تدخل المقاطعة المفروضة على الدوحة بسبب سلوكها الداعم للجماعات الإرهابية والعناصر المتطرفة في المنطقة، شهرها الثالث على التوالي، وسط تداعيات ملحوظة على واقع الاقتصاد القطري الذي تضرر بشدة وتكبد خسائر فادحة لم يسبق لها نظير في تاريخ قطر. وقال محللون وخبراء اقتصاديون لـ«البيان»، إن الاقتصاد القطري بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، لا سيما في ظل حالة من التباطؤ والركود ضربت كافة القطاعات والمشاريع خصوصاً الإنشائية والعقارية بما قد يقوض من قدرة الدوحة على استضافة مونديال كأس العالم 2022. وأضاف الخبراء أن سوق الأسهم القطرية سجل على مدار ثلاثة الأشهر الماضية أسوأ وتيرة خسائر منذ الأزمة المالية التي ضربت العالم في عام 2008، مشيرين إلى أن تلك الخسائر تأتي وسط نزوح المستثمرين والأموال من البلاد بما يفتح الطريق مجدداً أمام تخفيضات جديدة في التصنيفات الائتمانية للبلاد ولكبرى البنوك والمؤسسات والشركات القطرية. ووفق حسابات «البيان»، وصلت خسائر البورصة القطرية إلى نحو 56 مليار ريال على مدار ثلاثة أشهر منذ أن قررت الإمارات والسعودية والبحرين ومصر في 5 يونيو الماضي قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة. وهبطت المؤشرات القطرية إلى أدنى مستوياتها في ثلاثة أشهر مع تدني أسعار الأسهم وبلوغها أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات أو منذ الإدراج وفي مقدمتها «بنك قطر الأول» و«مجمع المناعي» و«السلام العالمية» و«مزايا قطر» و«قطر للوقود»، وفق رصد لــ «البيان». ثقة مفقودة وقال طارق قاقيش المدير العام لإدارة الأصول لدى «ميناكورب» للخدمات المالية، إن المقاطعة المفروضة على قطر أضعفت البيئة الاستثمارية في البلاد وأفقدت المستثمرين الثقة في الأوضاع لا سيما مع استمرار نزيف الخسائر التي تتكبدها كافة القطاعات. وأوضح أن تأثير المقاطعة طال جميع القطاعات الاقتصادية في قطر، حيث تراجع حجم التجارة وانخفضت واردات البضائع بنحو كبير بلغت نسبته 36% وهي أكبر وتيرة تراجع منذ 13 عاماً مما يعطي انطباعاً حول تباطؤ الاقتصاد القطري. وأشار إلى الانخفاض الملحوظ في سوق الأسهم القطرية مع تراجع المؤشر العام بنسبة 15% منذ بداية العام الحالي مسجلاً أسوأ أداء بين كافة أسواق العالم وسط تخارج واضح للاستثمارات الأجنبية والخليجية وكذلك المحلية في ظل عدم وضوح الرؤية. ولفت إلى وجود انفلات وزيادة كبيرة في الأسعار خصوصاً فيما يتعلق بالطعام والمشروبات مع نقص ملحوظ في السلع وزيادة معدلات التضخم بنحو غير مسبوق، إضافة إلى تأثر القطاع المصرفي مع انخفاض الودائع وتراجع معدل الأصول الأجنبية وارتفاع مستويات الدين مع انخفاض السيولة بالتزامن مع تراجع سعر الريال القطري أمام الدولار. وتوقع قاقيش استمرار تباطؤ الاقتصاد القطري وزيادة نزيف الخسائر في الفترة القادمة نتيجة انخفاض النشاط الاقتصادي، مشيراً إلى ضرورة أن تعمل الدوحة على حلول سريعة للأزمة الحالية عبر التوافق مع أشقائها العرب لتجنب مزيد من الركود الاقتصادي. أوضاع صعبة من جانبه، قال وليد الخطيب المدير والشريك في شركة «جلوبال» لتداول الأسهم والسندات، إن الاقتصاد القطري يعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة على وقع المقاطعة المفروضة من دول مهمة لها ثقل اقتصادي في المنطقة مثل الإمارات والسعودية ومصر. وألمح إلى وجود تباطؤ كبير في نمو الاقتصاد القطري، وتوقع وعجز ضخم في الموازنة القطرية خلال العام الجاري والمقبل حال استمرار المقاطعة وتمسك الدوحة بمواقفها المعادية لمطالب أشقائها العرب. وتوقع أن يشهد القطاع المصرفي في قطر مزيد من التباطؤ وانخفاض في السيولة وسحب الودائع وتخارج المستثمرين من الأسواق، لافتاً إلى أن تخفيض التصنيفات الائتمانية لاقتصاد الدوحة بشكل مستمر يعد مؤشراً خطيراً على تدهور حاد في أوضاع البلاد. هروب الاستثمارات وقال الخبير الاقتصادي والمحلل المالي عمرو حسين، إن الاقتصاد القطري تكبد خسائر فادحة على مدار الثلاثة أشهر الماضية وهي عمر المقاطعة المفروضة على الدوحة، مرجعاً السبب في ذلك إلى تخارج الاستثمارات وهروب المستثمرين الأجانب بسبب عدم الشعور بالأمان الاستثماري. ولفت إلى أن الاقتصاد القطري أمام مخاطر بالجملة لا سيما مع نزوح الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية، وسحب الودائع من المصارف القطرية، وهو ما أدى إلى حدوث هزة في القطاع المصرفي. وقال: إن قطر تلجأ حالياً إلى الاستيراد من إيران وتركيا لسد حاجتها وهو ما يعد أكثر كلفة من السابق عندما كانت تستورد من دول الخليج، وبالتالي تسبب ذلك في تضاعف أسعار المنتجات وزيادة تكاليف الشحن إلى أكثر من الضعف. وأضاف: إن تكلفة التأمين على الديون القطرية قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ عدة أشهر، وأصبح الريال القطري، يتم التداول عليه عالمياً عند مستويات هي الأدنى في السنوات العشر الأخيرة، كما أوقفت مصارف عالمية التداول على الريال القطري وخفضت جميع وكالات التصنيف العالمية تصنيفاتها إلى الاقتصاد القطري وأعطته نظرة مستقبلية سلبية. وأوضح حسين أن إغلاق حدود وأجواء الدول الأربعة أمام قطر حرمها من معبرها البري الوحيد وهو مع السعودية ومن تحليق طائراتها في أجواء تلك الدول، إضافة إلى حرمانها من الخدمات التي تقدمها المرافئ الإماراتية وفي مقدمتها ميناء جبل علي في دبي، وهو ما أثر بشكل كبير على تجارة وأعمال قطر. وقال حسين: إن البورصة القطرية تكبدت خسائر ضخمة على وقع المقاطعة المفروضة على الدوحة بما يضعها في صدارة الأسواق الأسوأ أداء حول العالم منذ بداية العام خصوصاً مع انحدار الأسهم إلى مستويات متدنية لكنها لا تجد رواجاً بسبب المخاوف من مزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية. وأشار إلى أن استمرار المقاطعة بات يضع مزيداً من التهديدات على البنوك القطرية في عدة محاور منها رفع مخاطر السيولة ومخاطر التعاملات الإقليمية، بجانب الخطر الأكبر المتمثل بقيام وكالات التنصيف الائتماني بخفض رتبة تصنيف قطر وبنوكها.
مشاركة :