ما خصّ هذه المعركة الى «أن الجيش اللبناني ليس بحاجة إلى تنسيق مع أحد، لا مع الجيش السوري ولا مع غيره، فلديه القدرات العسكرية الكافية لتحرير الجرود» وبأن «ساعة الصفر يحدّدها العماد جوزف عون دون غيره»، بدتْ في إطار محاكاة الحساسية الكبيرة لأيّ انزلاقٍ للمواجهة المرتقبة باتجاه إظهار الجيش في «خندق» ميداني واحد مع الجيش السوري و«حزب الله»، وهو ما سيرتّب أضراراً داخلية وخارجية على صورة المؤسسة العسكرية ومصير المساعدات الدائمة التي يحتاج إليها. وإذ استوقف الأوساط المطّلعة عيْنها قول وزير الدفاع يعقوب الصراف في حديث إذاعي رداً على سؤال حول التنسيق العسكري بين الجانبين اللبناني والسوري «أين المشكلة في التنسيق مع سورية إن كان سيصب في صلب المصلحة الوطنية»؟ نافياً في الوقت نفسه «أي تنسيق من هذا النوع» وعازياً السبب الى «الخلاف السياسي في هذا الملف»، فإن الوقائع الميدانية أكدت مضيّ الجيش في تمهيد الميدان أمام انطلاق المعركة ضدّ «داعش» بـ «ظهر آمن» له، وهو قام أمس بالتقدم من أكثر من محور وسيطر على تلة النجاصة وتلال دوار الزنار قرب وادي شبيب عند التماس بين جرديْ عرسال وراس بعلبك، كما سيطر على تلة ضليل الاقرع في جرود راس بعلبك الفاكهة وهي من اهم التلال المشرفة على مواقع «داعش» ورفع عليها العلم اللبناني، بعدما أوقع 6 قتلى في صفوف المسلحين. وفي موازاة هذا الملف الذي يحتلّ الأولوية في بيروت، انشدّت الأنظار الى الجبل الذي أحيا الذكرى 16 للمصالحة التاريخية المسيحية - الدرزية التي تكرّستْ في 2001 بزيارة البطريرك الماروني حينها الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير للمختارة (معقل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط)، وهي المصالحة التي شكّلتْ حجر الزاوية في الجسر العابِر للطوائف الذي وفّر في 14 مارس 2005 الحاضنةَ لانفجارِ «ثورة الأرز» بوجه سورية بعد شهرٍ على اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وخيّم على ذكرى المصالحة مناخ «الودّ المفقود» بين جنبلاط ورئيس الجمهورية ميشال عون وتياره (الوطني الحر) والذي تبلور خصوصاً ابان مرحلة إعداد قانون الانتخاب، كما ملامح «التوتر» في العلاقة بين «التيار الحر» وحليفه المسيحي «القوات اللبنانية» على خلفية إدارة السلطة وبعض الملفات، وهو ما تجلّى بعدم حضور جنبلاط الى دير القمر للمشاركة بالقداس الذي أقيم في عيد كنيسة سيدة التلة على نية مصالحة الجبل، وهو القداس الذي ترأسه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وحضره عون وحشد من الشخصيات. وقد أوفد جنبلاط نجله تيمور الى دير القمر كما الى مطرانية بيت الدين المارونية حيث أقيم حفل غداء، ثم الى الاحتفال المركزي بذكرى المصالحة في قصر الأمير أمين بعنوان «ويبقى الجبل» معتذراً عن عدم حضور المناسبة الأخيرة لأسباب صحية (كان عرّج لدقائق على غداء بيت الدين)، بعدما كان رحّب بعون في دير القمر بتغريدة على «تويتر» قال فيها: «أهلاً وسهلاً بالعماد عون والبطريرك الراعي في الشوف في عيد سيدة التلة وعيد المصالحة والتحية للمطران مارون العمار». ولم يخفف غياب جنبلاط عن احتفال قصر الأمير أمين وطأة مقاطعته زيارة عون، وسط مفارقة مقاطعة «التيار الحر» النشاطيْن اللذين أقيما في بيت الدين وسط اتهام أوساطه كلاً من «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«القوات» (علاقتهما ممتازة) بعدم توجيه الدعوة كما يجب إليه لهذه المناسبة.
مشاركة :