ترافيس كالانيك صاحب رؤية ثاقبة تمكنت شركته أوبر من وضع حد لجشع بعض السائقين من خلال تطبيق إلكتروني يسمح لمستخدميه التحكم بوقت السائق.العرب فادي بعاج [نُشر في 2017/08/12، العدد: 10720، ص(13)]ترافيس كالانيك رجل لا ينام ويسعى دوما نحو المقدمة بوخاريست- قد يظن البعض أن معاناة الناس من سائقي سيارات الأجرة محصورة فقط في بلادنا العربية، لا على العكس، فالمعاناة موجودة أيضا في الغرب، وهذا ما دفع رجلا أميركيا يدعى ترافيس كالانيك إلى ابتكار خدمة “أوبر” التي وضعت حدا لجشع بعض هؤلاء السائقين. الخدمة لا تمتلك أيّ سيارة تاكسي في العالم، بل هي عبارة عن تطبيق إلكتروني يُحمّل على الهاتف الذكي يسمح لمستخدمه التحكم بوقت السائق وجعله موظفا شخصيا يعمل لديه، في ظروف مليئة بالراحة والرقي. يقول ترافيس “في ‘أوبر’ نعطي الأولوية للجودة والأناقة، هذا هو ما يدفعني لاقتناء هاتف آيفون بدل هاتف عادي، وهذا ما يجعلني أتوجه إلى مطعم راقٍ ومستعدا أن أدفع أكثر لأتناول وجبتي، لأنّ ما يهمني هو التجربة المميزة”. كالانيك صاحب رؤية ثاقبة، شركته مختلفة تماما عن أيّ شيء شهده العالم من قبل، وربما تكون “أوبر” هي الشركة الناشئة الأسرع نموا في التاريخ، وتصل قيمتها إلى 62.5 مليار دولار، وهو رقم يقترب بسرعة من القيمة السوقية لشركة فولكس فاغن كبرى شركات صناعة السيارات في العالم. الجميع يريد "أوبر" “أوبر” ابتكرت صناعة كاملة، فالجميع الآن يريد تأسيس شيء يشبه الخدمة التي تقدمها، لكن طموح كالانيك تخطى إلى ما هو مجرد توصيل الناس، ففي فرنسا يمكن أن تجلب لك شركة “أوبر” طائرة الهليكوبتر. وفي بعض المدن مثل برشلونة ولوس أنجلوس وشيكاغو ونيويورك يجلب تطبيق “طعام أوبر” المأكولات إلى منزلك في أقل من 10 دقائق. ترافيس استطاع تجاوز بعض أغنياء العالم بشركته الصغيرة، أولئك الذين كانوا محتكرين لسيارات الأجرة في مناطقهم. لذلك فقد أثار توسع “أوبر” احتجاجات عنيفة في مناطق مثل مكسيكو سيتي وباريس، لكن كالانيك المعروف بفهمه العميق للحواجز التنظيمية لم ينزعج من هذا الأمر، عن ذلك يقول في مقابلة صحافية إن “هناك الكثير من القواعد في المدن تمّ تصميمها لحماية أصحاب مهن معينة، لكن ليس لتطوير خدمات المدينة أو لمصلحة مواطنيها، وهنا تكمن المشكلة، نحن بحاجة لمعرفة كيفية دمج التقدم التكنولوجي مع التقدم الحقيقي على أرض الواقع”. وجدت “أوبر” نجاحها في آمال الشباب حول مستقبل العمل، لأن غالبيتهم تريد الاستقلال، لذلك فإن أفضل ما تقدمه الشركة هو مرونة ساعات العمل، وبذلك يشعر السائقون باستقلال تام، وهو أمر يعتقد كالانيك أنه يساعد على التمكين، لكن السائقين في “أوبر” لا يسيطرون على كل شيء، فهم مضطرون للتعامل مع التسعيرة التي تحددها الشركة، والتي تتغيّر بشكل منتظم اعتمادًا على مستوى الطلب، وغالبًا ما تركز على خفض التكلفة للحصول على المزيد من الزبائن، وهذا مثال نموذجي عمّا يمكن أن تفعله التكنولوجيا التغييرية للعمّال. وتدرك “أوبر” بالوقت ذاته أن سائقيها لا يحصلون على معاش أو رعاية صحية أو حماية لحقوقهم، ويعملون تحت رحمة العداد، وبالتالي هم محرومون من الضمان الاجتماعي الموجود في أغلب الوظائف. ووجدت دراسة أجراها معهد بحوث البيانات والمجتمع أن ممارسات “أوبر” في مراقبة سائقيها تنتج تباينا معلوماتيا كبيرا بين الكيان المؤسسي والسائقين، إذ أنهم مهددون بالإيقاف عن العمل عند إلغاء رسوم غير مربحة ويتقبلون خطر الرسوم غير المعروفة، بالرغم من أن “أوبر” تروّج لفكرة أنهم أصحاب المشاريع وأنهم على دراية تامة بمثل هذه المخاطر. كالانيك يعلن إفلاسه"أوبر" عبارة عن تطبيق إلكتروني يحمل على الهاتف الذكي يسمح لمستخدمه التحكم بوقت السائق ويجعله موظفا شخصيا يعمل لديه درس كالانيك علوم الحاسوب في جامعة كاليفورنيا، وهناك بدأ مع أصدقائه بمشروع اسمه “نظف”، وهو موقع إلكتروني يهدف لمشاركة الملفات، وهي خدمة تشبه “نابستر” لتحميل الموسيقى وملفات الميديا المُختلفة، واستطاع الموقع جذب الملايين، وهذا ما جعل كالانيك يبتعد عن الدراسة في عام 1998 ليعمل كموظف بوقت كامل، ويحصر تفكيره في مُستقبله وبناء الشركات التي يحلم بها. نجاح موقع “نظف” أغضب بعض شركات الإنتاج الترفيهية التي رفعت دعوى قضائية ضدّه وعاقبته بغرامة ضخمة قيمتها 250 مليار دولار، ولتجنّب هذه الغرامة الكبيرة، شرع ترافيس بإغلاق المشروع وأعلن الإفلاس. تلك النكسة لم تنل من عزيمة ترافيس الذي ذهب فورا لإنشاء خدمة شبيهة لمشاركة الملفات وهي “ريد ساوش”، وبنفس فريق العمل السابق لتكون خدمة شرعية، لكن بعض العمليات بداخلها لم تتم بالصورة القانونية الصحيحة فيما يخص الضرائب ليتم تغريم كالانيك 110 آلاف دولار، لكنه تمكن لاحقا من بيع الخدمة لشركة “أكامي” بـ19 مليون دولار،على الرغم من أنها كانت تضم ثمانية موظفين فقط، وهو المبلغ الذي كان يحلم به للانطلاق بمشروع جديد ومبتكر. النهوض من جديد في عام 2008 كان كالانيك يحضر أحد المؤتمرات في العاصمة الفرنسية باريس عن مُستقبل التكنولوجيا، وبعد انتهاء المؤتمر وأثناء انتظاره في الخارج لسيارة تاكسي، فكر بأن عملية طلب سيارة تاكسي هي عملية ليست سهلة، لتبدأ من هنا فكرة “أوبر” بالتكون داخل عقله، وتذكر صديقه غاريت كامب الذي أخبره عن فكرة تأجير التاكسي عبر الهاتف الجوال. خلال تلك الفترة نشر كالانيك تغريدة على موقع تويتر، ذكر فيها أنه يحتاج إلى طاقات شابة مميزة لشركة ناشئة تعتمد على تقديم خدمات في المناطق المحليّة، وطلب بعض الأفكار لينطلق في خطته. حصل كالانيك على رد من ريان غريفس الذي كان يعمل كمهندس قواعد بيانات، ومُطوّرا تكنولوجيا في شركتي جينرال إلكتريك و فورسكوير، ليقوم كالانيك بتعينه كأول موظّف في شركته بمنصب مدير لقسم العمليات العالمية في “أوبر كاب”، وهو الاسم الأول للشركة منذ البداية في عام 2009. "أوبر" تجذب المستثمرينشركة "أوبر" مختلفة تماما عن أي شيء شهده العالم من قبل، وربما تكون "أوبر" هي الشركة الناشئة الأسرع نموا في التاريخ، وتصل قيمتها إلى 62.5 مليار دولار، وهو رقم يقترب بسرعة من القيمة السوقية لشركة فولكس فاغن كبرى شركات صناعة السيارات في العالم لفتت “أوبر” انتباه العالم والحكومات أيضاً، خاصة أن عدة دول بدأت بفرض قوانين مُرهقة على الشركة، وحظرتها في بعض المدن، ولكن هذا لم يمنع “أوبر” من الاستمرار في تقديم الخدمة بشكل أفضل لتجذب انتباه المستثمرين، وتحصل في أول تمويل على 11.5 مليون دولار. ثاني تمويل حصدته “أوبر” كان بقيمة 32 مليون دولار، شارك فيه كل من جيف بيزوس مؤسس أمازون ومجموعة غولدمان ساكس، ليتأكد الجميع أن هناك فرصة رائعة للاستثمار مع الشركة، وتحصل “أوبر” على تمويل ثالث بـ1.2 مليار دولار من عدة شركات صينية. بعد انطلاق “أوبر” الرسمي الأول في مدينة نيويورك التي حققت أفضل الأرباح للشركة، توسّعت وأطلقت خدمتها في باريس، ومن ثم الهند وبعض دول أفريقيا، إلى أن وصلت “أوبر” إلى الصين حيث هناك كان الازدهار والنجاح الكبيران. طوّرت “أوبر” عدة مشاريع منها مشروع يُقدم خدمة تاكسي رخيصة وقيمتها أقل بنسبة 35 بالمئة، والتي حققت نجاحا ضخما وقدّمت تجربة مريحة ومميزة للمستخدمين، كما أطلقت الشركة في أغسطس عام 2014 خدمة “أوبر بول” التي تُمكّن مشاركة أجرة التاكسي مع شخص آخر يذهب في نفس المسار. في شهر ديسمبر من نفس العام تلقت “أوبر” تمويلاً بقيمة 600 مليون دولار من شركة “بايدو” الصينية، لتقديم خدمات الخرائط والبحث، ودعم الشركة داخل الصين لمنافسة الشركات الأخرى. 2015 كان عام النجاح لشركة “أوبر”، لأنه شهد أول عملية استحواذ لها على الشركة الناشئة “ديكارتا” المتخصصة بتقديم الخرائط، كما ركزت أوبر جهودها بالعام نفسه على تطوير السيارات ذاتية القيادة في مؤسسة بحثية تابعة لها، لأن ذلك باعتقاد ترافيس كالانيك سيخفّض سعر خدمات “أوبر” بالاعتماد على هذه السيارات في المُستقبل لتدفع ثمن التوصيلة فقط بدلاً من أن تدفع ثمناً إضافياً للسائق. عواقب دعم ترامب في الـ21 من شهر يونيو الماضي أعلن كالانيك استقالته من منصب المدير التنفيذي لشركة “أوبر”، بينما تقول النيويورك تايمز إنه قد أقيل من منصبه بعد موجة غضب حادة من قبل المساهمين، مشيرة إلى أن حالات التحرش الجنسي وسرقة الملكية الفكرية والبرمجيات التي تتحايل على إنفاذ القانون هي الأسباب الرئيسية وراء تلك الموجة.كالانيك وبعد أن قضى مدة طويلة مدافعا عن سياسات دونالد ترامب، يضطر إلى الانسحاب من الفريق الاستشاري لهذا الأخير وجاء موقف المساهمين في رسالة بعنوان “دفع ‘أوبر’ إلى الأمام”، حصلت الصحيفة الأميركية على نسخة منها، تضمنت مطالبة كبرى الشركات المساهمة في “أوبر” باستقالة كالانيك لإنهاء الجدل حول ثقافة مكان العمل في الشركة. وفي الوقت الذي كان يدافع فيه فريق الإدارة بشكل كبير عن طريقة عمل الشركة، تغير كل شيء في شهر فبراير الماضي وذلك عندما نشرت مهندسة سابقة في “أوبر” تقريرا تحدثت فيه عن حادث التحرش الجنسي من طرف مديرها كالانيك، وبعد ذلك علمت لاحقا أن العديد من النساء الأخريات لديهن تجارب مماثلة مع نفس الشخص. كما تم اتهام كالانيك بالتمييز الجنسي بكون شركته متحيزة لتشغيل الرجال، إلا أنه قام بنكران الأمر قائلًا “إنّ نسبة النساء العاملات في الشركة يبلغ 15 بالمئة، وهو أمر عادي ومقبول جدًا بما أنّ نسبة النساء العاملات في شركات عالمية متقاربة جدًا من شركة ‘أوبر’، حيث أنّها تقاس بـ17 بالمئة في شركة فيسبوك، 18 بالمئة في غوغل و10 بالمئة في تويتر”، إلاّ أنّ هذا التصريح الذكي لم يغلق باب الفضائح التي استمرت بالتهاطل على رأسه، بعد أن تم نشر فيديو له يظهر فيه وهو يتشاجر مع أحد سائقي شركته عندما اشتكى له من الاستمرار في تغيير الأسعار في كل وقت وحين، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور وضعه المادي. من جهة أخرى نجد أن كالانيك، وبعد أن قضى مدة طويلة مدافعًا عن قرارات ومبادئ وسياسات دونالد ترامب، قد اضطر إلى الانسحاب من الفريق الاستشاري لهذا الأخير، وذلك بعد أن تعرّضت شركته إلى خسارة كبيرة بعد أن قام عدد كبير من المستخدمين بحذف تطبيقات “أوبر”، وإلغاء حساباتهم بسبب تعاون ترافيس مع ترامب وسياسته. وفي الفترة الأخيرة قامت “ألفابت” الشركة الأم لغوغل برفع دعوى قضائية ضد أوبر متهمة إياها بسرقة أسرار مهنية منها واستخدامها في مشروع صنع السيارات بدون سائق، وذلك عن طريق أحد العاملين السابقين بغوغل والذي قام بسرقة ما يفوق الـ14 ألف وثيقة قبل مغادرة عمله، للالتحاق بشركة “أوبر” بعد مدة، وليصبح المسؤول عن المشروع المذكور. ترافيس كالانيك، الذي يبلغ من العمر الآن الأربعين عاما، يقول دوما أنه منافس لا ينام، لاعتقاده أن منافسيه سوف يسبقونه. لذلك فلن يحبطه ما حصل له مؤخرا وخسارته لمنصب المدير التنفيذي لـ”أوبر”، فهو بالتأكيد سوف يقدم لنا مشروعا تكنولوجيا جديدا مغايرا بالنجاح والتميز.
مشاركة :