مارتن سانبو يكفي قضاء أسبوع واحد في الصين، للتعرف إلى الوجه الحقيقي للعالم الذي لا تتسيده أمريكا كما يتصور البعض، حيث إن فوائد الهجرة وشغف التعليم والهوس بالاكتشافات الجديدة والاعتراف بفوائد الاستقرار، كلها عوامل عززت من القوة الاجتماعية والاقتصادية للصين، وهي بعض مما يرفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التعامل معها بصورة أكثر حزماً في سبيل تطوير البلاد بنفس الوتيرة التي تسير بها الصين.بالحديث عن الهجرة، فقد استحدثت الحكومة الصينية برامج جديدة لاستقطاب العمالة الأجنبية الماهرة من الحصول على حق الإقامة والعمل، علاوة على أنها تعمل على تطوير برامج أخرى لمنح الإقامة الدائمة، مقارنة بشيطنة المسلمين في أمريكا، بعد أن كانوا موضع ترحيب في السابق، مع بدء التوجهات الأمريكية لإلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين أو على الأقل عدم فصلهم عنها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تجده في الصين التي تتمتع بأفكار أكثر تقدمية.وفي الحديث عن التعليم، تقوم الحكومة المركزية والحكومات المحلية ببناء الآلاف من المدارس في المناطق الريفية، حيث إن هنالك شغفاً كبيراً للتعليم من جانب الحكومة والشعب نفسه، حيث إن نسبة تعليم الأطفال بلغت مستويات كبيرة خلال العقدين الماضيين في الصين بفضل الخطط الواضحة والاستراتيجيات الهادفة التي تشجع على ذلك، بالإضافة إلى أن التعليم الخاص يشهد ثورة ملحوظة، إذ يمكن للمعلمين الخصوصيين أن يكسبوا أكثر من 50 ألف دولار سنوياً من حصص التعليم الخاصة.وعند التدقيق في التركيبة الصينية، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن الثورة الصناعية العظيمة التي تشهدها، فخلافاً لما عبر عنه ترامب برغبته في إعادة مستوى العمالة في الصناع الصناعي إلى ما كان عليه في الخمسينات، فإن الصين بدأت في استخدام الروبوتات بشكل أكبر بدلاً من العمالة البشرية، ما سينعكس بشكل متعاظم على الإنتاجية وجودة المنتجات، وهي تحاول قدر المستطاع تحقيق أقل نسبة ممكنة من الأمية وتطوير صناعاتها بطريقة تضمن استدامتها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.وتمتلك الصين ما يمكن وصفه بأنه جيش من رواد الأعمال الطامحين إلى اكتشاف آفاق جديدة في التجارة والابتكارات وغير ذلك، وهو الأمر الذي لا تفتقر إليه أمريكا، بيد أنها لا ترقى لمستوى الصين في هذا الجانب، وهنالك العديد من الأمثلة التي توضح أن الصين تتقدم بوتيرة سريعة جداً مقارنة مع حال الولايات المتحدة، حيث يمكن القول هنا إن أمريكا عالقة بشكل أو بآخر في حقبة زمنية معينة، أو إنها بدأت فعلياً في التراجع.ويمكن للمتابع ملاحظة التغيرات السريعة التي تحدث في الصين، والتوجهات الانتقالية التي تجري بسرعة في المشهد الاقتصادي، ومن الأمثلة على ذلك التراجع الملحوظ في عوائد شركات الطيران في الصين، بعد أن بدأ الناس في استخدام القطاعات الحديثة ذات السرعات الكبيرة كبديل للطيران، بعد أن كانت تلك القطاعات قبل أقل من عقد من الزمن مجرد فكرة طرحت بواسطة رواد أعمال، بيد أنها أصبحت اليوم الطريقة المثلى للتنقل في الصين، مما أضر كثيراً بعائدات شركات الطيران.وعبر عدد من قادة الحكومات المحلية في الصين عن رغبتهم في تبني نظام «هايبرلوب» للنقل السريع بين المدن الصينية متباعدة الأطراف، وهو ما يمثل تناقضاً صريحاً مع ما تعتزم مثلاً كاليفورنيا القيام به في إنشاء خط للقطارات السريعة بتكلفة تبلغ أكثر من 64 مليار دولار بمنطقة سنترال فالي، في مساحة لا تتعدى هندسياً حتى نصف قطر المدينة وبهذه التكلفة الباهظة. وفي الحديث عن ريادة الأعمال، فإن الصين تمتلك أعداداً كبيرة جداً من رواد الأعمال الطموحين والمتحمسين لاكتشاف آفاق جديدة في التجارة والأعمال، ما يعكس الشغف المتعاظم لديهم خلافاً لما يحدث في الولايات المتحدة.* كاتب متخصص في فاينانشال تايمزإن أكثر الحقائق اللافتة للأنظار بالنسبة للأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في 2007 وتداعياتها الكارثية التي حلت بالاقتصادات الكبرى والصغرى، على حد سواء، هو مدى بعدها من التأثير في السياسات النقدية، إذ لم يحدث تغيير كهذا منذ بداية التاريخ الاقتصادي الحديث في القرن الماضي، فقد انتجت الأزمات الاقتصادية العميقة تحولات أصلاحية، ولكن هذه المرة، وبعد عشر سنوات، يمكننا القول إن الأمر مختلف.كانت صفقة فرانكلين روزفلت الجديدة في عام 1933، مثالاً على تحول أزمة 1929 إلى فرصة، وبعد أن تقلد منصبه، قام بفصل الدولار عن الذهب لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، وأغلق النظام المصرفي، وأعاد فتحه بعد التأمين على الودائع، ودشن برامج أشغال كبرى، ووضع قوانين تنظيمية جذرية لبورصات وول ستريت، وحدد الحد الأدنى للأجور، اتبع كل ذلك بإصلاح التأمين الاجتماعي، وتحرير التجارة، وسياسات الإسكان بشكل سريع.لقد كانت الصفقة الجديدة في حينه استثنائية في زخمها، ولكن الأزمات الأخرى أيضاً شهدت جهود كبيرة لإعادة صياغة النظام الاقتصادي الأمريكي، وبطبيعة الحال الاقتصاد العالمي، ففي أواخر القرن التاسع عشر قاد عدم الاستقرار المالي المزمن، وتركز الثروة، وقوة السوق في الولايات المتحدة إلى ضريبة دخل دائمة، وبنك مركزي، وبعد الحرب العالمية الثانية خلق الإجماع في كل الدول الغربية اقتصادات اشتراكية ديمقراطية مختلطة. ويبدو أن كثيرين يرغبونها حالياً، وبالمقارنة مع أي من هذا، فإن سياسات العقد المنصرم كانت رعديدة، فقد كانت أزمة عام 2008 أكثر الأزمات التي سببت صدمة اقتصادية، حيث كانت الأكثر تأثيرا في العالم الغني في التاريخ، وبعد كل هذا لم تنبثق أي جهود سياسات نقدية تقابل حجم التحدي الكبير.صحيح أن الحكومات كبحت جماح الأسواق المالية، وصحيح أيضاً أن التحفيز المالي المنسق، أوقف الانكماش، ومع ذلك لم يحدث للنظام المالي غير القليل من التغيير مقارنة بثلاثينات القرن الماضي، حيث تم سحب التحفيز بشكل سريع للغاية، مقارنة بالسابق، وقد يقوم اتحاد المصارف الأوروبية بإجراء تغييرات جذرية في الوقت المناسب، وقد يعجل بذلك المقاومة الشرسة بشكل عاجل.
مشاركة :