في الحقيقة فإن اللوم ينبغي أن يوجه أيضا إلى اتحاد الكتاب الجزائريين الذي لم يثر قضية تجاهل الشعر الحر من طرف المؤسسات التعليمية الرسمية ولم يفتح حوارا مع المسؤولين.العرب أزراج عمر [نُشر في 2017/05/12، العدد: 10630، ص(15)] في أوائل فترة السبعينات من القرن الماضي شهد شعر التفعلية بروزا استثنائيا في المشهد الأدبي الجزائري إلى حد أدى ببعض شعراء القصيدة التقليدية إلى رفض شعراء التفعيلة وشعرهم بحجة أنهم يهدمون التراث ويهدّدون أصالة الشعر العربي. في تلك الفترة الزمنية قمنا بخوض معارك أدبية كثيرة على مستوى الصحف والمجلات مع أولئك الشعراء التقليديين ومع النقاد والدارسين الذين يقفون إلى جانبهم ضد ذلك المنعرج الجديد في القصيدة الشعرية العربية. في إحدى مناظراتنا الشفوية معهم، حول التجديد الشعري بالمقهى الأدبي المعروف حينذاك بمقهى اللوتس بمركز الجزائر العاصمة، قال لنا ناقد تقليدي بكثير من الصلافة والعنجهية “إذا كان شعركم التفعيلي يدخل حقّا في نطاق تحديث الشعر العربي فلماذا لا يعرفكم القراء ولا يدرّس شعركم إذن في المدارس والمعاهد والثانويات مثلما يدرس الشعر التقليدي الملتزم ؟”. في تلك اللحظات بالذات قام شاعران جزائريان تفعيليان بردّ فعل فوري تمثل في مغادرة المكان والانطلاق في إجراء عملية سبر للآراء في شارع ديدوش مراد الرئيسي بالعاصمة الجزائرية على مدى أمسية كاملة. وتمت العملية في شكل طرح سؤال واحد على المواطنين والمواطنات المتجولين والمتجولات في ذلك الشارع وهو “من هم الشعراء الجزائريون الذين قرأتم لهم أو سمعتم بهم؟”، بعد عودة الزميلين الشاعرين من تلك المهمة اعترفا لنا في اليوم التالي بأن أجوبة المواطنين والمواطنات الذين تحدثوا إليهم وسبروا آراءهم كانت مخيبة للآمال حيث لا أحد منهم ذكر اسم شاعر واحد من الشعراء التفعيليين الجزائريين أو أحدا من أولئك الذين كانوا يكتبون، في ذلك الوقت، ما كان ولا يزال يصطلح عليه بقصيدة النثر. لقد قالا لنا بأن هؤلاء المارّة قد اكتفوا بترديد أسماء الأمير عبدالقادر، وابن باديس، ومفدي زكريا، ومحمد العيد الخليفة، وغيرهم من الشعراء الجزائريين التقليديين فقط. هذا الوضع القديم لا يزال قائما في المشهد الشعري الجزائري إلى يومنا هذا، الأمر الذي جعل شعراء التفعيلة الجزائريين مجهولين ولا تعرفهم حتى خالاتهم وعمّاتهم ناهيك عن الشرائح الشعبية وطلاب مدارسنا في الجزائر العميقة. لا شك أن أحد الأسباب وراء هذا الجهل الشعبي بالشعر التفعيلي وبشعرائه يعود أصلا إلى سيطرة المسؤولين التقليديين على المنظومة التعليمية، الذين يقررون النصوص التي تعلم في المؤسسات التعليمية بدءًا من الطور الابتدائي وانتهاءً بالطورين التكميلي والثانوي. وفي الحقيقة فإن اللوم ينبغي أن يوجه أيضا إلى اتحاد الكتاب الجزائريين الذي لم يثر قضية تجاهل الشعر الحر من طرف المؤسسات التعليمية الرسمية ولم يفتح حوارا مع المسؤولين بوزارة التعليم الابتدائي والثانوي للوصول إلى اتفاق يتم بمقتضاه القضاء على ظاهرة إقصاء الشعر التفعيلي من الكتب المدرسية المقررة. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :