ما لم يحل العراقيون مشكلتهم مع مزدوجي الجنسية من حكامهم، فإن حلمهم بإقامة دولة جديدة سيظل معلقا في الهواء.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/08/10، العدد: 10718، ص(8)] يغص العراقيون بحقيقة أن حكامهم الحاليين في معظمهم بريطانيو الجنسية. يقف في المقدمة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. هناك العشرات من الوزراء والسفراء والنواب والقضاة، ناهيك عن الذين يعتلون مناصب خاصة ورفيعة المستوى هم أيضا بريطانيون. صحيح أن كل أولئك السياسيين قد استعادوا جنسيتهم العراقية التي حُرموا منها في سنوات اغترابهم، غير أنهم لم يتخلوا عما يعتبرونه مكسبا شخصيا تاريخيا وهو حصولهم على المواطنة البريطانية. كل أولئك وسواهم من أصحاب المناصب السياسية العليا الذين يتمتعون بالحصانة كونهم رموزا للسيادة الوطنية في العراق كانوا قد أقسموا في وقت سابق على الولاء لملكة بريطانيا. هم أمام القانون البريطاني مواطنون بريطانيون. في كل مكان يحلون فيه لهم حق الحماية التي يوفرها التاج البريطاني لكل من يستظل به. بمعنى أن رئيس الوزراء العراقي يحق له بصفته الشخصية أن يلوذ بحماية سفارة بلاده في بغداد. وهو ما استفاد منه في وقت سابق وزيران عراقيان أسبقان هما حازم الشعلان وفلاح السوداني حين اتهما بقضايا فساد مالي. لم يخضعا للمساءلة، ولا استطاع العراقيون أن يعرفوا شيئا عن حقيقة الشبهات التي حامت حولهما بسبب جنسيتهما البديلة. مشكلة معقدة من ذلك النوع يمكن اختصارها بسؤال عادي هو “كيف يمكن أن تُحكم دولة من قبل رعايا دولة أخرى؟”. واقعيا وقانونيا فإن العراق تحكمه جالية بريطانية. تساءل الكثيرون بحَيْرة “بأي صفة يُستقبل رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية العراقيون في بريطانيا وهم مواطنون بريطانيون؟”. سيبدو مشهدا مضحكا حين نتخيل تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا واقفة في صالة استقبال كبار الـزوار في انتظار وصول مواطن بريطاني اسمه حيدر العبادي، قُيّضَ له أن يصبح رئيس وزراء في بلاد أخرى. لا أعتقد أن ماي ستفعلها. فالرجل العائد إلى وطنه يعرف الطريق إلى بيته جيدا وهو لا يحتاج إلى مَن يستقبله. أما وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، الذي كان يوما رئيسا للوزراء هو الآخر، فلا أعتقد أنه سيلجأ إلى ترجمة خطاباته إلى الإنكليزية من أجل أن يلقيها في مجلس العموم البريطاني. من المؤكد أن المشكلة عراقية وليست بريطانية. لذلك نص الدستور العراقي الجديد في الفقرة رابعا من المادة (18) منه على أنه “لا يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا أو أمنيا رفيعا التخلي عن أي جنسية مكتسبة”. الغريب أن العراقيين في كل حراكهم السلمي من أجل التغيير لم يجعلوا من تلك الفقرة شرطا للثقة بمَن يحكمهم. كان لزاما أن يُخيّر حيدر العبادي على سبيل المثال بين وطنيتيه، العراقية والبريطانية. سيكون الرجل حرا في اختياره ولن يلومه أحد. أما أن يظهر العبادي باعتباره حاملا للوطنية العراقية، في الوقت الذي لا يزال فيه مواطنا بريطانيا، فإن في ذلك نوعا من السلوك العبثي والمجاني. من حق العبادي أن يكون مواطنا بريطانيا، لكن ليس من حقه أن يكون رئيسا لوزراء العراق ما دام محتفظا بجوازه البريطاني. دستور البلاد التي يحكمها يقول ذلك وليس خصومه. مشكلة العراق في ذلك أنه سيكون بحجم مواطن بريطاني حين يزور العبادي أو سواه من السياسيين العراقيين من حاملي الجنسية البريطانية عوائلهم التي لا تزال تقيم في بريطانيا. لن يكون العراق حينها دولة إلا على مستوى الوهم. لا أعتقد أن فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق يمكنه أن يفكر بعقد لقاء رسمي بأحد صناع القرار في بريطانيا. يذهب معصوم وهو رجل أكاديمي في إجازاته إلى بيته اللندني متمتعا بهناء كونه مواطنا بريطانيا. قد لا يشير إليه جيرانه باعتباره رئيسا. وهو أمر يسعده بالتأكيد. ليست لديه مشكلة. ما لم يحل العراقيون مشكلتهم مع مزدوجي الجنسية من حكامهم، فإن حلمهم بإقامة دولة جديدة سيظل معلقا في الهواء. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :