دبي: «المحرر الاقتصادي» أوشكت العزلة القطرية على دخول يومها المئة، ورغم ذلك مازال من بيدهم مقاليد الأمور داخل الدوحة، لايرون خطورة الوضع الراهن للاقتصاد القطري، الذي يرزح منذ بداية المقاطعة تحت وطأة شح السيولة، وارتفاع نسب التضخم، ونزوح الودائع الأجنبية.يعلم تماماً النظام القطري، أن فاتورة استمرار شق الصف الخليجي ستكون باهظة الثمن، ورغم ذلك يواصل التباهي بهذا العناد، فالنظام القطري لم يقتصر عناده على صم آذانه عن الأصوات المنادية إلى ضرورة الاستجابة لمطالب دول المقاطعة، بل ما زاد الطين بلة، ارتمائه في أحضان إيران ومن بعدها تركيا، وكأنهما الملاذ الآمن لقطر. خسائر الاقتصاد القطري لم تتوقف على استمرار نزيف المليارات، والضغط على الريال بصورة تنذر بأنه أيامه السوداء لم تأت بعد، بل امتدت إلى أن أصبحت الاستثمارات القطرية حول العالم «سيئة السمعة» نتيجة أنها باتت مقترنة بدعم وتمويل عناصر وجماعات الدم في غالبية دول العالم.جاء إعلان شركة ليجند هولدنجز الصينية، استحواذها على حصة قطر في بنك لوكسمبورج الدولي «بي آي إل»، مقابل 1.48 مليار يورو «1.76 مليار دولار»؛ ليعكس ذلك معاناة وتخبط الحكومة القطرية الذي أسفر عن لجوئها لبيع ممتلكاتها لتوفير السيولة، رغم أن الصين كانت تواجه صعوبات في الحصول على حصص مشابهة للصفقة الأخيرة في البنوك الأوروبية سابقاً.وجاءت هذه الصفقة لتعمق من تداعيات المقاطعة على الاقتصاد القطري، الذي اضطرها إلى الدفع بعدد من الإجراءات المصرفية المؤثرة بخصوص ضخ السيولة بالنظام المصرفي الداخلي، وطلب الاقتراض من الخارج عبر البنوك التجارية إلى جانب بيع حصص خارجية، ومنها هذه الحصة الثمينة في بنك أوروبي.وكانت معلومات أشارت في شهر يوليو/تموز الماضي إلى أن» ليجند» تجري محادثات مع بريسيشن بخصوص استحواذ محتمل على بنك لوكسمبورج الدولي.وتزامنت هذه الصفقة مع إعلان عدد من وكالات الائتمان العالمية خفض تصنيفات الاقتصاد القطري بصورة غير مسبوقة، وتنامي حجم الضغوط ومن بينها تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة مع هروب المستثمرين الأجانب والعرب، وهبوط أسعار الأسهم إلى مستويات لم تصل إليها من قبل، بالإضافة لانخفاض قيمة الريال القطري أمام الدولار، بعد ما أوقفت شركات عالمية التعامل به في بنوكها.الأمر الآخر الكاشف لعمق أزمة الاقتصاد القطري، ما أصاب القطاع المصرفي، الذي يعتبر من أهم القطاعات بالبلاد، بسبب سحب الدول الخليجية ودائعها من البنوك القطرية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض معدلات السيولة في القطاع المصرفي القطري، وبات القطاع المصرفي هناك يمر بالعديد من الضغوط بعد تخفيض العديد من وكالات التصنيف الائتماني، التصنيف الائتماني لقطر، بدأته وكالة ستاندر أند بورز التي أعطتها نظرة مستقبلية سلبية، وكذلك وكالة فيتش الائتمانية التي خفضت تصنيفها الائتماني إلى -AA مع نظرة مستقبلية سلبية. وبدأت قطر في البحث عن طرق لتوفير سيولة مالية في قطاعها المصرفي بدلاً من الودائع التي سحبتها الدول العربية، ببيع عدد من أصولها المملوكة لصندوق الثروة السيادي خوفاً من أن إصدار سندات وصكوك لا يلقى رواجاً في أسواق الدين العالمية بعد خفض تصنيفها الائتماني.ولأن المصائب على رأس الاقتصاد القطري في ظل نظام «الحمدين» لا تأتي فرادى، سبق خسارة الدوحة حصتها في «لوكسمبورج» انخفاض حصتها أيضا في بنك كريدي سويس، بشكل كبير، كما انخفضت حقوق شراء الدوحة في البنك السويسري بعد رفع سقف رأس مال البنك.حيث جاء هذا التغيير بعد أن كانت قطر من أكبر المساهمين في بنك زيورخ منذ الأزمة المالية 2008-2009؛ حيث ساعدت الدوحة البنك في تجنب تأثيرات الأزمة عن طريق ضخ المليارات في رأس ماله.وانخفضت حصة قطر الإجمالية في البنك السويسري بشكل حاد؛ حيث أصبحت الدوحة تملك الآن 4.94 % من الأسهم و 10.97 % من الأدوات القابلة للتحويل، من أصل 5.01 % في الأسهم و 12.96 % في الأوراق المالية.وأرجعت تقارير عالمية تخارج قطر من كريدي سويس إلى تورط النظام القطري في دعم جماعات إرهابية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما أثر على السيولة والقطاع المصرفي القطري وجعل قطر معزولة تماماً عن محيطها.وإذا كان التخارج أو خسارة الصفقات أمام الدول الأخري نتيجة حتمية لما آل إليه حجم السيولة لدى الدوحة، فإن فضيحة باركليز نزعت ورقة التوت عن عورة الاستثمارات القطرية حول العالم، لاسيما بعد أن ثبت بالدليل تورط مسؤولين بالبنك بالتآمر والفساد والتزوير في صفقة رفع رأسمال البنك عام 2008 مع قطر، بمبلغ 4.5 مليار جنيه إسترليني.وضمت لائحة الاتهام التي وجهها مكتب مكافحة عمليات الاحتيال الخطرة البريطاني لمسؤولي البنك، التستر على الاحتيال، والتمثيل الوهمي في ترتيب حصول البنك على تمويل من الدوحة قيمته 7.3 مليار إسترليني بالتعاون مع شركة قطر القابضة، وشركة «تشالينجر يونفرسال»، الذراع الاستثمارية لرئيس وزراء قطر آنذاك، حمد بن جاسم آل ثاني، ومكنت هذه الصفقة البنك من تجنب عملية استحواذ الحكومة البريطانية عليه.كما ضمت اللائحة أيضاً، موافقتهم على تسهيلات ائتمانية بقيمة 3 مليارات دولار تم تأمينها لحكومة قطر عبر وزارة الاقتصاد والمالية.وأقر البنك بدفع 322 مليون دولار أجور خدمات استشارية لمستثمرين قطريين لم يتم الإفصاح عنها في حينها.اللافت في الأمر أن «تشالينجر يونفرسال» أنشئت خصيصاً من أجل حيازة أسهم في بنك باركليز البريطاني لاستكمال صفقة الاحتيال موضع الإدانات التي صدرت أمس، بحق مسؤولين في بنك باركليز، وذلك عشية ترتيب الصفقة في شهر يونيو/حزيران من عام 2008.وتم تسجيل الشركة باسم حمد بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس وزراء ووزير خارجية قطر آنذاك، ولم تسجل لها أنشطة أخرى منذ ذلك التاريخ.
مشاركة :