«الهاشتاج» .. صوت من لا صوت لهم

  • 5/24/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

التاريخ القصير للوسم "الهاشتاج" يروي قصة ثورة إعلام وسائل التواصل الاجتماعي لدينا. ويمثل كذلك أحد أكبر التحديات التي تواجه عصر الإنترنت الذي نعيشه، المتمثل في كيفية الحفاظ على مساحة موثوقة للتبادل الحر للأفكار. من ناحية، علامة الهاشتاج المتواضعة، وهي أداة فنية لمتابعة بيانات وصفية ظهرت لأول مرة على وسائل التواصل الاجتماعي قبل 12 عاما، تطورت لتصبح وسيلة غير عادية لتضخيم صوت من لا صوت لهم في السابق. فقط فكر في التأثير الذي أحدثته حركتا الاحتجاج "#أنا_أيضا" و"#حياة_السود_مهمة" على الجدل القائم حول التحرش الجنسي ووحشية الشرطة. لا عجب أن علامة الهاشتاج كانت تسمى علامة ترقيم المتمردين. على مستوى آخر، يتحول الهاشتاج بشكل متزايد إلى آلية للتلاعب والسيطرة الاجتماعية الخفية. انظر فقط إلى الطريقة التي حاولت بها مصالح الشركات استخدام هاشتاج "#ريو2016" قبل أولمبياد البرازيل، أو كيف حظرت السلطات الصينية الصور والفيديوهات وغيرها من المواد التي تحتوي على أبعاد تخريبية محتملة، بما فيها #PeppaPig، وهو أمر غريب إلى حد ما. وفقا لصحيفة "جلوبال تايمز"، كان "المتكاسلون الجامحون" يستغلون شخصية الرسوم المتحركة لترويج ثقافة معادية للمجتمع. من كان يعلم؟ بالطبع، الوصول إلى المعلومات كان دائما ساحة معركة: المعرفة قوة. ولهذا السبب درجت الحكومات على إصدار ترخيص الصحف وإخضاع الأفلام للمراقبة. وعبر العصور صانت الدولة بضراوة دور حارس البوابة النهائي. إلا أن اختراع الإنترنت قبل 50 عاما جعل ميزان القوى يميل بعيدا عن الدولة وشركات الإعلام الكبرى باتجاه المجتمع المدني والأفراد. المعلومات لم تعد حكرا على الأقوياء ذوي النفوذ والأثرياء ذوي الامتياز. بل أصبحت قابلة للإبداع ويمكن الوصول إليها ومشاركتها من أي شخص لديه هاتف ذكي. بهذا المعنى تحررت المعلومات، تماما كما كان يحلم رواد الفضاء الإلكتروني الأوائل. أندرياس برنارد، أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة لوفانا في مدينة لونبورج الألمانية، يشيد بهذا الانفجار في المعلومات كونه يبتكر ديناميكية سياسية وثقافية جديدة. يقول "في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للجميع أن يكونوا مرسلين ومستلمين للمعلومات". ويضيف "أدى ذلك إلى إعادة هيكلة المعلومات والديمقراطية الراديكالية". بيد أن الصراع السياسي على المعلومات لم ينته، بل تغير شكله. الآن يدور الصراع حول كيفية فرز المعلومات الوفيرة وهيكلتها ومشاركتها. هذا هو المكان الذي يصبح فيه تاريخ الهاشتاج مثيرا للاهتمام. رمز الهاشتاج #، المعروف بالرقم، أو علامة الجنيه في اللغة الإنجليزية الأمريكية، كان يستخدم على مدى قرون. وأصبح هذا الرمز ضمن لوحة مفاتيح آلة كاتبة من طراز "ريمنجتن 2" تعود إلى عام 1878، وكذلك ضمن بطاقات الكمبيوتر المثقوبة القديمة من شركة آي بي إم، ولوحات مفاتيح هاتف شركة أي تي آند تي في ستينيات القرن الماضي. حتى أن مهندسي الهاتف ناقشوا ما إذا كان عليهم إعادة تسمية الرمز بـ "أوكتوثورب". الرمز المذكور تبنته "تويتر" في عام 2007 و"إنستجرام" في عام 2010 باعتباره وسيلة مفيدة لوسم المعلومات. وانطلق بالفعل في عام 2009 عندما استخدمته منصة المدونات الصغيرة للترويج لمواضيع شائعة. الجديد في ذلك، أنه يمكن لأي شخص إنشاء وسم، حتى لو اكتسب قليل منها الجاذبية، ما أفضى إلى تصنيف جديد غير رسمي للمعرفة. في السابق كان التصنيف محكوما من طرف المسؤولين الذين يصنفون المعلومات إلى فئات رسمية. بحلول عام 1966، مثلا، كان لدى مكتبة الكونجرس الأمريكية 250 ألف صنف مثل هذه التصنيفات. لكن الهاشتاج مكّن الأشخاص العاديين من استحداث ما يسمى "فولكسونومي"، مصطلحا جديدا للتصنيفات الصادرة من عامة الناس. أحد الأمثلة المبكرة على وسم انتشر بشكل فيروسي كان أثناء الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل عام 2009، عندما استخدم هاشتاج "#انتخابات_إيران" أكثر من 10 ألاف مرة في الساعة. من الأمثلة أيضا هاشتاج "#احتلوا_وول_ستريت" و"#أعيدوا_لنا_بناتنا" في نيجيريا و"#أنا_تشارلي" في فرنسا و"#أنا_أيضا". لكن البروفيسور برنارد، مؤلف كتاب "نظرية الهاشتاج"، يقول إن حرية التعبير على الإنترنت تُستصلح بشكل مطرد من طرف مسوقي الشركات والدعاية الحكومية. زد على ذلك أنه في حين أن علامات الهاشتاج يمكن أن تركز الانتباه على موضوع معين، إلا أنها تميل أيضا إلى تضييق التمايز داخل تلك المناقشة، محققة رأيا متجانسا. كاتيا بيجو التي أنتجت عملا عن تاريخ الإنترنت لمؤسسة نيستا، المهتمة بشؤون الابتكار في المملكة المتحدة، تقول إن استخدام علامات الهاشتاج هو جزء من جدل أكبر حول الثقة في المعلومات في العصر الرقمي. كل مستخدم الآن يرى صفحة رئيسية مختلفة للتغريدات، ما يعني أن لا شيء تقريبا يُقبل باعتباره حقيقة مطلقة. "هذا أحد أكثر الأشياء رعبا في الإنترنت"، حسبما تقول. وتضيف "حركة (ضد التطعيم) anti-vaxxer لا يمكن أن تنشأ إلا عندما لا يكون لديك نظام معرفة موثوق". ليس هناك شك في أن الإنترنت أدت وظيفة هائلة في تحرير المعلومات. لكن، المفارقة في عصرنا هذا أنها ربما أدت أيضا إلى تردي مستوى النقاش.

مشاركة :