السعودية نحو مرحلة جديدة.. تغييرات تحتاج جرأة الشبابرغـــم أن الإصلاحـــات الاقتصادية في السعودية لن تؤتـــي ثمارها في القريب العاجل، ورغم أن الإصلاحات الاجتماعية ستصطدم بتحديات داخلية، وحتى خارجية، إلا أن بدايـــة الحديث عنها أعطت تفاؤلا لدى السعوديين، وخاصة الشباب الذين لا يهتمون كثيرا للقراءات المسيسة وخفايا التأويلات لبرنامج الإصلاح في السعودية بقدر ما يعنيهم إلى أي مدى سيمضي الأمير محمد بن سلمان قدما في تحقيق رؤية السعودية 2030 وتجاوز الصعوبات والتحديات التي من المتوقع أن تواجهها أي خطوة إصلاحية في بلد مثل السعودية.العرب [نُشر في 2017/09/20، العدد: 10757، ص(6)]التواصل بنفس اللغة الرياض - يشكل الشباب أكثر من نصف التركيبة السكانية في المملكة العربية السعودية؛ وهي تركيبة عادية في مجتمع مثل المجتمع السعودي حيث ترتفع نسبة الخصوبة والولادات، وحيث لا تزال النظرة التقليدية في إنجاب الأولاد، وبعدد كبير نسبيا، محل فخر العائلات. لكن، غير العادي اليوم هو أن يتم التعامل مع هذه التركيبة الاجتماعية بنفس العقلية السابقة، حيث يسيطر التهميش والتقليل من أهميتها. اليوم، أغلب الشباب السعودي حاصل على تعليم عال. لم يعد الشاب السعودي ينتظر حتى يسافر لينفتح على العالم ويعيش كما يعيش غيره من الشباب. أعلى نسب رواد شبكات التواصل الاجتماعي ومختلف مواقع الإنترنت من الشباب السعودي. لم يعد الزواج هو الهدف الأول لهؤلاء الشباب، فتيانا وفتيات، بل التعليم والعمل أولا. يفرض هذا الواقع تغييرا حتميا في عدد من سياسات السعودية وتوجهاتها وحتى تقاليدها وأحكامها بما يتماشى مع خصوصية مجتمعها. كانت هناك خطوات محتشمة للتغيير، بعض الخبراء يرجعون ذلك إلى أن الجهة المطلقة للإصلاح كانت تفتقر إلى نفس الشباب ومن يفكر نفس تفكيرهم ويتحدث بلغتهم؛ وإذا لم يتحرك مركز القرار فسيتحرك هؤلاء الشباب، إن عاجلا أم آجلا. ويقول المحلل السياسي والكتاب السعودي غازي الحارثي لـ”العرب” إن "الشعب السعودي وصل إلى مستوى من الوعي بعد إحداث ما يسمى بالربيع العربي تجاوز فيه أقرانه من الشعوب العربية، بحيث أنه رفض كل دعوات التحرك لتغيير السلطة بقوة كما تحركت شعوب أخرى وفضل أن يلتزم بوفائه لحكومته، معتبرا أن المقارنة بينها وبين الأنظمة العربية التي سقطت لا تجوز وأصبح ذلك مضرب مثل في تحويل الأزمات إلى نقاط تحول تاريخية دفع بها الشعب إلى التغيير واستجابت له الحكومة بتغييرات هائلة وخطط مستقبلية لم يكن يتوقعها الكثير".غازي الحارثي: أصبح لدى الشباب السعودي مشروعهم الذي يحمل الكثير من آمالهم ومن هذا الواقع، استمدّ ظهور الأمير محمد بن سلمان، أولا كوزير للدفاع وولي لولي العهد، ثم وليا للعهد، أهميته، باعتباره قفزة كبيرة نحو الانتقال إلى العصر الذي يطمح شباب السعودية إلى العيش فيه. وفي مملكة نصف سكانها دون سن الخامسة والعشرين، بات ينظر إلى الأمير محمد (في العقد الثالث من عمره) على أنه الحاكم الفعلي، ولو من خلف الستار، للدولة الغنية التي تحتفل هذا الأسبوع بعيد تأسيسها الخامس والثمانين على يد جد ولي العهد الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود. واتخذ الأمير الثلاثيني منذ تعيينه في منصبه في يونيو الماضي إجراءات عديدة بهدف توسيع الآفاق الإصلاحية في السعودية. وكان الشباب ركيزة أساسية في هذا التوجه. البعض انتقد الخطوات الإصلاحية، خصوصا رجال الدين المتشددين والبعض من المحافظين، وأيضا الجهات الغربية التي امتهنت كتابة التقارير عن حقوق الإنسان في السعودية، دون فهم لخصوصية المجتمع السعودي، سياسيا واجتماعيا ودينيا. وبين أسطر القراءات المسيّسة لمثل هذه الخطوات والتغييرات هناك حقائق يغفلها كثيرون، فقصة الإصلاح والتغيير في السعودية لا ترتبط فقط بالتوجهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فهناك عامل آخر هو الذي يؤطر هذه السياسات وهو العامل الديموغرافي. وكانت دراسة صدرت عن وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، السنة الماضية، كشفت أن المجتمع السعودي وعكس ما هو متوقع يميل إلى الشيخوخة. وقالت الدراسة إن “شيخوخة متنامية في البلاد، وهذا ما قد يشكل عبئا على الإنفاق والدين الحكوميين خلال العقود الثلاثة المقبلة". وتوقعت الوكالة ارتفاع عدد السكان في السعودية من 32 مليون نسمة إلى 46 مليون نسمة بين العامين 2015 و2050، وخلال الفترة المحددة سترتفع نسبة المسنين من 3 بالمئة حاليا إلى 15 بالمئة من إجمالي عدد السكان، وأمام هذه التقديرات يصبح تمكين الشباب أمنا قوميا وعنصرا رئيسيا لضمان الاستقرار لا فقط خطوة إصلاحية تنوه بها التقارير الحقوقية. شيء ما يحصل صنّف المنتقدون إجراءات من قبيل البرنامج الوطني 2020 ورؤية السعودية 2030، وإطلاق هيئة للترفيه ورفع نسبة مشاركة النساء في سوق العمل، وغير ذلك من مظاهر التغيير في المجتمع السعودي الحذر عادة في مثل هذه المسائل، في خانة أن "الأمير سلمان يعد الأرضية قبيل تسلمه مقاليد الحكم خلفا للملك سلمان بن عبدالعزيز". لكن، لا تهتم الشريحة الأكبر من المجتمع الشاب لمثل هذه التأويلات، فيما تتطلع قدما نحو تحقيق رؤية السعودية 2030 والمساهمة في تحويلها إلى واقع رغم أن الطريق إلى ذلك لن يكون سهلا.أغلب الشباب السعودي حاصل على تعليم عال. لم يعد الشاب السعودي ينتظر حتى يسافر لينفتح على العالم ويعيش كما يعيش غيره من الشباب وتقول جين كينيمونت الباحثة في معهد تشاتم هاوس البريطاني إن “سنه الشاب، ونزعته إلى اعتماد سلطة مركزية، وتغييراته السريعة في السياسة الخارجية، أزعجت بعض أفراد العائلة الحاكمة الأكبر سنا، بينما أن إجراءاته الاقتصادية أغضبت بعض التجار”، لكنها ترى أن بناء قاعدة تأييد شابة “قد يعوض” الأمير محمد عن غياب مؤيدين مؤثرين آخرين لطالما اعتمد عليهم الحكام السابقون. وتقول سمية فياض، وهي مساعدة في أحد أبرز الأسواق التجارية في الرياض، في تقرير نشرته صحيفة الغارديان عن الإصلاحات في السعودية، “شيء ما بالتأكيد يحصل هنا. يبدو الأمر مختلفا. لم أعد أشعر بأنني مقيدة. ثمة تقدم في الحريات الشخصية”. ورسّخ الأمير محمد بن سلمان هذه الصورة حين حضر مباراة لكرة القدم بين منتخبي المملكة السعودية واليابان هذا الشهر وأدت نتيجة فوز منتخب بلاده فيها إلى تأهل المملكة إلى بطولة كأس العالم المقبلة في روسيا عام 2018، للمرة الأولى من مونديال العام 2006. صفق الأمير الشاب طويلا من خلف الزجاج المضاد للرصاص ما إن أعلن الحكم عن نهاية المباراة بفوز السعودية بنتيجة واحد لصفر، في ملعب الجوهرة المشعة في جدة. وأمام عشرات الآلاف من محبي كرة القدم الذين حمل بعضهم صورة الأمير ووالده الملك سلمان، رفع ولي العهد شارة النصر، مبتسما للاعبين والجمهور. وقالت كريتسين ديوان الباحثة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، في تصريح لوكالة فرانس برس، إن هذه الصورة “تعكس وجهين رئيسيين من أوجه حكمه: استقطابه للجيل الشاب، ودعوته إلى تعزيز الشعور الوطني". ويؤكد على ذلك الإعلامي السعودي عوض الفياض، مشيرا في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “الأمير محمد بن سلمان يدير أكبر عملية إصلاح اقتصادي وإداري تشهدها المملكة منذ عقود. وهناك حزمة من الإجراءات المتشددة لتغيير الوضع القائم".عوض الفياض: جعجعة المنظمات الحقوقية الدولية لم تعد تقلق السعوديين ويضيف الفياض أن "استقطاب الدماء الجديدة إلى الحكومة أمر ضروري للوفاء بخطة طموحة تحتاج طاقات جديدة ومنفتحة. الأمراء الشباب توجه يعكس رغبة الحكومة السعودية بالتجانس لتنفيذ الإصلاحات". ويقول غازي الحارثي إن "فئة كبيرة داخل المجتمع السعودي تطمح إلى تغيير استراتيجي داخلي لا يستثني أي مجال من المجالات الخدمية والتنموية. وهذا التغيير بدأ العمل عليه بطريقة مؤسسية هائلة تليق بإحدى دول مجموعة العشرين من خلال التحول الوطني ورؤية السعودية 2030”. ويضيف أنه “بالرغم من وجود نسبة من التخوف في الداخل حول مدى نجاح هذه الخطوات الإصلاحية وتأثيراتها، إلا أن الجميع بلا استثناء يقرّ بأهمية هذا التحول خصوصا أن أكثر من 70 بالمئة من المواطنين في نفس السن أو أصغر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لذلك أصبحت كل الآمال الشابة تتعلق به”. ويؤكد الفياض أن جعجعة المنظمات الحقوقية الدولية لم تعد تعني السعوديين كثيرا، لأنها استهدفت السعودية طويلا، مشيرا إلى أن الشارع السعودي مطمئن للقادم ومتفائل جدا، وبانت له مؤخرا كيفية ازدواجية هذه المنظمات التي تسارع فقط لتغطية ما يثير القلق، ووفق رؤيتها هي، لا وفق الدوافع والأسباب. من ذلك ما حدث مؤخرا على خلفية إيقاف عدد من الدعاة الحركيين، فأغلب هذه المنظمات سارعت إلى اعتبار الأمر “حملة منسقة ضد حرية التعبير”، وملأت الدنيا صخبا في هذا السياق، وقد غضت النظر عن أن القرار هو أمني بالأساس. ويؤكد الفياض أن “سلطات أمن الدولة في السعودية أوقفت عددا من الدعاة الحركيين وبعض الشخصيات على خلفية قضية تمس الأمن الوطني. وتشير تسريبات إلى أن الموقوفين ضالعون في قضايا تخابر مع جهات أجنبية، وتلقي أموال ضخمة من دولة جارة لتنفيذ سياساتها التحريضية ضد حكومة المملكة”. ويضيف أن “الإيقاف لم يكن مستغربا من الشارع السعودي، بل كان متوقعا، حيث تمر السعودية والمنطقة بمرحلة حساسة سياسيا وأمنيا ولا يمكن التسامح مع أي جهة يمكن أن تستهدف أمن البلاد في ظل هذا الظرف". ويدعم ما سبق غازي الحارثي، مشيرا بدوره إلى أن “الاعتقالات في السعودية ترتكز على أنظمة القضاء السعودي والنيابة العامة التي كشفت عن خطط استخباراتية كان البعض منها قد كُشف إبان الأزمة مع قطر في 2014 لكن تم تجاوزها بعد اتفاق الرياض الشهير، كما أن الكثير ممن روّج لاعتقالهم لم يُعتقلوا فعلا ولكن خضعوا لاستجوابات رسمية".سعي الأمير محمد بن سلمان لاستقطاب الجيل الشاب في وقت تمر المملكة بفترة انتقالية في مرحلة ما بعد النفط، يمثل فراقا مع الماضي تغيير في السعودية في استطلاع أجرته مؤسسة “أصداء بيرسون – مارستيلر” البحثية حول آراء الشباب بشأن حكومات بلدانهم وإن كانوا يعتقدون بأنها تنتهج السياسات المناسبة لمعالجة القضايا الأكثر أهمية بالنسبة إليهم، اعتبر 92 بالمئة من الشباب الذين تم استجوابهم أن حكومة بلادهم تعالج التحديات التي يواجهها الشباب. وترصد “أصداء بيرسون – مارستيلر” استفاقة بلدان المنطقة على الواقع الجديد وإعداد اقتصاداتها أخيرا للمستقبل؛ ففي السعودية مثلا، بدأنا نشهد صعود الأجيال الشابة بشكل أكبر إلى مواقع المسؤولية في الحكومة. ويرى محللون أن سعي الأمير محمد لاستقطاب الجيل الشاب في وقت تمر المملكة بفترة انتقالية في مرحلة ما بعد النفط، يمثل فراقا مع الماضي حين لجأ الحكام السابقون للاعتماد على الأجيال الأكبر سنا. ويتجلى ذلك من خلال إدخال الأمراء الشبان إلى دائرة الحكم وتعيين نواب وزراء شباب في العديد من الوزارات المهمة، وسفراء شبان أيضا. ومن بين هؤلاء السفير في الولايات المتحدة الأمير العشريني خالد بن سلمان، شقيق الأمير محمد، الذي يقود البعثة الدبلوماسية في أهم سفارات المملكة في العالم. ويؤكد غازي الحارثي أن “مثل هذه التغييرات لا تشكل بالنسبة لغالبية الشعب السعودي أهمية من ناحية الأسماء بقدر ما يطمح السعوديون مع كل تغيير لأن يكون ذلك دافعا لتطوير البلد ودفع عجلة التنمية”، ولا يمكن أن تتحقق هذه التنمية دون تفعيل دور الشباب وإدماجهم في الحياة العملية لاكتساب الخبرة وليكونوا خير خلف عند المرور نحو المراحل الأكثر حسما من التغيير، فوقف الارتهان للنفط وتطوير القدرات الصناعية للمملكة وتعزيز الاستثمارات الخارجية فيها بهدف خلق فرص عمل جديدة في القطاع الخاص للجيل الشاب، لن تتم دون تعقيدات وفي هدوء، فالتغيير يحدث في المملكة العربية السعودية.
مشاركة :