إبراهيم الملا (الشارقة) تواصلت مساء أمس الأول بمعهد الشارقة للتراث، الندوات العلمية المبرمجة ضمن فعاليات الدورة الـ17 من ملتقى الشارقة الدولي للراوي، لإثراء النقاش والبحوث المتعلقة بالثيمة الرئيسة للملتقى، وهي: «السير والملاحم»، والتي تعد من أهم الروافد الثقافية للشعوب، فهي توفر خزيناً لا ينضب من القصص والأحداث والروايات كنوع من التوصيف السردي المتراكم عبر العصور، والذي تم نقله للأجيال اللاحقة، لتتحول هذه السير والملاحم في النهاية إلى ركائز للهوية، وصوت للمزاج الشعبي، ومثال ملهم للشعراء والروائيين والفنانين. ففي جلسة بعنوان: «ملحمة جلجامش، العود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية في بلاد ما بين النهرين»، تحدث الدكتور خزعل الماجدي عن ملحمة جلجامش، من خلال منظور تأويلي جديد يحاول قراءة الملحمة، انطلاقاً من فكرة مغايرة لفكرة (البحث عن عشبة الخلود)، معتمداً على طريقين جديدين ومتلازمين هما: (العود الأبدي) و(صراع العقائد الشمسية والقمرية) في الأديان القديمة بشكل عام، وفي وادي الرافدين بشكل خاص، وقال: «تختلف نظرية العود الأبدي في الزمان بين الأسطورة والملحمة، فبينما تختزن الأسطورة زماناً دورياً لانهائياً، هو الذي يسيّر الكون، وهو تكرار أبدي للزمن، فإن الملحمة تختزن زماناً دورياً واحداً نهائياً». وأوضح الماجدي أن ملحمة جلجامش هي رحلة في الزمان، والمكان، ويمكننا تتبع مراحلها زمانياً، فهي دورة زمانية واحدة، تتكون من أربعة أدوار متتابعة، يمكننا أن نسميها (الربيع، الصيف، الخريف، الشتاء) وهي تقابل العصور(الذهبي، الفضي، النحاسي، البرونزي) وفيها يحصل العود الأبدي. في الدور الأول (الذهبي/الربيع) يبدأ الصعود الشمسي للبطل جلجامش، فهو من سلالة شمسية، وإله الشمس يرعاه ويأخذ بيده، ويتصاعد الدور الشمسي عندما ينتصر جلجامش على إنكيدو، ثم يصل الصعود الشمسي ذروته في الدور الثاني (الفضي/الصيف) بموت إنكيدو (قمري). وقال الماجدي: «يمثل هذان الدوران، طريق المبدأ في دائرة العود الأبدي، فهو عبارة عن نصف دائرة شمسية توالت فيها ضربات الشمس على القمر، حتى بلغت ذروتها في صعود الشمس/جلجامش إلى ذروة السماء». في الدور الثالث (النحاسي/الخريفي) ينحدر الزمان نحو قوس المعاد، ويبدأ جلجامش بفقد صفاته الشمسية، وبالتقهقر والعودة بالزمن إلى الماضي، ليصل إلى الدور الأخير (الحديدي/الشتاء) حيث يلتقي ببطل الطوفان (أوتونابشتم) وزوجته، ثم يتقهقر أكثر ويصل إلى زمان الخليقة الأول، فيلاقي الأفعى (رمز الآلهة الأم) ويعود إلى أول نقطة في الزمان، وهذا القوس الثاني يسمى طريق المعاد، وبذلك تكتمل دورة العود الأبدي الذي كان في الزمان.
مشاركة :