حين تقرأ بعض ما يكتب يخالجك الشعور وأنت تطالع السطور، بأن كل شيء على ما يرام. وإنك إذا كنت تلمس قصورا هنا أو هناك. أو ترى بعينك تقصيرا وتقاعسا في تحمل المسؤولية، وعدم النهوض بتبعاتها الملقاة على كثير من المسؤولين.. حين ترى هذا، أو شيئا من هذا، فإنك ولا شك واحد من ثلاثة: * إما أنك حالم خيالي، تريد أن ترى أحلامك محققة على أرض الواقع، وإلا فإنك غير راض عن هذا الواقع. * أو أنك تعاني من ضعف ما بناظريك، لا ترى جيدا، وأن القذى بعينيك يحجب عنها رؤية واقع جميل رائع. لذا فأنت كثير الشكوى! * أو ثالثا أنك حاقد وبك مرض نفسي يجعلك تنتقد كل شيء، حتى لو وصل هذا الشيء إلى التمام والكمال!!. حسنا، نحن حين نشير إلى القصور لا نفصل ذلك إطلاقا من بضع حقائق يراها ويعيها كل ذي عينين وبصيرة. أولى هذه الحقائق: أن ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في هذا البلد ما بخل على كل ما من شأنه أن يرقى به وبمواطنيه أعلى درجات الرقي والرفعة والرفاهية. وما من فكرة يمكن أن تساعد على تحقيق هذه الأهداف إلا ودعمها بسخاء، ووقف إلى جانبها ودفعها إلى الأمام بقوة. وثاني هذه الحقائق: أن للمملكة مكانة خاصة في العالم بما خصها الله وفضلها بمقدساته ـ بيته الحرام وقبر الرسول الكريم ـ وهي مهبط الوحي على آخر الأنبياء.. وأنها لذلك قبلة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها كما وأنها قبلة عيون أعداء الإسلام، وهي «الرمز» المتين لهذا الدين على الأرض. وإن هذا ليلقي عليها مسؤوليات جساما، ومهام كبيرة، ودورا لن ينقضي أو ينتهي ما بقي الإسلام على الأرض. وثالثها: أن الله قد حباها بنعمة ثرواته الطبيعية بما يمكنها من لعب هذا الدور الديني، الحضاري، التاريخي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وما عليها. يترتب على ذلك أنه ينبغي من يقع عليه اختيار ولاة الأمر؛ لتحمل جزء من هذه المسؤولية العظيمة أن يكون على وعي تام بمدى ثقلها، وما تحتاجه من تضحيات ونكران ذات وقوة عند الشدائد، وهمة لا تفتر من أجل النهوض بمسؤوليات وظيفته أو مهمته لإنجازها على أكمل وجه. إذا فإن معيار الأداء هنا يختلف، إذ ليس المسؤول هنا مثله في أي بلد، فأنت هنا تخدم وطنك ومواطنيك، ولكنك أيضا تخدم رسالتك الإسلامية الحضارية، لذا يجب أن تكون عنوانا جديرا بهذا الكيان الاستثنائي بين الدول في العالم. على أنني لا أجد سببا يجعل شخصا يحب وطنه بحق، إذا كان ولاة الأمر، مثلما الحال هنا يبذلون أقصى ما تبذله أي قيادة في العالم من أجل الارتقاء بالوطن وإسعاد مواطنيه.. لا أجد سببا يجعله يرى قصورا أو إخفاقا هنا، أو تقاعسا عن تحمل المسؤولية هناك، ثم هو لا يكتفي فقط بدور الشيطان الأخرس ليغلق فمه، أو يدخل قلمه في غمده فلا يهرق مداده كذبا وغشا وخداعا، ليعلن للناس عكس ما هو موجود، وعكس ما يراه، ويرونه أيضا. وإذا كان البعض يظن أن في تسمية الأشياء بغير أسمائها إصلاحا ما، فإن هذا أخطر الأخطار بل هو أكبر وأفدح الخطايا. فالنبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول: «من غشنا فليس منا».. فنحن حين نشير إلى الخطأ يصبح تصحيحه ممكنا.. في حين أننا حين نرى الخطأ وندس ــ كالنعام ــ رؤوسنا في الرمال، فإننا سنكرس بقاءه، ونرسخ وجوده في حياتنا. أما إذا عمدنا إلى تزيينه والتغني به، وأطلقنا عليه اسما محببا، أو حاولنا أن نزيف حقيقة لنلبسها ثوب الصواب، فإن الكارثة ستكون أكبر، لأننا سنعتاد عليه، فإذا رأينا صوابا لن نستحسنه.. لأن الخطأ في حياتنا أصبح هو الأصل والمعيار الذي نقيس به الأشياء والأعمال. وحينها سيصبح الخطأ هو الصوت الوحيد الذي تستعذبه آذاننا بينما يصبح الصواب هو النشاز الذي يخدشها. وغاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام: إن القلم مسؤولية، وإن الكلمة مسؤولية يسأل الإنسان عن صدقها يوم القيامة. إن على من لا يجرؤ، أو لا يستطيع قول الحق أن يصمت فهذا خير من أن يكرس الخطأ والاعوجاج بين الناس. وقد أوصانا بها نبينا الكريم حين دعانا إلى أن نقول خيرا أو فلنصمت.
مشاركة :