كل الحسابات يجب أن تُبنى، بالنسبة إلى سورية، على أساس "المستقبل" لا الحاضر، فهذه الأوضاع الحالية "المهرْكلة" غير مضمونة، وغير مستغرب أن يغير الروس "صاحبهم"، هذا قبل أن يصيح الديك، فالعلاقات بين الدول مصالح، وروسيا عندما زجَّت بكل إمكانياتها العسكرية والسياسية وكل شيء في هذه الأزمة، التي وفقاً لأي قراءة صحيحة لا تزال في ذروتها، فإن دافعها كان ولا يزال هو مصالحها، إذ إن هذه المصالح تشمل، بالإضافة إلى المكانة الدولية كدولة عظمى، أزمة أوكرانيا والقرم وبعض دول البلطيق، هذا بالإضافة إلى صواريخ حلف الأطلسي، في بعض دول أوروبا الشرقية. هناك مثل كان يستعمله أبناء البادية، قبل أن يستبدلوا في أسفارهم وتنقلاتهم "الإبل" بالسيارات الفارهة والطائرات العملاقة، يقول: "عليك ألاّ تحْرق (شداد) راحلتك، قبل أن تصطاد الأرنب". وحقيقة أن هذا المثل ينطبق على الذين يراهنون على أن نظام الأسد باقٍ إلى الأبد، رغم أنهم يعرفون أن بقاءه متوقف على بقاء أكثر من خمسين تنظيماً طائفياً إيرانياً، تزيد أعدادها على ستين ألفاً، وهذا غير القوات الإيرانية النظامية، وغير حراس الثورة وحزب الله اللبناني. وحتى بالنسبة إلى إعادة إعمار سورية، فإن الأمور لا تزال مبكرة جداً للحديث عن حسابات مستقبلية، إذْ بالإضافة إلى وضع هذا النظام الذي لم يحسم بعد، فإن المشكلة بالنسبة لهذه المسألة هي أنَّ الدمار الهائل الذي ترتب، حتى الآن، على صراع وحروب الأعوام الستة الماضية، يقدر بمئات المليارات من الدولارات، وهذا ما لا قدرة للدول وللشركات الصغيرة عليه، التي سينطبق عليها المثل القائل: "كالأيتام على مآدب اللئام"... فالروس سيكونون، حسب موازين القوى الحالية، أصحاب الحصة الأكبر في هذه الغنيمة الموعودة، وبعدهم تأتي الولايات المتحدة والدول الأخرى التي ستكون "أنصبتها" بحجم ومقدار تأثيرها في هذا الصراع، الذي تحول إلى صراع دولي وكوني بكل معنى الكلمة! الآن تنشغل أو "تتشاغل" الدول الكبرى، والمقصود هنا تحديداً هو الولايات المتحدة ، بـ "مسرحية داعش"، والواضح أن هذا "الانشغال" قد اقترب من نهايته، إذ إن هذا يعني اقتراب حسم مصير هذا النظام، الذي يحتدم الجدل الآن على: هل أنَّ رحيله سيكون قبل "المرحلة الانتقالية" أم في نهاياتها! وهكذا، وفي كل الأحوال، فإن هذا الرحيل قد أصبح بمثابة تحصيل حاصل، وأنه لا بد منه، إنْ في البداية وإنْ في النهاية. ولهذا فإنها مغامرة ستكون مكلفة جداً، أن تكون الحسابات على أساس أن هذا النظام هو حاضر سورية ومستقبلها، وأنه باقٍ إلى الأبد، فالمفترض أنه معروف أن هذا البلد، الذي مكانه في قلب كل عربي أصيل وصادق، يعيش حالة تمزق ويحتاج رتقه إلى أعوام كثيرة، وأنه أصبح، للأسف، ساحةً لصراع دولي وإقليمي يبدو أن نهايته لا تزال بعيدة، ولذلك فإنه لا يجوز الرهان على هذا الحصان، الذي من لا يرى أنه لن يكون إلاّ خاسراً فإنه يثبت بالتأكيد أنه أعمى بصر وبصيرة!
مشاركة :