الموروفوبيا تعزز جبهة الرهاب من الإسلام بقلم: حكيم مرزوقي

  • 9/14/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

فوبيا الجماعات تصنعها عوامل متشابكة، أولها المناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي، يضاف إليه أسباب تاريخية ودينية، واستعدادات فطرية ثم تعطيها مشروعيتها الوقائع والأحداث الراهنة.العرب حكيم مرزوقي [نُشر في 2017/09/14، العدد: 10751، ص(13)]الأصل في المجتمع الإسباني هو ابتعاده عن موجات الكراهية “فوبيا” الكلمة اللاتينية التي تعني “خوف”، لا تأتي عادة وحدها، مجردة من السياق الكلامي بل تلتصق بها مسميات شتى لتصبح مصطلحا تخصصيا، وذلك على سبيل توخي الدقة والإشارة إلى الأمر الذي نخافه، إذ ليس من المنطق ولا من البلاغة أن تكتفي بقولك “أنا خائف” ثم تصمت، حتما ستتعرض بعدها ومباشرة إلى سؤال: ما الذي يخيفك؟ أو ممن خائف؟ أمّا إذا قلتها في عيادة طبيب نفسي فلتجهز نفسك عندئذ إلى وابل من الأسئلة المتناسلة من قبيل: منذ متى وكيف وأين ولماذا، وهل يشكو أحد أفراد محيطك من نفس العوارض؟ وهلم جرا من هذه التحقيقات التي تؤكد ـ بما لا يقبل الشك ـ أن خوفك حالة مرضية، له أسبابه ودوافعه وعوارضه، وقد يستفحل بك، ويؤدي إلى عواقب وخيمة يصعب معالجتها في مراحل متقدمة. هذا عن الأفراد وقس على ذلك بل أكثر في المجتمعات التي قد يتحول فيها الخوف إلى موجات عنف وحركات تطرف يصعب لجمها، وتتجاوز العيادات النفسية نحو مراكز البحوث الاستراتيجية، ذلك أن الفوبيا الجماعية أخطر بآلاف المرات من الحالات التي لدى الأفراد الذين يمكن السيطرة عليهم ثم أن أشد ممارسات العنف هي تلك التي مصدرها الخوف.. ألم تحذّر العامة من شدّة ضربة الخائف دون غيره. فوبيا الجماعات تصنعها عوامل متشابكة، أولها المناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي، يضاف إليه أسباب تاريخية ودينية، واستعدادات فطرية ثم تعطيها مشروعيتها الوقائع والأحداث الراهنة التي ينفخ فيها إعلاميا وتستثمر سياسيا. لا وجود لبلاد تدعي خلوّ مجتمعها من موجات تطرف وكراهية بسبب فوبيا ما، تختفي ثم تظهر بحسب المحرضات، لكن هذا يكون بدرجات متفاوتة في الكم والخطورة وطرق التعبير عنها، فالذي يظهر واضحا للعيان في بلد ما قد يمارس بأساليب أكثر تسترا ونفاقا في بلد آخر، وهذا ما نستشفه في قضية الإسلاموفوبيا بأوروبا، وتجلياتها المختلفة. الرهاب من الإسلام والمسلمين يخاتل منظومة حقوق الإنسان بل ويدعي الذود عنها، كما أنه لا يأخذ شكلا متساويا وأحاديا في أوروبا، فهو ينقسم ويتفرع في اتجاهاته وتحديداته للجهة التي يقصدها دون غيرها حتى داخل الحقل الدلالي والفضاء الواحد الذي هو الإسلام والمسلمون، وذلك بحكم المساكنات والمجاورات الجغرافية والتاريخية والثقافية بين البلد الأوروبي من جهة والبلد الإسلامي المعني بالأمر من جهة أخرى. إن تعبيرات الإسلاموفوبيا ليست واحدة ولا متشابهة ولا متساوية، ففي ألمانيا مثلا، تستهدف في ما تستهدفه المسلمين الأتراك بدرجة أولى، وذلك بحكم كثافة الجالية والعلاقات المتشعبة بين الدولتين في التاريخ الحديث، والأمر يصح في الحديث عن الإسلاموفوبيا في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا التي تستهدف مسلمي الضفة الجنوبية وسكان المستعمرات القديمة. توجد ظاهرة مختلفة في إسبانيا عن باقي الدول الأوروبية وهي “الموروفوبيا”، أي الخوف من “المورو”، والمورو كلمة أصلها لاتيني تطلق على سكان شمال أفريقيا وتعني العـربي المسلم، وتحمل أحيـانا مفهوم استعلاء مـن قبل الشخصية الإسبانية المسيحيـة، يرافقه تحقيـر للشخصية المسلمة، والمغاربية على وجه الخصوص. جاء ذلك بحكم الوجود المسلم لقرون عديدة في إسبانيا أي منذ الموجات الأولى لحركات الغزو الإسلامي وحتى طرد الموريسكيين سنة 1609، وتوجس الإسبان من إمكانية عودة المسلمين إلى بلادهم، الأمر الذي جعلهم ينظرون بنوع من الريبة والحذر إلى المغاربة: أقرب جيرانهم من المسلمين.إن تعبيرات الإسلاموفوبيا ليست واحدة ولا متشابهة ولا متساوية، ففي ألمانيا مثلا، تستهدف في ما تستهدفه المسلمين الأتراك بدرجة أولى، وذلك بحكم كثافة الجالية والعلاقات المتشعبة بين الدولتين في التاريخ الحديث وتطور الأمر إلى عنصر من عناصر المخيلة الشعبية الإسبانية، نلمسه في آثار أدبية كثيرة. وهذا العنصر يحضر بين الفينة والأخرى ولكن في تجليات مختلفة وهي اقتصادية، مثل معارضة المنتوجات المغربية رغم جودتها، واجتماعية مثل القول بضرورة التصدي العنيف لقوارب الهجرة. في الوقت ذاته، تحضر الموروفوبيا في المجال الفكري والتاريخي من خلال التعرض للدور العربي والإسلامي في الحضارة الإسبانية والتشكيك في جدواه وفاعليته، مما يجعلنا أمام “موروفوبيا فكرية وثقافية” بامتياز. وتوجد كتب كثيرة ضمن الموروفوبيا، وبدأت تنحو نحو الإسلاموفوبيا وتتحرك تحت عباءتها إلا أن لا تأثير يذكر لها في الوسط السياسي والاجتماعي، وبقيت حبيسة الأوساط الراديكالية الضيقة في بلد عرف بصلاته الوثيقة مع التراث الإسلامي وكثرة الكتاب المستعربين فيه. وفي هذا الصدد، يقول عبدالحميد البجوقي الذي شغل ما بين 2008-2013 منصب ممثل إسبانيا في لجنة مناهضة العنصرية ومعاداة الأجانب التابعة للمجلس الأوروبي “كانت إسبانيا في المركز الأخير في كل التقارير التي أنجزتها اللجنة حول الإسلاموفوبيا في دول الاتحاد الأوروبي، وجاءت خلف فرنسا وبلجيكا وهولندا والنمسا بمسافة هامة”. يمكن القول إنّ الإسلاموفوبيا تعدّ ضعيفة في إسبانيا ولم تستفحل بالقدر المقلق، لكنها أطلت برأسها بعد الحدث الإرهابي الأخير في برشلونة عبر البعض من المواقف والتصريحات لشخصيات يمينية ركبت موجة الغضب، لذلك وجب الحذر من تناميها وتصاعدها التدريجي في إسبانيا بسبب معالجة وسائل الإعلام اليمينية لملف الإسلام والإرهاب بطريقة فيها الكثير من التجييش والتحريض، فاقا ما تفعله الحركات السياسية المتطرفة في إسبانيا. متابعون تحدثوا عن ظهور استطلاعات رأي ومقالات كثيرة، تتحدث عن الإسلاموفوبيا في إسبانيا وتقدّم نسبا مرتفعة ومرعبة أحيانا، لكن الواقع يكذبها ويشكك في دقتها، إذ أن الذين يقفون وراءها يرغبون في التهويل ويريدون إلحاق إسبانيا بركب الدول الأوروبية التي ترتفع فيها نسب معاداة المسلمين وإلصاق تهمة الإرهاب بهم وحدهم دون غيرهم، ذلك أن سيكولوجية الخائف تدعوه دائما إلى الإستقواء بخائفين مثله لتعزيز جبهة خوفه. الملاحظ أن بعض استطلاعات الرأي التي تنجز مباشرة بعد وقوع عمل إرهابي تهدف إلى صنع رأي والمساهمة في بلورة موقف مقصود، ويستحيل الأمر إلى عمل تحريضي مكتمل القرائن وليس مجرد استطلاع رأي عادي. وينبّه متخصصون في استطلاعات الرأي إلى أن فحص منسوب تزايد الإسلاموفوبيا داخل مجتمع أوروبي ما، يجب أن ينجز عندما تخلو الساحة من أي حدث قد يؤثر بشكل كبير على ردات أفعال الناس، وبالأخص البسطاء منهم أي في وقت الهدوء السياسي حتى نتمكّن من رصد الواقع الحقيقي لهذه الظاهرة التي تصعد وتنخفض حسب الوقائع والأحداث، وبروز اليمين الذي ينفخ فيها أثناء المناسبات الانتخابية. كاتب تونسيحكيم مرزوقي

مشاركة :