حرية الصمت - مقالات

  • 9/21/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أمتنا العربية لديها إبداعات لم تصل إليها أمة قبلها قط... لنبدأ القصة. كان الكواكبي المُصلح العربي صاحب كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» والذي ولد في حلب عام 1855 ميلادية، كان قد أمضى سنين حياته مُصْلِحاً وداعياً إلى نهوض وتقدم الأمة. كما سعى إلى محاربة الاستبداد وطالب بالحريات والمشاركة في القرارات ومقاومة الطغاة، وهو الأمر الذي ربما ضاق به السلطان العثماني في تلك الفترة التي شهدت انحدار حكم الخلافة. لكن الكواكبي لم يُعتقل ولم يختفي، ويُقال إنه مات مسموماً ولكن من دون دليل. كان، رحمه الله، يُقاوم التخلف بيده ويتحرك من أجل الإصلاح مهتديا بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده». ولماّ توفي الكواكبي نعاه حافظ ابراهيم من دون خوف من اعتقال أو ملاحقة سياسية قائلاً: هُنا رَجُلُ الدُنيا مَهبِطُ التُقى هُنا خَيرُ مَظلومٍ هُنا خَيرُ كاتِبِ قِفوا وَاِقرَؤوا أُمَّ الكِتابِ وَسَلِّموا عَلَيهِ فَهَذا القَبرُ قَبرُ الكَواكِبي ثم انتهى الحكم العثماني وأتى حكم الأجنبي، وبدأ الاستعمار الذي منع كل محاولات التغيير باليد ما جعل المصلحون يتحركون بالكلمة ويصدعون بالقول من أجل الحرية، فألّفوا الكتب ونشروا المنشورات وقادوا الجماهير وهم يصرخون بألسنتهم من أجل الحرية اتباعاً أيضاً لتكملة الحديث الشريف عن التغيير «فمن لم يستطع فبلسانه». ثم جاءت مرحلة الحكم الوطني بشقيه العسكري والمدني، فخيّمت علينا سحابة القهر وأصبح المصلحون يُحاسبون على الكلمة ومنهم من أُعدم ومنهم من عُذِّب بشتى فنون التعذيب، فصمت الكثير من المصلحين وتمسكوا بأضعف الإيمان اتباعاً لتتمة الحديث الشريف حول درجات التغيير «فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعفُ الإيمان». اليوم في عالمنا العربي، نمر بمرحلة لم يذكرها الحديث الشريف. فالمصلحون يُحاسبون اليوم على الصمت، فإذا أوقفت جوارحك كي لا تحتج وأمسكت لسانك كي لا ينطق ولم تبُح عيناك بمشاعر الغضب والتزمْتَ الصمت فأنت معارض وربما يتم سَجْنُك أو نَفْيُك، والسبب أن الصمت وسُكون الجوارح أصبحتا أداتا اعتراض، حتى أضعفُ الإيمان لم يعد مسموح به. نحن نعيش اليوم في زمن المطالبة بحرية الصمت، حرية الصمت التي لم يكتبها التاريخ في صفحاته. ألم أقل لكم أن أمتنا العربية لديها إبداعات لم تعرفها الإنسانية من قبل. kalsalehdr@hotmail.com

مشاركة :