حوار: أحمد مصطفى الغر 2017/09/21 يُقال: إن الفرق بين الإنسان العادي والإنسان الفنان، أن الثاني يشعر بوجود عوالم أخرى غير منظورة من وراء هذا العالم المنظور، والمصور الفوتوغرافي هو شخص مبدع وفنان بطبعه، ويبرز هذا جلياً في لقطاته المبهرة.. المصور الفرنسي الشهير «إريك لافورج» كان مفتوناً بالسفر واستكشاف البلدان البعيدة منذ صغره، فقضى جزءاً كبيراً من وقته في القارة الإفريقية ومنطقة شبه الجزيرة العربية، يستكشف أغوارها وعادات أهلها وتقاليدهم، زار جيبوتي وإثيوبيا واليمن. في عام 2006م، بدأت صوره المبهرة تغزو المجلات والصحف من جميع أنحاء العالم مثل مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» الشهيرة، فأصبح ذائع الصيت وصار اسمه معروفاً، وخلال مسيرته البحثية عن جمال البلدان وتراثها.. قضى - مؤخراً - 15 يوماً في المملكة، تمكن خلالها من التقاط مجموعة من الصور الاحترافية البديعة. مجلة (اليمامة) التقت بالمصور الفنان «إريك لافورج»، ودخلت إلى عالمه السحري. زيارته لمملكة الكرم خمسة عشر يوماً، كانت مدة الزيارة التي قام بها «لافورج» للمملكة، وخلالها تمكن من تصوير مجموعة من المعالم السياحية بالمملكة بصورة احترافية، كما ركز على إظهار بعض العادات والتقاليد السعودية.. يقول عن تلك الرحلة: «في البداية كنت أظن أنه من المستحيل على شخص مسيحي أن يأتي إلى المملكة العربية السعودية، قرأت الكثير عن المملكة في المجلات القديمة، ومن خلال شبكة الإنترنت كان لدي فرصة جيدة للتعرف أكثر على البحر الأحمر ومدينة جدة الساحرة، لكن الحلم الذي بدا مستحيلاً في أحد الأوقات فجأة وجدته يتحقق!، لقد جئت إلى السعودية!، كانت زيارتي لمنطقة عسير نبأ عظيماً بالنسبة لي، لقد أحببت المملكة، وكلما زرت مكاناً فيها كانت تدهشني أكثر، لم يكن هناك الكثير من السياح..وقد أكون أنانياً إن قلت إن هذا أعطاني فرصة أفضل لالتقاط صور فريدة، لكني متأكد أن الناس يغفلون عن تلك الأماكن المدهشة». وعن أهم تلك الأماكن التي جذبت انتباهه بالمملكة، يقول: «مدائن صالح، مكان لا يصدق!، هذا الموقع الأثري القابع في شمال غرب المملكة، لكن المكان المفضل بالنسبة لي هو جدة التاريخية، مبانيها الأثرية والتراثية، ومساجدها القديمة مع الشرفات الخشبية، إحساس غامض كأنك تسير في إحدى حقب الماضي، كما أسعدتني الجولات السياحية في صمت الصحراء، أيضاً أحببت الجو العام السائد في الأسواق، بعض الناس كانوا يأتون للتحدث معي، لمست من خلال الاختلاط بالناس بعضاً من التقاليد المحلية، الكثير من السعوديين، في يوم الجمعة أو خلال العطلات لديهم يذهبون إلى منازلهم القديمة، ويسعدون باستقبال الأجانب، وتعريفهم بالتراث الثقافي لبلدهم، كانت الضيافة كريمة جداً، حيث الكثير من القهوة والتمر، والكثير من الدعوات المتكررة لتناول الطعام!»، ويضيف: «لقد لمست مدى حرص السلطات السعودية على حماية الماضي وتراثه، فالمملكة العربية السعودية لديها الماضي الحقيقي، وليست مثل بعض البلدان الجديدة حيث الحضارة الوهمية». سفير الصورة! يعدّ «إريك لافورج» أحد أشهر المصورين الذين تمكنوا من التقاط صور عن أماكن قد تبدو عوالم مجهولة لباقي سكان الأرض، وبلدان غير مسموح بالسفر إليها أو ربما تكون زيارتها مغامرة محفوفة بالأخطار، مثل كوريا الشمالية وبعض المناطق النائية في الصومال وإثيوبيا وغينيا الجديدة، حيث يوثق بحميمية ودية كل ما تقع عليه عينه من حضارات وبشر، فيتحدى أفكارنا المسبقة عن ثقافتهم وحياتهم. يخبرنا «لافورج» عن كونه سفيراً للصورة حول العالم، لقد سافرت إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق، هناك تمكنت من تصوير اللاجئين السوريين الذين سكنوا المخيمات، عقب قصف منازلهم في سوريا، ما اضطرهم للخروج منها، كنت أركز أكثر على تصوير العيون الملونة الحزينة التي كانت كالنافذة على آلام ومعاناة هؤلاء اللاجئين، كما قمت برحلة أخرى إلى العراق، حيث قمت بتصوير الشعب الإيزيدي، الذي تعرض عديد منهم للهجوم والتهجير من قبل مسلحي داعش، كما هو معروف فإن الصورة تعبر أكثر بكثير من مئات الكلمات، وجوه هؤلاء اللاجئين كانت كافية للتواصل أكثر بكثير من أي نص يمكن كتابته عنهم، الصور تكفينا كي نرى خسائر الصراع على المدنيين، إنه دليل ملموس على فظائع الحرب». «كوريا الشمالية» التي لا تُنْسَى! عن وجهته المفضلة للتصوير يخبرنا: «مكاني المفضل على هذا الكوكب هي دولة كوريا الشمالية، التي قمت بزيارتها 6 مرات، وللأسف لم يُسمح لي بزيارتها مرة أخرى، لأن السلطات الحاكمة هناك أرادوا مني أن أحذف بعض صوري التي أظهرت الفقر في البلاد، لكنني رفضت!، رفضت أن أخفي الحقيقة عن العالم، صوري التي التقطتها هناك هي الأكثر شهرة عن كوريا الشمالية، السلطة هناك تذمرت من كوني قد التقطت لحظات غير مخطط لها: الجنود وهم في وضع الاسترخاء أو حتى وهم نائمون على العشب من شدة التعب، وهي أمور عادية في معظم البلدان!». ويضيف: «الآن، إثيوبيا هي واحدة من الوجهات المفضلة لدي، جنباً إلى جنب مع كينيا، كما أن هناك الكثير من التنوع في تلك البلدان، سواء من ناحية السكان ودياناتهم المختلفة، أو الطبيعة الجغرافية من صحارى إلى تلال، إلى أنهار وبحيرات، أيضاً أنغولا لديها الكثير الذي تقدمه للمصورين، سواء مبانيها في آرت ديكو أو القبائل التي لا تصدق، كما زرت عدة دول عربية.. وقد بهرتني، مثل الإمارات والسودان ولبنان والعراق وسوريا واليمن، أنا أحاول دائماً أن أبحث عن القصص وراء الصور، فالأمر ليس مجرد صور عابرة، بل صور تحمل بين طياتها حكايات، من المحبط جداً القراءة عن الأشياء والأماكن التي رأيت، معظم ما هو مكتوب لا يوفيها حقها، الصور وحدها يمكنها أن تعوض هذا النقص، ومن خلال عملي للمجلات، كنت أحاول دائماً أن أرصد قصة يمكن أن تكون مثيرة للاهتمام للجميع، من القراء في الصين لأولئك في الولايات المتحدة». (30 ثانية) تكفي! وعن طبيعة سير العمل الفوتوغرافي الخاص به، والتكنيك الذي يتبعه لالتقاط صورة مبهرة، يقول: «الضغط على زر الكاميرا أشبه بالضغط على الزناد، أنا ألتقط عديداً من الصور، لكن السر الحقيقي يكمن في العمل التالي لعملية التصوير نفسها، فهذا هو المفتاح!، في غرفتي.. أجلس أمام الصور، أتعامل مع السواد الموجود بالصورة، أحاول أن أقلص منه في الأماكن التي قد يتكثف فيها، أحاول إصلاح الأجزاء التي قد تبدو كما لو أن قد أُحرِقَت، لا يجب أن تنفق وقتاً لتحرير صورة أطول من الوقت الذي أخذته لإلتقاطها، من خلال تجربتي، فهذا يعني عادة أن الصورة الملتقطة لم تكن جيدة بما فيه الكفاية، لكن حتى بعد الانتهاء من كل ذلك، لا يزال هناك الكثير للقيام به، مثل إضافة الكلمات الرئيسية، والتسميات التوضيحية، وما إلى ذلك من أمور، وقد تستغرق وقتاً طويلاً جداً، ولكن من دون هذه الأمور المملة، لن يكون هناك أمل في بيع تلك الصور أو إيجاد من يقتنيها من مجلات أو أفراد!، وقد ينتهي الحال بالصورة في صندوق الأحذية تحت السرير الخاص بك». على الرغم من أن صوره التي التقطها للأماكن الطبيعية والسياحية تحظى بنصيب كبير من الشهرة والرواج، إلا أنه يفضل إلتقاط الصور للبشر، خاصة الوجوه، يقول: «لدي صعوبة في الحديث مع المناظر الطبيعية، والأشجار، أو حتى القطط!»، ويتابع: «أسلوبي ليس أكاديمياً، فأنا منذ بداية دخولي إلى عالم التصوير.. لم أحضر أية دورات أكاديمية أو أقرأ أي كتب على التصوير الفوتوغرافي، في كثير من الأحيان يوجه المصورون الطموحون لي أسئلة تقنية.. لكني لا أستطيع الإجابة عنها حقاً، ولا أخجل من أقول إنني لا أعرف الإجابة، بالنسبة لي جميع الكاميرات لديها الوظائف نفسها، فقط كيف نستخدمها حقاً، هذا هو ما يميزنا كفنانين». يُقال إن المصور ليس مهمته نسخ الواقع ليكون مطابقاً للأصل، وإنما مهمته تحفيز الناظر وسبر ثقافته لإيجاد صلات ووشائج بين الصورة والواقع، تلك الصلات تستفز عين المشاهد كي يستخرج مكامن غير مرئية للوهلة الأولى لو نظر إليها في الطبيعة، يقول لافورج إنه وبرغم كل الخبرة التي اكتسبها «لا يزال لدي شعور من القلق عند تصوير شخص ما، لأنني أعلم أنه في أي لحظة قد تكون تلك الصورة أمراً مزعجاً له، ففي الدول النامية، حيث الناس يعملون لساعات طويلة من أجل البقاء على قيد الحياة، بعضهم ينزعج بشكل مفهوم عندما أريد أن يقطع عمله ويتوقف عن أدائه كي ألتقط له صورة، لذا فإنني أعمل بسرعة جداً، عادة لا يستغرق التقاطي للصورة أكثر من 30 ثانية». أحلم بالزيارة الثانية! يقضي «لافورج» معظم وقته حالياً في السفر إلى العالم لالتقاط الصور وتبادل اللقاءات، يؤمن بأن «الصور هي الشهادات الوحيدة على لحظات قد عاصرتها، بدون الصور فالأمر قابل للنسيان والضياع بسهولة جداً»، وفي ختام اللقاء.. أخبرني «لافورج» أنه ينتظر أن تسمح له الظروف أن يزور المملكة العربية السعودية مرة أخرى، ليلتقط مزيداً من الصور فيها، ويستكشف مزيداً من دررها المجهولة.
مشاركة :