أكد الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف الدكتور عبدالرحمن السديس، أن السلام وسيلة لتحقيق الوئام بين الشعوب وفرصة لإنهاء الخلافات وحل النزاعات بين الدول.وقال في ندوة الحج الكبرى التي عقدتها وزارة الحج والعمرة في مكة المكرمة أمس (السبت) تحت عنوان (الحج منبر السلام من بلد الله الحرام)، وافتتحها وزير الحج والعمرة الدكتور محمد صالح بنتن، بحضورعدد كبير من مسؤولي بعثات الحج والمفكرين والعلماء من عدد من الدول الإسلامية والعربية: إن السلام بيئة محفزة للإنتاج وجلب الاستثمارات وتبادل التعاون والخبرات ورسالة الإسلام هي رسالة عالمية يجب أن تعرض وسطية الإسلام وعفوه ورحمته ورفقه لا كما يفهم بعض الناس أنه دين القتل والطائفية، مشيرا إلى أن السلام ليس كما يروج له البعض أنه استسلام وخنوع وذل بل هو خطوة جريئة شجاعة لا يقوم بها إلا القائد الفذ الذي يملك نفسه عند الغضب، وفيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أبرم صلحا مع الكفار واليهود لإدراكه بأهمية ذلك.وأضاف: إن نصوص الكتب وغاية الرسالات والشرائع السماوية التي جاء بها الأنبياء تعنى بالسلام؛ لأن الغاية والمقصد حفظ الضرورات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، ولم يعرف العالم مثل الأمة الإسلامية التي حققت معاني السلام ورسالة النبي التي هي رحمة للعالمين.وبين الدكتور السديس أن أشهر الحج ومواقيته المكانية والزمانية هي استعداد لمبدأ السلام الذي ذكرت مفردته بجميع تصريفاتها في القرآن الكريم (44) مرة في مقابل ستة مواضع ذكر فيها لفظ الحرب، مشيرا إلى أن السلام من أهم مظاهر وسلوكيات المسلم وهو الأصل في العلاقات بين الأشخاص وبين الدول وتشريع إلهي وركيزة لاستقرار الدول والشعوب، وبدون السلام لا توجد حياة مستقرة وتتراجع جميع مظاهر الحياة مثل الصحة والتعليم والتطور والتقديم والنماء.وطالب الدكتور السديس بالعمل على إصدار موسوعة علمية عالمية عن السلام في الإسلام لتكون مرجعا شاملا وتترجم للغات العالمية، واستثمار موسم الحج وإشاعة روح السلام بين المسلمين وجعلها رسالة العالم، وأن الحج ليس تسييسا ولا رفعا للشعارات وليس ميدانا للنعرات الطائفية، مع استثمار وسائل الإعلام والإعلام الجديد في تحقيق هذا المعنى وتوحيد الجهود لنشر ثقافة السلام وإعداد الأبحاث وعقد الندوات وطباعة ونشر الكتب التي تعنى بالسلام وأن يكون مادة مقررة وتربية الشباب وتجلية الشبهات وإنشاء كراسي بحث متخصصة لدراسة السلام وتوعية أفراد المجتمعات بما جاء به الإسلام.الاعتدال والوسطيةمن جهته، قال وزير الحج والعمرة الدكتور محمد صالح بن طاهر بنتن إننا نأمل أن تسهم هذه الندوة في تعزيز خطاب الاعتدال والوسطية وتكريس قيم الإسلام السمحة، ونشر ثقافة الإخاء والسلام والتكاتف بين أبناء الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء، وتعزيز قيم الإسلام نحو السلام والازدهار، وأن الإسلام هو دين الأخوة والرحمة والسلام والإحسان، والحج رسالة الإسلام التي تشع منها فكرة السلام والاعتدال والوسطية.وأشار إلى أن من يتابع التاريخ لا يخفى عليه تطور الحرمين الشريفين، وتطور الخدمات التي تقدم لضيوف الرحمن، وما تقدمه هذه القيادة المباركة للمملكة للحجاج بصرف النظر عن جنسياتهم أو انتماءاتهم، وتمكينهم من أداء نسكهم وهو ما يعمل عليه الجميع بكل جد واجتهاد وإخلاص، لافتا إلى وصول أكثر من 1.6 مليون حاج إلى المملكة منذ بدء القدوم وحتى يوم أمس، داعيا الحجاج إلى الالتزام بالأنظمة المهمة والمتعلقة بالتفويج وعدم التعجل والالتزام بالنفرة من عرفات إلى مزدلفة حسب الخطط التي أعدتها الوزارة ومؤسسات الطوافة.وشدد عضو هيئة كبار العلماء المستشار في الديوان الملكي وإمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن حميد في كلمته على أهمية السلام في الحج وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خطب في الحج شدد على حرمة الأموال والأعراض، مضيفا «من لطائف الله أن وجود الكعبة تقوم بها الدنيا وأنه إذا شاء أن ينتهي العالم لا ينتهي إلا بعد أن تخرب الكعبة وتهدم، وهو ما يشير إلى ارتباط الأمن والسلام بهذا البيت». بدوره، قال مفتي مشيخة كرواتيا عزيز حسان أفيتش إن الحج مؤتمر إسلامي عام ويجمع العلماء الذين يحملون مسؤولية أمام الله ويجب عليهم أن يتأملوا حال الأمة وأن يقدموا النصح والتوجيه والإرشاد، مشيرا إلى أن ما نشهده اليوم من هجوم متواصل على الإسلام بأحكامه وكل قيمه ورموزه وخصوصا النبي صلى الله عليه وسلم وأحيانا يكون الهجوم من داخل الصف المسلم يعطي صورة سيئة للإسلام والمسلمين.كما تواصلت ندوة الحج الكبرى مساء أمس، إذ شهدت جلستين علميتين، الأولى بعنوان «الحج منبر السلام تعلما وتعليما»، وترأسها المستشار في الديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الدكتور صالح بن حميد، وتحدث فيها كل من أستاذ الفقه بجامعة طيبة الدكتور ساند بكداش عن أخلاقيات المسلم في أحكام المناسك وسلامة القلوب في الحج، تطرق خلالها إلى الواجب على المسلم فعله في الحج، ومدير المعهد الطبي للصحة والأبحاث الطبية بجامعة نورماندي بفرنسا الدكتور يوسف أنور الذي تحدث عن السلام في الحج للإنسان والحيوان والنبات.وفي الجلسة الثانية التي ترأسها وكيل جامعة أم القرى الدكتور عبدالعزيز سروجي تحت عنوان خطبة الوداع والدروس المستفادة منها، تحدث كل من عضو هيئة التدريس بجامعة الجزيرة بالسودان الدكتور عبدالمنعم خليفة بلال، الذي أكد أن من أبرز الدروس المستفادة؛ الاهتمام بالدراسات الشرعية وتربية الأمة عليها. فيما تحدثت الدكتورة لبنى بوكزار مساعدة مدير المعهد الوطني بفرنسا عن قوله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا»، مشيرة إلى أنه وضع دستورا للأمة في هذه الخطبة لتسير عليه...والعطية: المملكة لا تستخدم الحج للضغط على أي دولةأكد وزير الأوقاف والإرشاد في الجمهورية اليمنية الدكتور أحمد العطية أن المملكة لم تستخدم الحج للضغط على أية دولة. وقال: «لم يسجل التاريخ أن المملكة سيست الحج»، مشيرا إلى أن دخول 25 ألف حاج يمني هذا العام من منفذ وحيد هو منفذ الوديعة الحدودي هو أقوى رد على من يقول إن المملكة عرقلت دخول حجاج اليمن أو حجاج أية دولة أخرى.وأضاف: لقد قدمت حكومة المملكة كافة التسهيلات للحجاج بصفة عامة وحجاج اليمن بصفة خاصة، وهذا ليس مستغربا من قادة هذه البلاد المباركة والشعب السعودي الكريم، مشيرا إلى أن ندوة الحج فرصة للتعرف على محاور كبيرة في مجالات توعية الحجاج، وكذلك للتعارف بين مسؤولي بعثات الحج والعلماء والمفكرين من مختلف دول العالم.وكيل الأزهر لـ عكاظ : الإرهابيون شوهوا صورة الإسلامأكد الدكتور عباس شومان وكيل شيخ الأزهر في جمهورية مصر أنه يجب استغلال ندوة الحج استغلالا جيدا في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم الإسلامي، لتوضيح الصورة الحقيقية عن الإسلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي دنستها الجماعات الإرهابية والمتطرفة، والصورة المفزعة المغلوطة التي نشرت في الغرب عن الإسلام ودمويته وتطرفه وإرهابه.وقال الدكتور شومان لـ«عكاظ»: عندما نظهر هذه المفاهيم الصحيحة ستكون هذه الندوة وسيلة مهمة، خصوصا مع هذا التجمع الكبير من جميع دول العالم، وعندما يتابع العالم ما يطرح في الندوة من أفكار صحيحة نستطيع أن نصحح الصورة المشوهة عن الإسلام، مشيرا إلى أن الواجب الذي تفرضه تحديات المرحلة هو التركيز على نشر سماحة الإسلام وإظهار قيمه السمحة خصوصا في تعامله مع الآخر وتحريم الدماء والأموال بصرف النظر عن ديانة الإنسان سواء من المسلمين أو من غير المسلمين.
مشاركة :