حواء التي عاشت 12 عاما متخفية وراء أسماء مستعارة بقلم: خلود الفلاح

  • 8/10/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ترفض الشاعرة حواء القمودي أن تكون قصيدتها مسكونة بهواجس فقط، وتبرر ذلك بأن الهواجس تتناثر عندما يجيء الصباح، وتضيف “أظن وبعض الظن ليس إثما، أن قصيدتي مليئة برؤية وربما قضايا، وهما مزعجتان، تريدان البحث عن حلول وتطرحان الكثير من الأسئلة، هما دائما في مواجهة مع الذات والمجتمع ولا أستطيع كشاعرة أنثى أن أتخلص من عبء هذه الأنوثة، هي تظهر وتجأر بشكواها وتقول رغباتها، ولكن هي أيضا عالقة مع قضايا الحرية والحب تحمل صخرة الجسد ليس كبيولوجيا، بل ككيان يقمع ويهمش ويتم وأده بدم بارد، ورغم هذا التفلسف تعجبني الهواجس، لأنها بنت الليل والرغبات المنطفئة والشجن”. واعترفت الشاعرة حواء القمودي أنها تخفت وراء أسماء مستعارة لسنوات طوال بدأت بأريحا صامد وانتهت عند دلال المغربي، وتضيف “أذكر عندما سمع أخي اسمي في برنامج إذاعي قال لي: اكتب ولكن ليس باسمك الحقيقي، وحين بدأت الكتابة في الصحافة واجهتني ذات الحكاية فاخترت التخفي وراء اسم مستعار وكان أريحا صامد هو اسمي في عدة مقالات وأحيانا بنت سوق الجمعة، ثم اخترت دلال المغربي وهو اسم ظل يلازم كتاباتي الشعرية حتى عام 1995، حين نشرت نصوصي في مجلة الناقد”. وفي العام 2000 نشرت الشاعرة أول نص شعري باسمها الحقيقي حواء القمودي، واختارت اسم والدها وليس اسم العائلة، وتعترف أن التخفي وراء الاسم المستعار منحها فضاء من الحرية وظلا من الغموض. وكتبت حواء “بنت السانية” قصائد كثيرة من وحي السانية من بينها هذه الأبيات الذي تقول فيها “تنسج من السانية قفطانا للنوم/ تختلس من جرة الفخار السمن/ وتغلبها خابية الزيت/ وتنهمر غضبا/ لأن توت فاطمة اللذيذ سرق؟الأصوات المتميزة تغيب عن المهرجانات المختصة في قصيدة النثر، وأجيال من المبدعين تمر دون كلمة شكر وهنا طرحنا عليها سؤال “هل يمكننا اعتبار هذه القصائد سيرة ذاتية لحواء الطفلة والصبية والمرأة؟”، فأجابت “السانية”، وهي بالمناسبة كلمة فصيحة جمعها (سوان) وجدتها مرة في بيت شعر جاهلي لا يحضرني، والسانية هي الكلمة التي نطلقها على أرض واسعة بها بيوت كثيرة وعادة تكون لأقارب من الدرجة الأولى، هذه البيوت محاطة بمزارع من الزيتون والنخيل والكروم وفي هذا الفضاء الواسع والملون عشت وولدت في بيت طيني وشربت الحليب طازجا وأمي تحلبه من ضرع البقرة، قطفت الطماطم والفلفل والباذنجان وحصدت الشبت والنعناع، وحفنت بيدي تمر التوت ودسسته فمي، وغمست الخبز الساخن في زيت الزيتون، ونمت على ترابها الأسمر، وسبحت في الجابية، وتعطرت بالزهر، ولونت يديّ بالحنة، كل هذه الروائح والألوان فاحت في روحي وعطرتها ولونتها بالجمال حتى هذه اللحظة، وبالتالي قد تكون قصائدي التي تمتح من معينها هي سيرتي”. وأوضحت حواء أن قصيدة النثر ما هي إلاّ دعوة للتغيير والقفز على الحواجز، وتابعت “نحن مجتمعات ترضخ للسكون وتحب الثبات وتقلق من التغيير، بل هي تفزع من محاولة التغيير، قصيدة النثر أقلقتهم وقضت مضاجعهم، آذانهم تعودت وعقولهم تكلست وقصيدة النثر مشاغبة تنبش في الذاكرة، ذاكرة القلب والروح تحب الضحك والمشي حافية”. بهذا المعنى تعتبر القمودي قصيدة النثر ثورة، لكنها ترى أيضا أنها سمحت للكثير من الـ”مرتزقة”، على حد توصيفها لبعضهم، بتسلق حائطها، وفي أحيان تصدر المشهد. وتوضح “أقرأ للكثير من الأصوات المتميزة والتي لا أجدها تتصدر مهرجانات كثيرة مختصة في قصيدة النثر، وأجد المتكسبين من ركوب موجتها، فمن يكتبون قصيدة النثر يشاكسون الأسئلة، وللأسف هناك أجيال من المبدعين الليبيين يمرون دون كلمة شكر حتى”. وأشارت حواء القمودي إلى أن القضايا التي تناولتها رائدات الأدب الليبي منذ أول مجموعة قصصية صدرت مطبوعة “من القصص القومي” لزعيمة الباروني عام 1958، وأول رواية صدرت في ستينات القرن الماضي “شيء من الدفء” لمرضية النعاس، وأول ديوان شعري صدر في الثمانينات “في القصيدة التالية أحبّك بصعوبة” للشاعرة فوزية شلابي، هي قضايا مازالت موجودة بأعمال الكاتبات من الأجيال التالية. وتقول موضحة “أعني هنا القضايا التي تخص حرية المرأة وحقوقها، وقد كتبت ذات مقالة، متسائلة: هل ستأتي صحافية أو كاتبة بعد خمسين عاما وتكتب عن ذات هذه القضايا.. يا لتعاستنا؟ لكن الجميل أن المبدعة الليبية، شاعرة أو قاصة أو روائية، قد أبحرت في خضم الإبداع وتنزهت في رياضه، ومع ذلك يبقى الأهم هو النقد وعينه الساهرة التي ترصد التطورات في المشهد الإبداعي لنعرف هل ما تكتبه الأجيال الجديدة هو امتداد لما كتبته الرائدات”.المجتمعات العربية ترضخ للسكون وتحب الثبات وتقلق من التغيير، بل هي تفزع من محاولة التغيير أصلا الشعر صنو الحب ترفض حواء القمودي الرأي الذي يطالب الرواية النسائية الليبية بتقديم صورة حقيقية عن المرأة الليبية والمجتمع الليبي بعاداته وتقاليده، وتضيف “حتى الصورة الفوتوغرافية لن تكون مثل الأصل، لأنها تحمل رؤية عين من التقطها وهكذا فإن الرواية الليبية النسائية تحديدا غير معنية بتقديم صورة حقيقية عن المجتمع الليبي بعاداته وتقاليده، ذلك شأن آخر يهتم به متخصصون مختلفون عن المبدعين”. وترى الشاعرة الليبية أن الإبداع ينطلق من المغايرة، والروائية الليبية سبحت شوطا طويلا ووصلت إلى جائزة البوكر العربية لعام 2016، برواية “زرايب العبيد” لنجوى بن شتوان، كما أن الأعوام الأخيرة شهدت صدور روايات هامة، مثالها في ذلك: رواية “يحدث” للشاعرة عائشة المغربي في العام 2013، ورواية “صراخ الطابق السفلي” للناقدة فاطمة الحاجي في العام 2015، وعنهما تقول “هما روايتان تتناولان حدثا اختصت به بلادنا وهو عملية شنق الطلاب في الجامعات الليبية، ولكن عائشة كانت بنغازي مدينتها هي مسرح الرواية أمّا طرابلس فكانت مسرح الحدث في رواية الحاجي”. ومن شعرها تقول حواء القمودي “يسمونك قصيدة جديدة/ يترقبون هطولك في روحي/ وأنا فاغرة القلب/ أرقب هذا العالم الخرب ينهار/ الدم يغطي البياض/ والصلوات لم تعد تعرف.. أين تذهب؟ وعن سؤال “العرب” حول مدى قدرة الشعر على اختزال الدمار، تقول “الشعر صنو الحب، فكيف يختزل الدمار، لكن هذا الشعر ليس بعيدا، كما الحب أيضا، ولهذا كتبت قصائد بعد العام 2011 لا تنفصل عن هذا الواقع، أذكر قصائد ‘إنهم في انتظارك’ و’هل أقول الحلم وأبكي’ و’تلويحة غياب’ وغيرها من نصوص اتكئت على هذا الخراب، لكنها سبحت في فضاء الأمل”. وتضيف “خامة الأوطان تبنى، الحلم بها لا يكفي، ولكن العمل من أجلها هو من يصنع هذه الأوطان”.

مشاركة :