يعتبر الموسيقار الاستاذ غنام الديكان أحد أهم الملحنين في الكويت، خصوصا انه ينطلق من عمق الموروث الموسيقي الكويتي ليقدمه في قالب موسيقي بأسلوب معاصر الى الجمهور والى الملحنين الشباب الذين لا يحسنون التعامل مع الالحان التراثية خاصة التراث البحري. ويعد غنام الديكان من الملحنين المتميزين من جيله الذين نهضوا بالاغنية الكويتية انطلاقا من المحافظة على اصالتها وهويتها مع زملائه أحمد باقر ويوسف المهنا ومرزوق المرزوق، فقدم عبر مسيرته الفنية التي استمرت أكثر من نصف قرن سلسلة من الابداعات عبر الكثير من الاغنيات التي ما زالت محفورة في ذاكرة الغناء الكويتي مثل أغنيتي «حالي حال و سدرة العشاق» للفنان شادي الخليج واغنية «مسموح» للفنان غريد الشاطئ وأغنية «حمام شاقني فنه» للفنان محمد المسباح. اضافة الى مجموعة كبيرة من ألحان خاصة جعلت فرقة التلفزيون متألقة لوقت طويل منذ تأسيسها في منتصف السبعينات الى فترة الثمانينات حيث العصر الذهبي للفرقة اضافة الى مشاركته مع المبدع صقر الرشود في مسرحية «على جناح التبريزي»، وتلك الاغنيات للذكر وليس للحصر حيث ان رصيد الفنان الكثير من الابداعات التي منحته اسما مميزا بين النجوم. ولا ننسى الرائعة «مذكرات بحار» التي غناها شادي الخليج مع سناء الخراز حيث ابدع الديكان كثيرا في تلحينها وهي شعر محمد الفايز، ثم تبع ذلك سلسلة من الابداعات للملحمة الوطنية التي اعتدنا عليها في كل عام مع احتفالات العيد الوطني فشكل مع الشاعر عبدالله العتيبي وشادي الخليج وسناء الخراز أيقونة فنية منحت الاحتفالات الكويتية بعدا فنيا مميزا. وارتبط الديكان بالفنان شادي الخليج فكانا معا في حالة انسجام فني كبير ادى الى ان غنام الديكان وجد في صوت شادي الخليج خامة غنائية مميزة، اذ ان له صوتا طربيا من الدرجة الاولى. كما ان فيه مساحات فنية كبيرة تدفع بالملحن الى الجرأة بالتطرق الى مساحات في المقامات الموسيقية التي يعرفها اهل الاختصاص خاصة مع وجود شعراء مبدعين مثل محمد الفايز وعبدالله العتيبي ويعقوب الغنيم. وقام الفنان غنام الديكان ابان الاحتلال العراقي للكويت بواجبه فقام بتقديم رائعته «حنا العرب» التي كتبها الشاعر خالد الفيصل، وقام بغنائها الفنان شادي الخليج فكان لها صدى واسعا الى يومنا هذا رغم مرور اكثر من ربع قرن من الزمن على ولادة تلك الاغنية التي باتت أنموذجا لاغاني المقاومة،وستبقى خالدة في ذاكرة الغناء الكويتي. وللديكان كتاب يحمل اسم «الايقاعات الكويتية في الاغنية الشعبية»، وهو يضم اكثر من جزء وان كان يهم المختصون الا انه يقدم للمكتبة الكويتية كتابا متميزا يمكن ان يستفيد منه كل الباحثين الى جانب الملحنين واصحاب الدراسات العليا في عالم الموسيقى. حيث انه يشرح بسلاسة ابعاد الايقاعات الكويتية مع ذكر امثلة تدل على ما تضمه من جمل موسيقية تساهم في بناء ثقافتهم الموسيقية. واني لاستغرب من ان الاغنية الكويتية تصاب بالهبوط مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه وهناك مبدعون كثر لصناع الاغنية وفي مقدمهم الديكان، الذي يمتاز بدماثة الخلق والقدرة على التواصل مع الاجيال الجديدة من المبدعين الشباب ولا يبخل عليهم بالتوجيه وبالتشجيع ايمانا منه في اهمية دور الشباب الذي سيكمل المسيرة. لست متخصصا في الموسيقى الا انني من خلال تذوقي للالحان التي قدمها الديكان عبر عقود من الزمن، فانني أؤكد ان لديه تركيبة سرية في صناعة الجمل الموسيقية انطلاقا من الموروث الفني خاصة الموروث البحري، ثم يعمل على وضع لمسته السحرية فيقدمها في قالب موسيقي حديث،ومن ميزاته ايضا انه لم يتأثر بملحن معين بل كان مصرا منذ انطلاقته على ان يكون لديه أسلوبه الخاص في التلحين، وأن تكون له بصمته التي تميزه عن بقية الملحنين. ان الملحن غنام الديكان طويل القامة في بنيته كما انه طويل القامة في ألحانه الابداعية التي قدمها خلال مسيرته، اضافة الى ان ابداعاته تلك منحته تميزا كملحن اضافة الى ان محبة الناس اليه كبيرة ولاجيال عدة. وقد تجلى ذلك الحب عندما سافر قبل سنوات للعلاج فكان استقباله في مطار الكويت احتفالية كبيرة تعكس محبة الناس تلك التي كانت وما زالت تلقائية،وكم هو جميل ان يفتخر الانسان بوطنه ولكن الاجمل أن يفتخر الوطن بابنه،وأظن ان الكويت تفتخر بابنها البار غنام الديكان اطال الله بعمره. * كاتب وفنان تشكيلي كويتي
مشاركة :