يوسف إدريس.. القصة صوت من لا صوت لهم

  • 8/15/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة:«الخليج» مرت في 1 أغسطس الجاري الذكرى السادسة والعشرون لرحيل رائد القصة القصيرة يوسف إدريس، صاحب اللغة الواقعية المميزة الكاشفة والراصدة للتحولات الاجتماعية، فقد كانت تجربة إدريس تحولا أدبيا ثوريا، حيث اجتاز المجال المألوف لعالم القصة قبله وهو مجال الطبقة الوسطى وأبنائها وفتياتها، إلى المجال غير المألوف، وهو مجال الطبقات الهامشية في المجتمع، وسكان الأحياء الفقيرة من المعدمين وأشباههم، وعمال التراحيل في الريف ممن لا يرون شكل القرش إلا في مواسم الحصاد أو جمع الدودة من حقول القطن، وهي طبقات عريضة كانت قبل ثورة يوليو يصل حجمها إلى ثلثي الشعب كله.يقول الكاتب المسرحي الراحل ألفريد فرج: «اقتحم يوسف إدريس عالم المهمشين فأحدث نقلة خطيرة، في موضوع الأدب وشكله، وصدمة ربما للقراء لكنه استطاع أيضا أن يحدث لونا من اليقظة الاجتماعية والوعي بوجود هؤلاء المسنين وحقوقهم في الحضور الاجتماعي الكامل»، فقد أصبحت هذه الشخصيات هي العالم الذي رسمه يوسف إدريس في قصصه، وهذه الصور ستظل خالدة خلود شخصيات «البوساء» لفيكتور هيجو الفرنسي، وشخصيات أوليفر تويست لتشارلز ديكنز الإنجليزي برغم تبدل الأحوال في كل من فرنسا وإنجلترا.وخلود هذه الشخصيات يرجع إلى ما تثيره من إحساس إنساني بالآخرين، ومن مشاعر التواصل الإنساني الرحيم في قلوب البشر في كل العصور، كما يرجع إلى أنها ستظل صورا إنسانية تاريخية حميمة في قلوب القراء والمشاهدين بأصالة قصريتها وبضيائها الإنساني الغامر، إن نقل يوسف إدريس الأدب القصصي من مجال إلى مجال، ومن فئات متوسطة إلى فئات معدمة ضائعة، ليس مجرد فعل مهني أو أدبي، وإنما هو فعل فوق الأدبي، وفلسفي وفكـري، فقد كان إدريس رائدا له موقف فلسفـي وفكري متميـــز لا يمكـــن فهــم أدبه إلا على ضوء فكره وفلسفته.وكانت مسرحية «الفرافير»، التي كتبها في أواسط الستينيات نموذجا يسعى إلى تحقيق الأصالة بالبحث في الجذور الشعبية الدفينة والمنسية في قاع المجتمع، وبينما كان المسرح المصري في ذروة النهضة يبحث عن هويته الوطنية والإنسانية في التراث المطبوع أو المسموع، عمد يوسف إدريس إلى القاع السحيق للإبداع الفني وفتش عن مسرح السامر والمسرح الشعبي المتجول في الريف والأقاليم فأخذ من هذا الفن وصاغ دراما فكاهية لاذعة السخرية.بدأت شهرة إدريس عام 1954 عند إصداره مجموعته القصصية الأولى «أرخص ليالي»، التي وجد فيها القراء ذائقة مختلفة وأسلوبا فنيا جديدا، ومن ساعتها صار اسمه على كل لسان، وقد واكب ذلك ظهور جيل من المبدعين في مختلف مجالات الإبداع ففي الشعر الفصيح ظهر صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، وفي شعر العامية ظهر صلاح جاهين وفؤاد حداد وسيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي وفي الغناء تفجرت موهبة عبد الحليم حافظ، وفي السينما ظهر عمر الشريف ورشدي أباظة وشادية وفاتن حمامة وسعاد حسني.ويرى الناقد الراحل رجاء النقاش أن إدريس وعبد الحليم حافظ اشتركا في صفة واحدة عند ظهورهما، وهي أنهما استطاعا كل في مجاله أن يعبر عن الناس تعبيرا فنيا جديدا له مذاقه المستقل الذي لا يشبهه تعبير فني آخر، وبالطبع فإن هناك اختلافا في الوسائل بين يوسف وعبد الحليم، فقد كان كل منهما يعمل في ميدان فني بعيد جدا عن ميدان الآخر، ولكن العصر كان واحدا، وحاجة الناس إلى شيء جديد مختلف عما تعودوا عليه كانت واحدة، ولذلك انفجرت شهرة يوسف وعبد الحليم في وقت واحد، وكان يوسف في أدبه تعبيرا جديدا صادقا وجوهريا عن الواقع، وأما عبد الحليم فكان يقدم التعبير الجديد نفسه، ولكن عن أحلام الناس وأشجانهم الوجدانية.ومن العبارات الجميلة في هذا الصدد التي قالها «النقاش» إن يوسف إدريس في أدبه كان يلعب بالنار، أما عبد الحليم فكان يلعب بخيوط الحرير.كان إدريس أكثر الأدباء العرب انتظارا لجائزة نوبل إيمانا منه بالدور الذي قدمه في تجديد القصة القصيرة في العالم العربي، وعندما أعلنت الجائزة عام 1988 بحصول نجيب محفوظ عليها غضب إدريس كثيرا لكن محفوظ قال في أحد الحوارات التي أجريت معه بعد وفاة إدريس: حملة يوسف إدريس الأساسية كانت ضد لجنة جائزة نوبل وليست ضدي، وأضاف: «أنظر إلى يوسف إدريس كفنان كبير من الفنانين الثائرين على قوانين الفن والمجتمع وبهذه الروح كتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال، وأعتقد أنه أجاد في كل ما كتب، وذروة إبداعه ظهرت في القصة القصيرة دون أن أنفي عنه مهاراته وإنجازاته الفنية في بقية الأنواع الأدبية».

مشاركة :