خصوصيات رقمية للإيجار بقلم: طاهر علوان

  • 9/19/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

صارت الحياة الشخصية للناس معروضة للإيجار من خلال منصات رقمية واشتراكات يومية أو شهرية أو سنوية، وسيجد عشّاق الفضول والتلصص على حياة الناس وخصوصيّاتهم ضالتهم هناك.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/09/19، العدد: 10756، ص(18)] لا تكاد تدخل موقعا أو منصّة للتواصل الاجتماعي إلا وتمرّ من خلال ما يُعرف بتعليمات الخصوصية وكيف أنهم يحافظون عليها فضلا عن تلك المواقع التي تتعهد بحفظ معلوماتك الشخصية التي تسجّلها أونلاين وأنهم لن يسمحوا باختراقها أو بيعها أو تداولها. هنا يشعر الإنسان أن (سرّه في بئر) ولا أحد يعرف عنه شيئا ولا أحد يتطفّل عليه أو يستخدم معلوماته الشخصية. في المقابل وفي إطار سياسات الخصوصيّة التي تتبعها مؤسسات من طبيعة عملها التعرّف على المعلومات الشخصية تلجأ إلى منح الأشخاص رموزا وأكوادا لغرض تمييزهم عن سواهم ولكي تبقى ملفاتهم مقفلة. أما إذا انتقلنا إلى منصّات التواصل الاجتماعي فالإشكاليّة أكبر وأعقد فبسبب كثرة الخروقات التي شهدتها هذه المنصّات من قبيل استخدامها لترويج العنف والكراهية والعنصرية والإرهاب والاتجار بالبشر لم يعد ممكنا التعامل مع مالكي حسابات مموّهين في تلك المنصات بل يجب أن يكونوا معرّفين وبدقة: أعمارهم، مهنهم، أين يعيشون، أرقام هواتفهم وغيرها من المعلومات. من المفارقات مثلا وفي ذروة ازدهار عمل المتاجرين بالبشر عن طريق الشواطئ التركية لتهريب الناس من جميع الأجناس إلى أوروبا صارت تنتشر إعلانات في منصات التواصل الاجتماعي صادرة عن أولئك التجّار يعرضون خدماتهم علنا وكم هو ثمن تهريب الشخص الواحد ويمكن اختيار نوع القارب ونوع قمصان النجاة. لكننا اليوم أمام ظاهرة أخرى تتعلق بقضية الخصوصية وهي المتاجرة بأكثر الخصوصيات الإنسانية حساسية، كانت الفكرة منطلقها برنامج الأخ الأكبر الشهير الذي ظهر إلى الوجود قبل أكثر من 18 عاما على يد الهولندي جون دي مول ثم عُملت منه عشرات النسخ الأميركية والأوربية والفكرة هي معايشة أناس في حياتهم اليومية العادية داخل مساكنهم. القصة ما لبثت أن اتّسعت أكثر حتى صارت الحياة الشخصية للناس معروضة للإيجار من خلال منصات رقمية واشتراكات يومية أو شهرية أو سنوية، وسيجد عشّاق الفضول والتلصص على حياة الناس وخصوصيّاتهم ضالتهم هناك، فالكاميرات الرقمية منتشرة في أرجاء المنزل ترقب أناسا تحوّلوا بسبب بيع خصوصياتهم إلى ما يشبه فئران تجارب يراقبهم مشتركون من جميع القارات. الكاميرات المخترقة للخصوصية تقدم لشاشات المشتركين يوميات أناس عاديين، أزواجا أو أصدقاء حتى وهم في غرف نومهم فضلا عن هواياتهم وما يأكلون ويشربون ويلبسون والعيون المتسلّلة التي اشترت خصوصيات الناس لن تتوقّف عند حد حتى أبعد ما يمكن تصوّره. ما بين أولئك الذين يقلقون على بياناتهم ومعلوماتهم الشخصية وبين هؤلاء الذين يبيعون أكثر خصوصياتهم حساسية ثمّة مسافة تكشف ما آلت إليه حياة الناس وخصوصياتهم التي يظنون حقا أنها محفوظة والسرّ في بئر، بينما واقعيا صارت الحواجز التي تتعلق بالخصوصية والمعلومات الشخصية تتضاءل بسبب سهولة التوصل إلى تلك المعلومات والتداخل مع الحياة الشخصية، بل إن (الخوارزميات الصديقة) صارت لوحدها كافية لتعقّبك وتذكيرك بما ترغب في خدمة مجانية في شكل إعلانات وتنويهات صغيرة، لكنها في الواقع عملية اختراق معلنة وواسعة النطاق للخصوصية. كاتب عراقيطاهر علوان

مشاركة :