من خصائص الشاعر أثناء معايشته للتجربة الشعرية أنه ينفعل، ويحس بالمشاعر وهذا يميزه عن الفيلسوف الذي يبني التجربة الفلسفية بواسطة الحدس والحساسية والمخيلة والتخطيطية والمنطق.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/09/29، العدد: 10766، ص(15)] توجد في النقد الأدبي بعض المحاولات الراصدة لعلاقة الشعر بالفكر بشكل عام وبالفلسفة بصورة خاصة، ويبدو واضحا أن كثيرا من هذه المحاولات متأثرة بنظريات إليوت، وفي مقدمة ذلك تأثر الشاعر أدونيس بها إلى حدّ النقل الحرفي لأفكاره ويظهر ذلك في مقالة له تضمنها كتابه “زمن الشعر”. ففي مقالته الشهيرة “التراث والموهبة الفردية” يؤكد الشاعر والناقد الشهير إليوت أن الحسّ التاريخي ضروري لأيّ شاعر يرغب في أن يظل شاعرا بعد الخامسة والعشرين من عمره وأن ذلك يستلزم في رأيه “بصيرة لا تقتصر في إدراكها على المنطوي من الزمن الماضي، وإنما تدرك كذلك استمرار وجوده في الحاضر”. يعتبر إليوت أن “هذا الحسّ التاريخي بما هو محدود من الزمان وما لا حدود له، أوكلاهما معا أيضا، هو ما يجعل الشاعر تقليديا، وهو الذي يجعله في الوقت نفسه أدق وعيا لمكانه في الزمان ولصلته بأبناء عصره”. على أساس ما تقدّم ينبغي أن نفهم أن التاريخ، في نظر إليوت، يتسع فضاؤه ليحضن الزمانية في العالم والتاريخ والطبيعة. ويعني هذا أيضا أن الشاعر والفيلسوف معنِيان بالتاريخ وبالفكرة، ولكن لكل منهما مقاربة مختلفة ينفرد بها. فالفكر عند الفيلسوف هو غاية، أما الفكر عند الشاعر فهو “وسيط تتمكن به مشاعر خاصة أو متنوعة من أن تدخل حرة في تراكيب جديدة “، كما يعتقد إليوت بحصافة. وفقا لهذا فإن “ما يبدأ به الشاعر هو مشاعره”، ولكنه لا يبقيها تدور في دائرة الانفعال، وإنما يعمل من أجل “تحويل هذه المشاعر إلى ما هو عام وغير شخصي”، وبذلك فقط يكون هذا الشاعر “بتعبيره عن ذاته قد عبر عن عصره كله”. فالفيلسوف يفكر بالفكر في حين أن الشاعر “يستطيع أن يعبر عن المعادل الموضوعي لمادة الفكر من غير أن يكون ملزما بتركيز اهتمامه على الفكر نفسه”. فالشاعر وفقا لناقد وشاعر أميركي آخر وهو أرشبالد ماكليش صاحب كتاب الشعر والتجربة الذي ترجمته إلى العربية الشاعرة سلمى الخضراء الجيوسي، هو مثل الصياد الماهر في المحيط الأطلسي الذي يرمي بالشبكة في الهواء لتأخذ شكلا ملائما، ثم يسقطها برهافة، وعلى نحو هندسي، على مساحة الماء (التي تشبه إحدى زوايا الحياة)، ومن ثم يقوم بتأمل تلك الشبكة والآفاق البعيدة معا بانتظار ما سوف يعلق بها. لا شك أن من خصائص الشاعر أثناء معايشته للتجربة الشعرية أنه ينفعل، ويحس بالمشاعر وهذا يميزه عن الفيلسوف الذي يبني التجربة الفلسفية بواسطة الحدس والحساسية والمخيلة والتخطيطية والمنطق. فالشاعر الناضج في عرف إليوت يضع الفكرة في الانفعال على نحو تكون الفكرة محايثة له، وفي هذا الخصوص يقول ألبير كامو إن الأثر الفني يولد “من عزوف الذهن عن تعقل المحسوس”. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :