في تقديري فإن العملية النقدية المكرسة للاتجاهات الشعرية تمثل بداية مهمة لوضع أسس جديدة لنقد الشعر في الثقافة العربية.العرب أزراج عمر [نُشر في 2018/02/09، العدد: 10895، ص(15)] من الواضح الآن أن الشعر العربي الحديث لم يعد له نقاد مثابرون وعضويون فما هو السبب يا ترى؟ من المعروف أن هذا الوضع السلبي يختلف تماما عما كان يبشر به مشروع نقد الشعر باعتباره إحدى ركائز التعبير في الثقافة بدءا من نهايات الأربعينات إلى غاية نهاية الثمانينات من القرن الماضي، حينما صدرت العشرات من الكتب والمجلات والملاحق الأدبية المكرسة للإنتاج الشعري العربي نشرا ومتابعة نقدية له. لقد شكَلت بدايات هذا المشروع ظاهرة إيجابية في حياتنا الثقافية وأسفرت عن انطلاق مرحلة بلورة الملامح التأسيسية الأولية والنوعية للقصيدة العربية العصرية. لا شكَ أن الشعر العربي الحديث لم يكتب منذ نشأته حتى يومنا هذا على أساس وصفة نقدية سابقة له ومفروضة عليه. إن الذي حدث هو تزامن وتضافر فعاليات نقادنا والشعراء الموهوبين، الأمر الذي ساهم فعليا في إكساب هذا الشعر قاعدة واسعة من القراء فضلا عن الحيلولة دون تفشي وباء الرداءة الشعرية قياسا بما يحدث الآن. لقد كان الاجتهاد النقدي للقصيدة العربية العصرية في الفترة المذكورة آنفا يحاول توطين المناهج والمفاهيم النقدية الأكثر تطورا في العالم وتأصيل أهم مفاهيم ومصطلحات الموروث النقدي الخاص بثقافتنا التراثية، وهكذا نتج عن هذا التفاعل الخصب بين التوطين والتأصيل موقف نقدي يركز أثناء ممارسة عمليات نقد القصيدة العربية على ما يسمى بالاتجاهات الشعرية المحورية التي تجمع تحت مظلتها مجموعة من الشعراء رغم تميز طرائق التعبير عندهم مثل الاتجاه الميتافيزيقي والاتجاه الحضاري والاتجاه القومي والاتجاه الرمزي والاتجاه الرومانسي وهلمَ جرا. إن النقد بهذا التوجه قد صار يكشف عن العناصر المشتركة بين تجارب شعراء الاتجاه الحضاري أو الميتافيزيقي مثلا، ولا يحصر مهمته فقط في إبراز المواهب الحقيقية وفي سبر مدى نجاح الشاعر أو ذاك في الكتابة اللغوية السليمة، وفي توظيف الاستعارة أو الكناية أو الأسطورة. وفي تقديري فإن العملية النقدية المكرسة للاتجاهات الشعرية تمثل بداية مهمة لوضع أسس جديدة لنقد الشعر في الثقافة العربية، وذلك بعد أن تمكن النقد العربي من افتتاح مرحلة يمكن أن نسميها “مرحلة التأسيس” بعد “تمثل النقد العربي القديم والإنجازات الغربية”، وذلك وفق استنتاج الناقد جبر عصفور أو الناقد التونسي عبدالسلام المسدي اللذين قال حوارهما مع الناقد غالي شكري إنَ “النقد تجدد في حقلنا العربي انطلاقا من إفادة مباشرة بعلوم مختلفة، وأهمها علوم اللغة الحديثة. وهذه الإفادة بما واكبها من مناهج وتيارات قد أقامت معادلة أولية بين منطوق الواقع العربي الحديث والتراث من حيث مضامينه الفكرية والحضارية ومستلهمات العصر ولا سيما في مواكبة الحداثة”. كاتب جزائريأزراج عمر
مشاركة :