إن مستقبل التنمية التي تقودها الصناعات التحويلية يؤكد أن المستقبل ليس كله سيئا وتصعب معالجته. ومع أن تقارير وسائل الإعلام عن تسريحات واسعة للعمال بسبب التشغيل الآلي تبدو مثيرة، فإنه قد يجري تضخيمها في البلدان النامية. وفي الحقيقة ــ كما يقول التقرير ـــ إن خطر التشغيل الآلي على وظائف اليوم قد يكون متواضعا نسبيا ويراوح بين 2 و8 في المائة في البلدان النامية. ويذهب التقرير إلى أن المجهول الأكبر هو وظائف "الغد" فمن ناحية، هناك خطر حقيقي أن تخسر البلدان من جراء الوظائف التي لم يتم قط توفيرها. ومن ناحية أخرى، قد تؤدي التكنولوجيا الجديدة إلى وظائف جديدة تماما لا يمكن التنبؤ بها اليوم. "ينبغي للبلدان أن تعالج مسألة تكاليف التغيير وتبعاته. بيد أنه لتحقيق التنمية، يجب إيلاء مزيد من الاهتمام لتهيئة الشركات والعمال للاستفادة من الفرص الجديدة. ويساعد هذا العمل على تحويل بؤرة التركيز على ما يجب عمله في هذه الأجندة المهمة". وعلى الرغم من ازدياد العوائق أمام البلدان لتصبح قادرة على المنافسة على الصعيد العالمي، فإنه توجد فرص سانحة أمام البلدان النامية. فإنتاج سلع مثل المنسوجات والملبوسات والأحذية ما زال نشاطا كثيفا لاستخدام الأيدي العاملة، ولم يصبح بعد معتمدا على كثير من التشغيل الآلي. وإثيوبيا مركز جديد لهذا النوع من إنتاج المنسوجات، ويجتذب استثمارات كبيرة من الصين، وأصبح مصدرا لإنتاج ملبوسات لأسماء تجارية أوروبية شهيرة مثل "إتش آند إم". وستظل الصناعات التحويلية القائمة على سلع أولية مثل الصناعات الغذائية، والأخشاب، والمنتجات الورقية، والمعادن الأساسية أيضا نقطة انطلاق للبلدان الأقل تقدما صناعيا. وتعد البرازيل أحد البلدان التي تفوقت في هذا المجال، إذ بلغت قيمة صادراتها 44.2 مليار دولار في عام 2016. وأخيرا، الخدمات، ومنها تلك التي تتصل بمؤسسات الأعمال مثل مراكز الاتصال والبيانات ـــ وتلك التي تتصل بالمنتجات المصنعة مثل التصميم والتسويق والتوزيع هي مجال آخر تستطيع البلدان النامية أن تستغل فيه الفرص المتاحة في المستقبل. واستطاعت الفلبين ـــ على سبيل المثال ـــ بفضل نجاحها في مراكز الاتصال أن تكتسب شهرة بوصفها مركزا لخدمات مؤسسات الأعمال الأجنبية، يعمل فيه مليون موظف، وتقدر قيمة صادراته بمبلغ 18 مليار دولار. فكيف يمكن للبلدان الاستعداد للتغيير؟ يقترح التقرير أجندة سياسات ترتكز على ثلاثة أبعاد: القدرة التنافسية وبناء الإمكانات وتعزيز الترابط. القدرة التنافسية: التحول من التركيز على الأجور المنخفضة إلى الاعتبارات الأوسع لبيئة ممارسة أنشطة الأعمال، وسيادة القانون، واستخدام التكنولوجيا لإتمام المعاملات المالية من أجل تطوير منظومة الشركات. بناء الإمكانات: تزويد العمال بمهارات جديدة، وبناء شركات أقوى، وتطوير البنية التحتية اللازمة لتبني التكنولوجيات الجديدة. تعزيز الترابط: تحسين الجوانب اللوجستية، وخفض القيود على تجارة السلع المصنعة، وخفض القيود على تجارة الخدمات. ستظل الصناعات التحويلية جزءا من استراتيجيات التنمية، لكن مساهمتها في النمو الشامل من المحتمل أن تتناقص عما كانت عليه فيما مضى. وقد أصبحت جدوى اجتذاب الإنتاج وتمكين الشركات المحلية من أن تستخدم التكنولوجيات الجديدة تنطوي على مزيد من التحديات. ومع سعي البلدان إلى التكيف مع البيئة الاقتصادية العالمية المتغيرة، أصبح تحقيق أهداف أجندة السياسات أمرا ملحا. وقال جوراف نيار الخبير الاقتصادي في قطاع الممارسات العالمية للتجارة والقدرة التنافسية والمؤلف الرئيس للتقرير "التغيير يوجد فائزين وخاسرين. ويجب على واضعي السياسات تحديد سبل ملموسة للبلدان النامية لتأهيل نفسها لمعالجة الاختلالات التي تسببها التكنولوجيا واستغلال مزايا العولمة. وقد يكون ثمن التقاعس عن التأهب والاستعداد لهذه المواجهة باهظا، ولا مدعاة للاستكانة والرضا بالوضع الراهن".author: أنابيل جونزاليز
مشاركة :