حشد جنكيزخان جاهزون لهدم أربيل عاجزون عن بناء البصرة بقلم: أسعد البصري

  • 10/1/2017
  • 00:00
  • 133
  • 0
  • 0
news-picture

تركيا وإيران قلقتان من طموح مسعود البارزاني ليس لأجل الخطر الكردي فقط ولكنه وجّه صفعة قوية لمشروعهما الإسلامي التوسعي الطائفي.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/10/01، العدد: 10768، ص(4)]أجواء مشحونة في تحرك سياسي مشترك بين إيران وتركيا أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الخميس الماضي خلال مقابلة أجراها في “مركز أبحاث الجمعية الآسيوية” بنيويورك أن بلاده مستعدة لقبول التفتيش وأيضا الرقابة المشددة على أنشطتها النووية. وفي نفس اليوم (الخميس) التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو وقدم له تنازلات في الشأن السوري وأكد أردوغان على تعاونه مع موسكو للوصول إلى حل للأزمة السورية. في يوم واحد كانت إيران تقدّم تنازلات متعلقة ببرنامجها النووي بنيويورك، بينما تركيا تقدم تنازلات في الشأن السوري بموسكو. كلا الدولتين عندهما مطلب واحد هو تقويض الطموح الكردي في العراق والذي يهدد أمنهما القومي بشكل خطير. فهناك أكثر من 15 مليون كردي تركي و6 ملايين كردي إيراني يحملون ذات الطموح القومي الذي تمثل كردستان العراق إلهاما له. في الحوار مع الصحافي الأميركي تشارلي روز قال ظريف “لقد سارعنا إلى دعم الأكراد في أربيل، وأتحدّى من يقول إنّ جهة غير إيران سارعت لوقف تقدم تنظيم داعش نحو أربيل”. ووصف الاستفتاء الكردي الأخير على الاستقلال بأنه “خطأ استراتيجي جسيم”. وذهب جواد ظريف إلى أبعد من تقديم تنازلات لأميركا بل سعى إلى التودّد للمملكة العربية السعودية والاعتراف بدورها الكبير في إدارة الشرق الأوسط وأن حكومته تطمح بأن تعترف المملكة بدور إيران وتأثيرها في المنطقة بالمقابل. من جهة أخرى، وفي تنسيق واضح مع إيران قال الرئيس التركي أردوغان من موسكو “إن استفتاء كردستان خطأ كبير وقد اتفقنا مع الرئيس بوتين على أهمية وحدة الأراضي العراقية”. وكان أردوغان قد هدد في خطاب ناري بتجويع أكراد العراق من خلال إغلاق أنبوب النفط والتبادل التجاري. وقال أردوغان إن الأكراد ليس عندهم أدنى فكرة عن عمل الدول وإن رفع علم إسرائيل في كردستان لن ينفعهم. فرضت الحكومة العراقية من جهتها منطقة حظر جوي على كردستان اعتبارا من مساء الجمعة. وأعلن مطار أربيل تعليق جميع الرحلات الدولية من المطار وإليه، اعتبارا من مساء الجمعة غداة قرار في هذا الصدد من الحكومة العراقية. بعد توريط السنة بالإرهاب وهدم مدنهم وتشريد شعبهم لم يبق أمام السيد الشيعي سوى الشريك الكردي واستشعر البارزاني ذلك الخطر وقفز إلى الأمام وقام بشيء خطير هو الاستفتاء على الاستقلال والانفصال. يعرف الأكراد بأنهم الضحية القادمة فهذه السلطة العراقية العميلة لإيران لن تتوقف وأعلنت سفارة الولايات المتحدة ببغداد تعاونها مع حظر الطيران إلى كردستان العراق ونصحت مواطنيها بالمغادرة عبر بغداد والانتباه إلى سلامتهم، كما ذكرت أن التأشيرات الممنوحة من حكومة كردستان ربما تحتاج إلى إعادة نظر من حكومة بغداد. يرى بعض المثقفين العراقيين أن الأكراد يمثلون 12 بالمئة من سكان العراق ويأخذون 17 بالمئة من الموازنة العامة. ويتساءل أحدهم أين موارد المنافذ الحدودية التي يبلغ عدد موظفيها 7000 بين مدني وعسكري يقبضون رواتبهم من الحكومة في بغداد؟ لماذا الموارد الجمركية تذهب إلى حكومة الإقليم دون سند قانوني؟ مع هذا فإن رئيس الوزراء حيدر العبادي سيدفع رواتب الموظفين في شمال العراق أثناء هذه الأزمة مع حكومة الإقليم بشكل طبيعي ولن تسعى الحكومة إلى عقاب المواطنين العاديين. إن الناس كانت تنظر إلى العبادي كبطل تحرير الموصل من داعش والآن ينظرون إليه كقائد ضعيف ضاعت في عهده كركوك واستولى عليها الأكراد بالقوة. لهذا السبب يبدو العبادي مصمما على استعادة كركوك والمعابر الحدودية في كردستان وعددها اثنان مع تركيا واثنان مع إيران إضافة إلى استعادة المطارات الدولية. وفِي ردّ على انتقادات الأكراد لحكومة بغداد الفاسدة والطائفية يقول الشيعة لماذا تحالف القادة الأكراد مع الأحزاب الطائفية الشيعية وشكلوا حكومات مشتركة معهم؟ حتى عام 2010 ترك القادة الأكراد إياد علاوي الفائز الشرعي بالانتخابات وهو علماني مدني وذهبوا ليشكلوا حكومة مع نوري المالكي الطائفي الإيراني؟ ويعتقد كثيرون أنها كانت صفقات سياسية غير نزيهة. وأكثر ما يردده منتقدو كردستان من العراقيين هو رفع العلم الإسرائيلي أثناء الاستفتاء الذي حدث قبل أيام وتمزيق العلم العراقي. في مقال قديم منشور بصحيفة المدى العراقية ذكر الكاتب العراقي فخري كريم أن نوري المالكي رئيس الوزراء السابق قد قال للرئيس العراقي الكردي بالحرف “إن على الإخوة في الإقليم ألا يضعوا المادة 140 شرطا في الاتفاقيات، لأنه ملزم دستوريا، ورغم أنف الجميع لا بد من تطبيقه، وسأفعل كل المطلوب لتحقيق ذلك في الولاية الثانية”. ثم استطرد المالكي “إنني لا أرى في استعادة المناطق المستقطعة من كردستان مصلحة لنا وفرضا علينا فحسب، بل أنا أقول صراحة وصدقا، إن علينا أن نعمل معا لامتداد إقليم كردستان ليضم محافظة نينوى لأن هؤلاء -ويعني بهم أهل الموصل الحدباء- هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سنّة و’قومجية عربان’، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا”. أعتقد أن كلام المالكي ينتمي إلى زمن كان فيه السنة أقوياء والحكومة تخشى منهم وتسعى إلى التآمر عليهم ولكن اليوم نرى المالكي يدعو في مؤتمر صحافي إلى الشدة والحزم وإنزال أقسى العقوبات الاقتصادية والسياسية بكردستان، خصوصا بعد تحدي البارزاني للسلطة الاتحادية والقيام باستفتاء ليس على المادة 140 في ضم كركوك إلى إقليم كردستان بل على شيء مخيف هو الانفصال والاستقلال بدولة كردية. أرعب هذا الأمر إيران وتركيا وجمع الحلفاء لتحطيم الحلم الكردي وقد يهدد مكتسبات الأكراد الحالية كسلطاتهم على المعابر الحدودية والمطارات وصفقاتهم مع الشركات الأجنبية وإغلاق القنصليات الأجنبية في الإقليم، والأهم من كل ذلك قد تهدد الأزمة الحالية القبضة الأمنية الناجحة للأكراد على إقليمهم. تركيا وإيران قلقتان من طموح مسعود البارزاني ليس لأجل الخطر الكردي فقط ولكنه وجّه صفعة قوية لمشروعهما الإسلامي التوسعي الطائفي. صار العراقيّ مجبرا على الحديث في الوطنية والعروبة. لقد انكشفت طبيعة الحكومة العراقية كتحالف إخواني تابع لأردوغان وشيعي تابع لإيران. والبارزاني رغم مشاكساته الانفصالية فهو يبدو القمر العراقي الوحيد في سماء الوطن. علي شامخاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني صرّح بأن خارطة الطريق التي تعمل عليها إيران حاليا مع حكومة بغداد تشمل عقوبات اقتصادية وحصارا لإقليم كردستان مع لقاءات موسعة مع القادة الأكراد لحملهم على التراجع عن ميولهم الانفصالية.شعر الأكراد أنهم يتقاسمون الوطن مع "أكلة لحوم البشر" يخشى الأكراد من مصير مشابه لسنة العراق بعد الانتهاء منهم، ففي تقرير هيومان رايتس ووتش ذكر أن العراق تكبد ثلاثة ملايين و400 ألف مهجّر موزعين على 63 دولة، و4 ملايين نازح داخل العراق، و1 مليون و700 ألف يعيشون في مخيمات مختلفة، و5 ملايين و600 ألف يتيم أعمارهم بين شهر و17 عاما إضافة إلى 2 مليون أرملة. ربما البارزاني يخاف على شعبه من حكومة ارتكبت كل هذه المجازر بحق شعبها. يخشى الأكراد من مطالب الحكومة الاتحادية بإدخال القوات المسلحة والمخابرات العراقية إلى الإقليم لأنهم قد يدخلون عليهم داعش وينسحبون وبعدها يعودون لهدم المدن والتحرش بالنازحات في المخيمات وربما الحشد الجنكيزخاني سيملأ طرقات كردستان بالأيتام ويحتفل بالنصر والدخان يتصاعد من مدينة أربيل. بل سيجبرون الأكراد على الرقص والفرح فوق بيوتهم المهدومة وأطفالهم المحترقين كما فعلوا بسنّة العراق. الدولة العراقية الحديثة هي في الحقيقة بنيان “سنّي عربي” التأسيس وقد تحالف الشيعة والأكراد على هدم الدولة القومية العراقية وتقاسم التركة. كلاهما كان بحاجة إلى وقت فالأكراد هدفهم الاستقلال هذا هو جوهر نضالهم الطويل والمحرك لكفاحهم “حق تقرير المصير” والباقي مجرد سياسة. الشيعة من جهة أخرى هدفهم مختلف وكانوا بحاجة إلى خبرة إدارية ودبلوماسية وعسكرية ومخابراتية. كانوا يريدون عرش بغداد لهم وحدهم. هكذا لعب الأكراد والشيعة لعبة الدستور والمحاصصة والديمقراطية والفساد وكلاهما في عام 2003 كان خائفا من عودة السيد السني للحكم. فقد بقيت عندهم خبرات عسكرية ومخابراتية ودبلوماسية وعلاقات قديمة من تاريخ الدولة العراقية إضافة إلى مهارتهم التاريخية في الانقلابات. تعاون الشيعة والأكراد على هدف واحد هو “اجتثاث البعث” وجعلوا الخوف من عودة البعث شبحا وهميا لكن الهدف الحقيقي هو اجتثاث السنة. رغم كل تلك الاغتيالات والتهجير والتآمر بقيت تواجه الشيعة مشكلة ثابتة وهي البنيان السني والمدينة القوية فقد كانت بنية هذه المدن التحتية قوية وتعليمها عال وكفاءاتها خطيرة إضافة إلى عمرانها وبيوتها وخدماتها. بعد توريط السنة بالإرهاب وهدم مدنهم وتشريد شعبهم لم يبق أمام السيد الشيعي سوى الشريك الكردي واستشعر البارزاني ذلك الخطر وقفز إلى الأمام وقام بشيء خطير هو الاستفتاء على الاستقلال والانفصال. يعرف الأكراد بأنهم الضحية القادمة فهذه السلطة العراقية العميلة لإيران لن تتوقف. أكثر شيء أرعب البارزاني أن الشيعة يحتفلون بالنصر في الموصل و100 عائلة ما زالت تحت الأنقاض. ويقول هوشيار زيباري هناك 40 ألف قتيل من المدنيين بالقصف العشوائي للقوات العراقية على مدينة الموصل. والأمم المتحدة ذكرت أرقاما بمئات الآلاف من الأطفال المشردين ومخيمات مرعبة مليئة بالأيتام والأرامل. الكردي يرى هذه الفرحة والتشفي بمدينة عربية سنية فكيف لو كانت المدينة كردية سنية؟ لقد شعر الأكراد أنهم يتقاسمون الوطن مع “أكلة لحوم البشر”. السؤال هو من الذي سيعلّم الأكراد الوطنية وحب العراق؟ عمار الحكيم أم قاسم الأعرجي أم المالكي أم هادي العامري؟ هؤلاء كلهم في الحكومة العراقية اليوم وكانوا بالأمس القريب جنودا مع الجيش الإيراني. وزير عراقي سابق وقائد ميليشيا مثل هادي العامري يحمد الله الذي جعله جنديا لدى الحاج قاسم سليماني ويتمنى أن يُدفن في طهران. هل البارزاني نادى بأمير المؤمنين أردوغان أم الإخوان المسلمون في العراق؟ هل البارزاني وضع صورة الخميني في قاعة الاجتماعات بمجلس الوزراء أم نوري المالكي؟ هل البارزاني ملأ أربيل بصور القادة الإيرانيين كما فعل العراقيون ببغداد؟ البارزاني يتكلم بلهجة عراقية عربية أصيلة بينما السيستاني مثلا رجل إيراني الجنسية ولا يتكلم العربية. فمن سيعلم البارزاني مبادئ الوطنية؟ ومن هو العربي البارزاني أم المالكي؟ المالكي مثلا إيراني بالولاء السياسي بينما البارزاني صديق للدول العربية. هناك مشكلة تحتاج حلولا جذرية وخطوة البارزاني خلطت الأوراق وجعلت العراقيين يفكرون. فهذا ليس صراعا عربيا كرديا على الإطلاق. تحالف إيران وتركيا ربما سيقضي على الطموح الكردي ويطفئ النور في بيوت كردستان. الأكراد شعب طيب نبيل لهم مواقف مشرفة مع سنّة العراق في محنتهم ولا يجب أن ننضم إلى هذه الحفلة القذرة. لقد بنوا مدنهم وشوارعهم وعاشوا حياة مقبولة في إقليمهم. أهم إنجاز لدى الأكراد هو العلمانية السياسة في محيط إسلامي والأمن. لم يمنع أحد الحكومة العراقية من بناء البصرة وجعلها أجمل من أربيل؟ البصرة مدينة نفطية يعتمد العراق على مواردها ولكن مجاريها تفيض كل شتاء وتتحول إلى مستنقع نتن وأنهارها مكب للنفايات. حكومة برابرة لا يبنون ولا يعمرون فقط يعرفون كيف ينقضّون على المدن الجميلة وهدمها بالصواريخ. جاهزون لهدم أربيل بحشد جنكيزخان عاجزون عن بناء البصرة. كاتب عراقيأسعد البصري

مشاركة :