فكر مستنير وعقل مدرك لتفاصيل الأشياء من حولها.. الدكتورة هيفاء السنعوسي استطاعت أن ترسم لها خطاً مميزاً لكتاباتها، فمنذ البداية انتهجت أسلوب أدبي من نوع خاص.. أنشأت «نادي الفكر والإبداع» لأهداف جوهرية تتعلق بتشجيع المبدعين في كل المسارات العلمية والأدبية والفنية والعناية بالثقافة المحلية والاهتمام بفئة الشباب.. التقيناها لنتعرف على نجاحها وأنشطة النادي. بداية سألناها: قمت بتأسيس مادة (الأدب والتحليل النفسي) في جامعة الكويت كما أنك أسست مدرسة علاجية تحت مسمى (المسرح الانعكاسي النفسي) لماذا اخترت هذين المسارين الأكاديميين وما أهميتهما في الجانب التعليمي الأكاديمي والعلاجي؟ - سؤال مهم جداً فمادة (الأدب والتحليل النفسي) تتعلق بمنهجية تعليمية جديدة، وجامعة الكويت تعد الأولى في تدريسها على مستوى العالم العربي.. وأنا فخورة بذلك لأنها مادة مهمة في التعليم على المستوى العقلي والحياتي فهناك ارتباط عميق بين الأدب والتحليل النفسي، وقد شعرت بأهمية المادة فاجتهدت لإقرارها وقد نجحت في ذلك، وأسعد بتدريسها لطلبة الجامعة بشكل عام وطلبة الطب بشكل خاص. أما المسرح الانعكاسي النفسي فهو مسرح علاجي أسسته كمنهجية علاجية جديدة بناء على دراساتي العلمية في هذا الميدان، وقد قدمتها في مؤتمرات عالمية. باعتقادك هل الترجمة لبعض الروايات أو القصص وكتب الشعر للغات أجنبية يفقد قيمتها الأدبية وصورها ومعانيها؟ - بلا شك تتغير أمور كثيرة ولا أنكر بأن النص قد يفقد جزءاً من هويته حينما يترجم للغات أخرى. وقد لمست ذلك حينما ترجمت بعض القصص والقصائد للأدباء الكويتيين في كتاب نشره مركز الدراسات الكويتية ويحمل عنوان: The Echo of Kuwait Creativity، لا شك النص بلغته الأصلية يحمل هويته الخاصة ومع الترجمة يحمل جزءاً من هوية المترجم. نادي الفكر والإبداع ماذا عن فكرتك في إنشاء (نادي الفكر والإبداع) كجمعية نفع عام بدولة الكويت ورئاستك لمجلس إدارته، وما أهدافه؟ - تأسيس النادي كجمعية نفع عام مشهرة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كان حلماً عاش في ذهني وتحول إلى واقع جميل.. وجاء الإشهار الحكومي بموافقة مجلس الوزراء له كتعظيم وإجلال لفكرتي التي تقدمت بها وجعل منه هيئة رسمية لها ثقلها الرسمي المحلي والدولي. فكرت في تأسيس النادي لأهداف جوهرية تتعلق بتشجيع المبدعين بشكل عام في كل المسارات العلمية والأدبية والفنية والعناية بالثقافة المحلية والاهتمام بفئة الشباب، وكذلك تسليط الضوء على الأبحاث المبتكرة، والاهتمام بالثقافة الوطنية وتصديرها للخارج ومزجها بثقافات البلدان الأخرى، والارتقاء بالفكر الإنساني ولغة الحوار، وتشجيع الشباب أيضاً لخوض عوالم الإبداع على أسس صحيحة. ما الذي يقدمه من برامج وفعاليات؟ - على الرغم من نشأته الحديثة وعدم وجود الدعم المادي إلا أن الإنجازات كثيرة وغير تقليدية. لقد قدم النادي الكثير من الندوات الجماهيرية والندوات العلمية، والأصبوحات والأمسيات الثقافية الأدبية، كما قدم مسابقات مبتكرة وجديدة من نوعها تشجع المبدعين والمبتكرين وتحترم كياناتهم وتبرزهم للمجتمع. من أبرز المسابقات Mr. and Miss Creative Thinker على مستوى دولة الكويت. وقد صاحب الإعلان عن الفائز والفائزة باللقب وهما خلود الحشاش ومشعل المرجان، احتفالية إبداعية رائعة جداً. كنت قد قدمت مشروعاً ثقافياً تطوعياً لوزارة التربية يدعم القراءة والثقافة الذاتية بعنوان ( لماذا لانقرأ؟ تحت شعار: أنا مثقف لأنني أقرأ). وقد قمت بتطبيقه في كثير من المدارس بمراحلها المختلفة ووجد صدى كبيراً في نفوس وعقول الطلبة. حالياً أعمل على مشروع حملة اكتشاف الموهبة بعنوان (حدثني عن موهبتك) بالإضافة إلى مشاريع مستقبلية قادمة يتم الإعلان عنها في حينها. هل للنادي تعاون أو أنشطة مع دول الخليج في إطار التبادل الثقافي؟ - تأسس النادي منذ عام وبضعة شهور، وهو غير مدعوم مادياً رغم صفته الحكومية الرسمية وذلك بقرار مجلس الوزراء شأنه بذلك شأن جمعيات النفع العام التي تأسست بعد عام 2005. أنا فقط من يدعمه فكرياً ومادياً وسعيدة بذلك.. هذا يجعل المسؤولية الموكلة إليّ كبيرة ولكنني أجتهد في ترسيخ علاقة النادي بالروافد الثقافية والعلمية في الكويت وخارجها. وبالطبع لدول الخليج مكانة كبيرة جداً في نفوسنا ونسعى لتحقيق أطر التعاون مع المؤسسات الثقافية والعلمية وبناء جسر التواصل الخلاق مع دول الخليج العربي ويسعدنا ذلك جداً. الساحة الأدبية كيف ترين اليوم الساحة الأدبية في الكويت بشكل خاص وفي الخليج بشكل عام؟ - الأدب انتشر بشكل كبير في الكويت وأصبح التأليف ظاهرة لافتة للانتباه! بلا شك هناك كتاب متميزون ومبدعون نفخر بهم، ولكن ظهرت معهم موجة كتاب لا يتقنون مهارة كتابة القصة والرواية والمسرح، فهم يحلمون بالشهرة فقط.. هؤلاء انفلتوا بكتاباتهم الركيكة من إطار الأخلاقيات والقيم الرفيعة إلى إطار الكتابات التافهة والهابطة وبعضهم دخل عوالم الإباحية ودهاليز الأنفاق المظلمة بسبب هوس الشهرة فهم يرون في الكتابة الأدبية وسيلة للانطلاق في عالم الشهرة.. هذه الموجة مهينة للأدب وأتمنى أن تنتهي. قراءات ودراسات لمن تقرئين، وهل تأثرت بكاتب معين؟ ومن كان وراء اتجاه د.هيفاء السنعوسي لعالم الكتابة؟ - أقرأ لكل كاتب متميز ومبدع في كتابته القصصية والروائية والمسرحية.. لا يهمني إن كان مشهوراً أو مغموراً، أو كان عربياً أو أجنبياً.. المهم العمل الإبداعي المنتج هو الذي يثير اهتمامي. أما قراءاتي في المرحلة المتوسطة والثانوية فكانت مرتبطة بعالم د. مصطفى محمود ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس وأجاثا كريستي وأرنست همنغواي وهنريك إبسن. حبي للكتابة جاء تلقائياً فأنا على علاقة وثيقة بالكتاب وبالقلم، وقد ارتبطت بعالم الكتابة منذ طفولتي.. بدأت كتابة القصص وأنا في المرحلة الدراسية المتوسطة ولكنني لم أنشر كتاباتي إلا بعد حصولي على الدكتوراه. لقد شغلتني الدراسات العليا عن التفكير في نشر كتاباتي القصصية والمسرحية، وقد صدرت أول مجموعة قصصية ليّ بالإنجليزية أثناء دراستي للدكتوراه في بريطانيا، ثم أصدرت مجموعة قصصية بالعربية تحمل عنوان( ضجيج) وقد نشرتها دار أخبار اليوم بمصر باهتمام وتوصية من المفكر الكبير والأديب اللامع د.مصطفى محمود - رحمه الله- وكتب تقديماً لها. أما بيئتي الأسرية فقد كانت مشجعة جداً ومحفزة للإبداع وطفولتي كانت مدللة للغاية وكانت أسرتي محفزة ليس للكتابة فقط وإنما للإبداع بكل مسار، فقد نشأت في ظل أم وأب لامثيل لهما في الطيبة والحب اللامحدود. كانت أمي إنسانة متدينة وطيبة وذكية - رحمها الله- وكانت ماهرة جداً في سرد الحكايات، وقد عشقت القصة قراءة وكتابة من عشقي لحكاياتها. الأدب العربي والانفتاح هل تأثر أدبنا العربي في الانفتاح العصري الذي نعيشه؟ - لا شك الأديب يتأثر بكل ما يحيط به من أحداث، فمن الطبيعي أن يتأثر بالانفتاح والتطورات السياسية وغيرها. نرصد هذا من موجة الكتابات التي تناولت موضوع الحرية ونفي مفهوم الدكتاتورية والتسلط. دائماً للإصدار الأول ذكرى في حياة الكاتب أو الأديب، ما أول قصة كتبتها د. هيفاء السنعوسي؟ - أول قصة كتبتها وأنا كنت في بداية المرحلة المتوسطة ولا أذكر عنوانها لأنها بسيطة جداً ولم أحتفظ بها... أما إصداري القصصي الأول باللغة العربية كان بعنوان ( ضجيج) الذي أثار إعجاب المفكر الكبير مصطفى محمود وهذا موضع فخر كبير وعلامة بارزة في مسيرتي القصصية. أما القصة القريبة من نفسي فهي قصة (رحيل البحر) التي أهديتها لأروع امرأة بالعالم.. إنها أمي - رحمها الله- التي كانت معجزة تسير على قدمين. الصور الواقعية ما أهمية الأديب أو الكاتب في نقل صور ورسائل واقعية في ظل ما نعيش من متغيرات ومستجدات على الساحة؟ - الأدب توثيق للفكر والشعور الإنساني، والأديب يتأثر نفسياً بكل ما يحيط به من متغيرات على مختلف الأصعدة. وبالتالي الأدب هو انعكاس حقيقي لرسائل عدة تختلف باختلاف قناعات ومبادئ الأديب نفسه، وبلا شك تأثيره على المتلقين يراوح بين السلبية والإيجابية. من أين تستمدين أفكارك؟ - من قناعاتي الشخصية وتكويني النفسي والشعوري، ومن المواقف والمشاهد الحياتية اليومية التي تعطينا دروساً مهمة. لاشك أن لحظات الإلهام تختطفني كثيراً لعالم الصفاء والنقاء الفكري، حيث أرى بعقلي وقلبي ما لا تراه العين. ماذا عن تجربة عقد ندوة في مالطا كونك أول أديبة وباحثة كويتية تحاضر في جامعة مالطا؟ - كانت دعوة من رئيس قسم الدراسات الشرقية البروفيسور مارتن زاميت وكانت تجربة رائعة جداً، حيث كان عنوان الندوة (صوت امرأة كويتية: رحلتي في عالم الأدب) أفخر بها كثيراً فقد كنت أول امرأة كويتية تقدم تجربتها في الأدب كأديبة وباحثة في مجال الفنون الأدبية العلاجية. في معنى الكتابة ماذا تعني لك الكتابة؟ - تعني لي أشياء كثيرة.. فهي ليست كتاباتي القصصية والمسرحية فقط وإنما الكتابة العلمية، حيث البحوث والدراسات العلمية التي تعد من البحوث النادرة في العالم العربي؛ وهي الفنون الأدبية العلاجية ومن أبرزها: المسرح العلاجي، والكتابة العلاجية التي قدمت فيها ورش عمل وقراءات في مؤتمرات عالمية وكتبت دراسات علمية نشرت في أمريكا وأوروبا. من هم أبطال قصصك؟ وأين المرأة من كتاباتك؟ - أبطالي يأتون من الواقع الذي أعيشه ويختمرون في عقلي الباطن ثم يمتزجون بخيالي ومشاعري ويظهرون في صورة قصص ومسرحيات في لحظة إلهام تفرض نفسها علي، لأنني لا أفتعل الكتابة ولا أتصيدها أبداً. المرأة مستيقظة وتسكنني بعمق، ولكن رؤيتي تختلف عن الرؤية الضبابية لبعض الكاتبات العربيات اللاتي يشاكسن الرجال ويرونهن أعداء، فأنا لا أرى علاقة عدائية مع الرجل وعلاقة المرأة مع الرجل في عالمنا علاقة طبيعية فلا داعي للمبالغة والتهويل للفت انتباه الغرب. اهتماماتك بعيداً عن عالم الكتابة؟ - أسرتي تشكل عصب اهتمامي.. زوجي وأولادي هم عمودي الفقري.. لذا أوليهم اهتمامي الأكبر، وبالطبع أقضي وقت فراغي بالقراءة بأنواعها وخاصة في العلوم الدينية والأدب وعوالم الذات وما يتصل بها وفي الطب البديل وعلم النفس وما وراءه. كما أنني أعطي اهتماماً كبيراً للإبداع بأنواعه والفكر الإنساني الراقي من خلال أنشطة النادي الذي أسسته فأقدم كل ما يخدم الإبداع في كل مساراته الأدبية والعلمية والفنية وغيرها. ويمكن التواصل والتعرف على نادي الفكر والإبداع عبر حساب النادي بالانستاجرام @creativityclub