إدانة الحركات الإسلامية لقرار الرئيس الأميركي بشأن القدس حلقة من سلسلة خطط جهنمية ترمي إلى إفلات الجماعات الإرهابية من جحورها وتغذية التطرف في زحمة الاحتجاجات السلمية.العرب حكيم مرزوقي [نُشر في 2017/12/08، العدد: 10836، ص(13)]إيران تتزعم جوقة التنديد المزيف دأبت الجماعات الإسلامية على التسلل إلى صفوف المدافعين عن قضايا محقة وعادلة، لا لمناصرتها بل للتشويش على مطالبها وتشويه شعاراتها ومن ثم جرها لصالح أجندتها السياسية. وما هذه المزايدات الأخيرة التي تمارسها الحركات الإسلامية المدعية للاعتدال والوسطية برفض وإدانة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المتعلق بنقل سفارة بلده من تل أبيب إلى القدس، إلاّ حلقة من سلسلة خطط جهنمية ترمي إلى إفلات الجماعات الإرهابية من جحورها وتغذية التطرف في زحمة الاحتجاجات السلمية والمشروعة في كل مدن العالم. لا يحتاج المرء إلى البحث عن أمثلة وأدلة تؤكد هذا التوجه الذي تنتهجه التيارات الإسلامية، ولعل أوضحها ما أقدم عليه التكفيريون من عمليات إرهابية بعد الرسومات الكاريكاتيرية في كل من الصحيفة الدنماركية والمجلة الفرنسية الساخرة شارلي هيبدو وحتى قبل ذلك بسنوات حين أصدر الخميني فتواه الشهيرة بقتل الكاتب البريطاني سلمان رشدي. يمكن توصيف ومطابقة هذه الخطط الخبيثة التي تعتمدها الجهات الإسلامية في الركوب على الأحداث بعبارة “كلمة حق يراد بها باطل”. إن هذا الخلط للأوراق ومحاولة تكبير العباءة الإسلامية لتشمل تحتها كل شيء، تذكّر بقصة الذئب الذي يسخّر كل الذرائع لالتهام الحمل، وكذلك يفعل التكفيريون الذين ينفذون من كل الفراغات المتاحة لممارسة الإرهاب، ولكن الحق على الحمل الذي أعطى الفرصة للذئب عبر استسلامه للحوار معه كما هو الحال لدى بلاد كثيرة تعطي التطرف فرصة عبر تشريك الإسلاميين في قضايا لا تخصهم أصلا، وذلك تحت تأثير أوهام الاستماع إلى رأي الشريعة فيشعلون بهذا التصرف نيرانا كانت خامدة. الإسلام السياسي يحاول أن يجد له في كل عرس قرصا فيحشر أنفه في كل حديث وشراب ولباس، ويتلصص حتى على غرف النوم يسعى الإسلام السياسي عن سابق إصرار وترصد، أن يظهر بمظهر “مالئ الدنيا وشاغل الناس” فكأنه قد حزم الأمر وآل على نفسه ضمن استراتيجية إعلامية تضليلية، وعلى طريقة غوبلز النازية، أن يكون حديث الواحد بين “جلاّسه كلما طلعت شمس أو غربت”.. مع التنزيه الكبير لقصيدة الحلاج الصوفية الجليلة طبعا. تبدأ هذه الخطة بإقحام الإسلاميين لأنفسهم في كل شاردة وواردة حتى وإن كانت لا تعنيهم من قريب أو بعيد، وذلك للتذكير بأنهم موجودون كالملح في الطعام، وللإيحاء بأن عقيدتهم التكفيرية تسع سلطتها الدين والدنيا، المدني والسياسي والعسكري، الفردي والأسري والجماعي، الداء والدواء والاستشفاء. رضخت الكثير من المنابر الإعلامية في العالمين العربي والإسلامي وحتى في الغرب الأوروبي، لرغبتهم في التسلل والمثول من حيث تدري أو لا تدري، فاستدعت حضور الإسلاميين بهيئات وتلوينات وعمائم مختلفة، وأقحمتهم في البلاتوهات التلفزيونية والندوات التخصصية والبرامج التوعوية وحتى في الندوات الإعلامية كي يناقشوا أي شيء وكل شيء. فعلت كل ذلك كي لا تتهم بإقصاء الإسلاميين واستبعادهم أو تهميشهم وهلمّ جرا من تلك الكليشيهات التي تروّجها وتسوقها المظلومية الإسلامية ولم تعلم أنها “جابت الدب لكرمها” كما يقول المثل العامي. باسم الحيادية والموضوعية والخوف من تهمة الإقصاء والتهميش، صار معدّ التحقيق الصحافي على صفحات الجرائد، أو المذيع في الندوة التلفزيونية يقحم عبارة “أما عن رأي الشريعة في هذه المسألة فيسرنا أخذ قول فضيلة الشيخ فلان”، فيتنحنح فضيلته، ويسوّي عمامته ويبدي رأيه بعد ديباجة سمجة في قضية لا تخص الدين من أساسه أصلا، كأن يتحدث عن قول الشريعة في الفوتبول أو المسرح أو الطبخ أو الحياكة أو قيادة السيارات أو غيرها من تلك النشاطات البشرية التي لا علاقة ولا رابط للدين بها غير النطق بعبارة “بسم الله” -إن أردت- عند البدء بمزاولتها.كل كتاب هو مسموم حتى يسمح الإسلاميون بقراءته، وكل لباس هو غير شرعي إلى أن يبدي الإسلاميون رأيهم فيه يسعى الإسلاميون أن يحيطوا أنفسهم بهالة من الحضور الذي لا بدّ منه عبر الادعاء بإحاطتهم بكل شيء واصطناع الليونة واللطف وافتعال روح الدعابة لضمان التقبل والقبول خصوصا لدى البسطاء والعامة. وهم بهذا الأسلوب الاقتحامي يزرعون فكرة مفادها أن الطريق الآمنة نحو حياة الدنيا والآخرة لا يمكن أن تمر إلاّ من خلال فتاواهم التي لا يأتيها الباطل. حين فشلت مساعيهم السياسية ومنيت جماعاتهم المسلحة بهزائم مشينة، وانفضّت جماهير عريضة من حولهم بعد انكشاف مزاعمهم، اتجهت خطط الإسلاميين ومشاريعهم بنحو أفقي وتحتي، يركّز على التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، مدركين من وراء هذه اللعبة أن الناس لم تعد تعنيهم الشعارات الكبيرة التي أعلنت إفلاسها ووقع دحرها. وحين اتجهت عامة الناس إلى تدبر أمورهم والإقبال على الحياة بمعناها الاجتماعي العريض والبسيط والجميل، قفز الإسلاميون -وبطريقة طروادية- من مخابئهم ليعلموا البشر كيف يعيشون وكيف يموتون، ولكن على طريقتهم بإفساد الحياة وتشويه الذائقة عبر فتاواهم المسمومة. يحاول التكفيريون أن يوهموا أنفسهم بأن كل شيء مدلّس إلى أن يصححه الإسلاميون، وكل طبخة هي فاسدة إلى أن يطّلع الإسلاميون على مكوناتها ليضعوا فيها لمساتهم وبهاراتهم، وكل كتاب هو مسموم حتى يسمح الإسلاميون بقراءته، وكل لباس هو غير شرعي إلى أن يبدي الإسلاميون رأيهم فيه. ولأن التطرف لا دين له، فإن الأصولية الإسلامية تشبه الأصولية المسيحية في القرون الوسطى وعصر محاكم التفتيش كما أنها تشبه الأصولية اليهودية في تحريم أكل اللحوم التي لا يباركها الحاخام اليهودي قبل ذبحها. الإسلام السياسي يحاول أن يجد له “في كل عرس قرصا”، فيحشر أنفه في كل حديث وشراب وطعام ولباس، ويريد التلصص حتى على غرف النوم، وذلك في محاولة بائسة للقول بأن طيفه في كل مكان، وأن الحياة مستحيلة دون أسلمة والأحزاب مضيعة للوقت دون أخونة والسياسة ماجنة دون خلقنة والعيش مستحيل دون تديين وتطييف. المعضلة الأكبر أن أطيافا كثيرة من المجتمع المدني قد ابتلعت الطعم، ومكّنت باسم الديمقراطية هؤلاء الظلاميين من سرقة البهجة وتعكير صفو المجموعة. ولسائل أن يسأل: لماذا لا تعمل آليات مكافحة التطرف بمثل أساليب الإسلاميين من حيث المناهج والخطط أي أن تعادي مبدأ الكرسي الفارغ وتعزز حضورها في كل شيء.. أليست هذه مهمة مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية، فلماذا أوكلوا هذا الدور للإسلاميين وجلسوا يتفرجون؟ حكيم مرزوقي
مشاركة :