المشهد الذي خلفه بادوك سيتفاعل في أميركا معيدا إلى الصدارة جدل السلاح والسماح ببيعه ومن يحق له حمله، ولكن أيضا رب ضارة نافعة، فهذا الوضع سيحرر العرب والمسلمين من تهمة الإرهاب المسبقة التي تكال إليهم بتسرع دون دليل عادة.العرب توفيق الحلاق [نُشر في 2017/10/07، العدد: 10774، ص(13)]من سيكشف لغز سفاح لاس فيغاس؟ واشنطن - مثل كل مرة يظهر فيها مراسل قناة “سي إن إن” وسط مكان يعج بالمسعفين والجرحى، وجثامين القتلى المحمولة على نقالات سيارات الإسعاف، لينقل في بث مباشر حدثاً إرهابياً مروعاً في مدينة أميركية، يزداد وجيب قلوب المسلمين والعرب في أميركا ودول الغرب وحول العالم، وهم يترقبون سماع اسم المجرم، متضرعين إلى الله أن لا يكون مسلماً أو عربياً. لأنه إن كان كذلك فسيحملون وزره لأيام وشهور، وسيضطرون مرة بعد مرة للدفاع عن عقيدتهم وتبرئتها أمام الآخرين من سلوك ذلك المجرم. حادث لاس فيغاس غير المسبوق بتفاصيله ودوافعه في تاريخ أميركا والذي راح ضحيته 59 قتيلاً وأكثر من 530 جريحاً كان بفعل شخص واحد مقامر مدمن غني أميركي أصيل، اسمه ستيفن بادوك.وبادوك هذا أقدم على جريمته مساء الأحد الأول من أكتوبر 2017 حين أطلق النار بشكل مكثف وعشوائي من نافذة غرفته بفندق في لاس فيغاس، على حشد من جمهور حفل لموسيقى الكانتري. وقد سارع تنظيم الدولة الإسلامية كعادته وبعد كل جريمة بشعة تطال المدنيين العزل ليتبنى مسؤوليته عن الهجوم، زاعما أن المهاجم اعتنق الإسلام قبل أشهر قليلة. اسم السفاح ولونه وأصوله الأميركية وزجاجة الخمر التي لا تفارقه، وتاريخه الطويل في المقامرة، وعيشه لسنوات مع صديقته الفلبينية دون رباط زواج، كل ذلك لم يمنع داعش من القول إن الرجل اعتنق الإسلام قبل شهور وانضم إلى التنظيم. إلا أن الشرطة الأميركية أصرَّت على ترجيح فرضية أن المرض العقلي للمجرم هو السبب الأساس لجريمته، بالرغم من أنها لم تجد في سجل المواطن الأميركي الطبي ما يشير إلى ذلك. الشرطة أكدت أنها لم تعثر على أيِّ إثبات يؤيد مزاعم التنظيم، وأكدت أيضاً أن منفذ الهجوم ليس لديه أي سجل جنائي، ولم يكن معروفا لدى شرطة مقاطعته ولا شرطة الولايات المتحدة بأكملها. ورغم مرور أيام على المجزرة المروعة فإن العرب والمسلمين لم يتنفسوا الصعداء بعد، طالما أن الإعلام لا يزال يكرر زعم داعش مشفوعاً بردود الشرطة غير الحاسمة. وفي البحث عن دوافع الجريمة، ثمة ملصق وزعته الشرطة الأميركية يعود تاريخه للعام 1968، وزعه مكتب التحقيقات الفيدرالي إثر هروب والد ستيفن بادوك واسمه “بنيامين هوسكينز بادوك”، وكتب على الملصق “بنيامين هوسكينز مريض نفسي مسلح وخطير”. كان الأب في ذلك الوقت محكوما عليه بعقوبة السجن لمدة 20 عاما بسبب سلسلة من عمليات السطو على البنوك في مدينة فينكس، وكان ابنه الأكبر ستيفن حين ذاك يبلغ من العمر سبع سنوات، وحين بلغ سنَّ المراهقة كان والده على قائمة أهم المطلوبين في الولايات المتحدة. جشع الأسلحة ما أثار دهشة المحققين وجموع الأميركيين أن الشرطة بعد المزيد من البحث وجدت 23 سلاحا ناريا في غرفة الفندق التي نفذ منها بادوك إطلاق النار، بالإضافة إلى آلاف الذخائر وبعض المتفجرات في منزله بمدينة مسكيتي الواقعة في مقاطعة كلارك بولاية نيفادا. وعثرت الشرطة أيضا على كمية من نيترات الأمونيوم في سيارته، وهي مادة يمكن استخدامها في صنع المتفجرات. الرئيس دونالد ترامب الذي هاله كم الأسلحة التي تواجدت في غرفة السفاح قال “سنتحدث عن قوانين تداول الأسلحة في بلادنا في وقت لاحق”. وأضاف ترامب “منفذ الهجوم مريض، إنه شر مطلق”. وفي الطبقة السياسية الاميركية من يعارض بشدة وضع أي تشريعات من شأنها منع حق امتلاك الأسلحة، ويقود هذا التيار قيادات في الحزب الجمهوري المحافظ ولوبي شركات تصنيع الأسلحة أو ما يعرف بجماعات الضغط، التي تتزعمها الجمعية الوطنية للأسلحة “إن آر إيه” التي تطالب بنشر المزيد من الأسلحة للدفاع عن النفس. هذه الجمعية يقول رئيسها واين لابيار إن “الشيء الوحيد الذي يمنع شخصا سيئا يحمل السلاح هو وضع آخر صالح يحمل سلاحا”. وحسب مركز “استطلاع الأسلحة الفردية”، هناك ما بين 250-290 مليون قطعة سلاح شخصي في الولايات المتحدة الاميركية، أي بمعدل 90 من كل 100 شخص لديه سلاح شخصي. هذا الرقم هو نظري بمعنى أن هناك ولايات ومدن أميركية لديها قوانين صارمة فيما يخص حمل السلاح، على سبيل المثال المدن الكبرى الثلاث في اميركا، نيويورك، ولوس أنجلوس وشيكاغو بمعدل سكاني بحدود ٥٠ مليون شخص، يمنع حمل السلاح فيها، إلا بترخيص حكومي، ففي شيكاغو هناك فقط بحدود ستة آلاف ترخيص سلاح ناري من أصل ٣ مليون شخص يسكن وسط المدينة. ووفق المعلومات التي حصلت عليها صحيفة “الديلي ميل” واسعة الانتشار، فإن بادوك كان طيارا مرخصا لمزاولة المهنة، ويهوى الصيد، وكان يملك منزلا بقيمة 400 ألف دولار اشتراه عام 2015 في تجمع سكني للمتقاعدين في بيسكيت، ويبعد عن مدينة لاس فيغاس مسافة 90 دقيقة (نحو 130 كلم)، وكان يعيش مع عشيقته ماري لو دانيلي البالغة من العمر 61 عاما، والتي قالت الشرطة إنها تبحث عنها قبل أن تحدد مكانها “في الخارج”، ومن ثم أعلنت أنها غير ضالعة على الأرجح في المجزرة. وكان بادوك الذي أمطر بالرصاص جمهور الحفل الموسيقي الذي يقدر بنحو 22 ألف شخص من نافذة غرفته في الطابق 32 من الفندق لعدة دقائق قبل أن ينتحر، قد طرح بفعله الإجرامي علامات استفهام حول كيفية نجاحه في إدخال هذه “الترسانة العسكرية” إلى الفندق. ورغم أن التعديل الثاني للدستور الأميركي يحفظ الحق في حمل السلاح الفردي إلا أن حيازة أكثر من 10 بنادق وإدخالها إلى فندق في مدينة سياحية اشتهرت بأندية القمار والحياة الليلية، وتستقبل ثلاثة ملايين ونصف مليون سائح، يُحملُ الشرطة المحلية مسؤولية كبرى، وسوف يتعين عليها تبرير تقصيرها في المراقبة وحفظ الأمن.البحث عن دوافع الجريمة يثبت أن ثمة ملصقا وزعته الشرطة الأميركية يعود تاريخه للعام 1968، وزعه مكتب التحقيقات الفيدرالي إثر هروب والد ستيفن بادوك واسمه “بنيامين هوسكينز بادوك”، وكتب على الملصق “بنيامين هوسكينز مريض نفسي مسلح وخطير”. لعبة القمار الأخيرة اعتاد الطيار الأميركي المتقاعد ،قبل تنفيذه مجزرة لاس فيغاس، على التغيب لأيام عدة عن منزله في منطقة سكنية هادئة خاصة بالمتقاعدين في مينسكويت، ويرجح جيرانه أنه كان يقضي تلك الأيام في كازينوهات لاس فيغاس بصحبة امرأة من أصول فلبينية تعيش معه. أقرباء منفذ مجزرة لاس فيغاس يجمعون على أنه كان لاعب قمار محترفا، يحبّ النساء والسهر، وأنه خلال السنوات الماضية كان يتردد على حفلات موسيقى الكونتري في لاس فيغاس، حيث كان يقضي معظم أوقاته، ثم يعود منها إلى منزله في مينسكويت، الذي يقطن به منذ يونيو 2016، ويؤكد جيرانه أنه كان يعيش مع صديقته حياة هادئة، ويشيرون إلى أنه كان متحفظا في علاقاته بعض الشيء، وأنهم كانوا يتواصلون مع صديقته أكثر. أميركي أبيض، لم تحُم حوله أي شبهة سابقة سواء بأعمال إرهابية أو جنائية، وليس له أي سجل لدى الشرطة. وحسب وكالة “فرانس برس”، فإن بادوك كان يعمل محاسباً في السابق، ولديه شهادة طيران ورخصة صيد صادرة عن ولاية ألاسكا. وحسب الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام، فإنه عاش سابقا في رينو، نيفادا، من عام 2011 إلى 2016، وكان أيضاً يعيش في ملبورن، فلوريدا، بين عامي 2013 و2015. وقد أقام أيضاً في هندرسون، نيفادا، والعديد من المواقع في ولاية كاليفورنيا منذ عام 1990. ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن شقيق بادوك “المصدوم” أنه لم تكن لدى أخيه أي انتماءات سياسية أو دينية تفسر أسباب إقدامه على فعلته. وقال إيريك بادوك “لا نعلم أي شيء.. كأن نيزكا سقط علينا. لا شيء يمكّننا من تفسير ما فعله. إنه رجل يهوى ألعاب القمار والسهر، وحسب علمي ليست لديه أي علاقة بالعنصريين البيض أو أي مجموعة سياسية أخرى”. ونفى الأخ أن يكون شقيقه يعاني من أزمة مالية جراء تردده الدائم على الكازينو، وقال للصحافيين، الذين تحدث إليهم أمام منزله في أورلاندو بولاية فلوريدا، إن الأمر عكس ذلك تماما، إذ أنه تسلم قبل مدة رسالة من أخيه يبلغه فيها أنه ربح في ليلة واحدة 250 ألف دولار على طاولات القمار في لاس فيغاس. وأفاد الشقيق بأن آخر مرة تحدث فيها مع أخيه كانت بعد الإعصار الذي ضرب فلوريدا قبل أسابيع، حيث بعث برسالة على هاتفه يستفسر فيها عما إذا كانت والدته بخير. وفي ما يتعلق بالأنباء التي ترددت حول أن والد منفذ هجوم لاس فيغاس كان من أبرز المطلوبين لدى “إف بي آي”، أوضح أنه وشقيقه لم يعرفا والدهما أبدا، وأنه قضى قبل سنوات في أحد السجون الأميركية، إذ كان محكوما بتهم فساد مالي. وأضاف “إن شقيقه كان يهوى اقتناء الأسلحة الفردية، إلا أنه استغرب أن يكون لديه هذا الكم من قطع السلاح، بينها بنادق حربية رشاشة استخدمها لقتل أكبر عدد ممكن من المحتشدين في الحفل الموسيقي”. ذئب منفرد على الرغم من التقارير الأولية التي تحدثت عن مسلحين متعددين، فإن الشرطة لا تعتقد في هذا الوقت بوجود شركاء لبادوك، ولا يزال تبني داعش غير مؤكد، ولا يوجد ما يشير إلى أنه صحيح، خاصة أن شرطة لاس فيغاس قد وصفت بادوك بأنه “ذئب منفرد”. ونفت أن تكون له أي علاقة بتنظيمات إرهابية دولية.الرئيس دونالد ترامب يشعر بالصدمة بعد الحادثة على حد قوله، فقد هاله كم الأسلحة التي تواجدت في غرفة السفاح وقال "سنتحدث عن قوانين تداول الأسلحة في بلادنا في وقت لاحق"، مضيفا إن"منفذ الهجوم مريض، إنه شر مطلق" وقال قائد شرطة لاس فيغاس، جوزيف لومباردو، إن الشرطة لم تجد شيئا يشير إلى دوافع الهجوم. وعندما سئل خلال مؤتمر صحافي عن سبب عدم تعامل الشرطة مع الحادث كـ”عمل إرهابي”، قال إن “علينا أن نحدد دافعه أولاً”، مضيفاً أن هناك عوامل مرتبطة بالإرهاب وليس من بينها أن يكون الشخص المشتبه به يريد فقط التسبب في خسائر جماعية. وأثارت ردة فعل الشرطة الأميركية، وعدم تسميتها الاعتداء بأنه “عمل إرهابي”، احتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصاً من الجاليات المسلمة التي اعتبرت أن كون الرجل أميركيّاً أبيض حال دون ذلك. لكن تفسير الشرطة لتهمة الفعل الإرهابي مختلف عن هذا المفهوم؛ فهي تُعرّفُه بأنه يأتي بدافع عنصري أو طائفي. صديقة منفذ اعتداء لاس فيغاس الذي قتل 59 شخصا قبل أن ينتحر، لا تعتقد بحكم عشرتها الطويلة لبادوك أنه عنصري أو يعاني من اضطرابات عقلية، وقالت لم أكن على علم بما كان يخطط له ستيفن من عنف ضد أي كان. وإثر تحقيق أجراه معها مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” في لوس أنجلس، بشأن أسوأ عملية إطلاق نار دامية في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، قالت ماريلو دانلي، التي عادت إلى الولايات المتحدة، قادمة من زيارة عائلية في الفلبين، إن صديقها لم يطلعها على أي معلومة توحي بأن أمرا فظيعا كهذا سيحدث. ويركز المحققون عملهم حاليا على دانلي التي أقامت شمال شرقي لاس فيغاس قبل أن تعود إلى الفلبين منتصف الشهر الماضي. وشملت التحقيقات مسألة الأسلحة التي اشتراها القاتل، وتحويله مبلغ نحو 100 ألف دولار إلى بنك فلبيني، يعتقد أنه مخصص لدانلي، التي قالت إن بادوك اشترى لها تذكرة طائرة لزيارة عائلتها في الفلبين، وأرسل لها أموالا لشراء أملاك هناك. من جانب آخر قالت شقيقات دانلي اللاتي يقمن في أستراليا خلال مقابلة تلفزيونية، إن بادوك أبعدها كي لا تتدخل في مخططه لإطلاق النار، ووصفن أختهن بالإنسان الجيد. أما شرطة لاس فيغاس فقد قالت إن بادوك خطط بعناية فائقة لتنفيذ هجومه، وإنه أمضى عقودا يشتري الأسلحة، بينما كان يعيش حياة تلفها السرية. وقالت الشرطة أيضا إن أكثر من 300 جريح ممن أصيبوا قد غادروا المستشفى. هذا المشهد الذي خلفه بادوك سيتفاعل في أميركا معيدا إلى الصدارة جدل السلاح والسماح ببيعه ومن يحق له حمله، ولكن أيضا رب ضارة نافعة، فهذا الوضع سيحرر العرب والمسلمين من تهمة الإرهاب المسبقة التي تكال إليهم بتسرع دون دليل عادة. سول كورنل خبير القانون الدستوري ورئيس مركز بول وديان جونتر المتخصص بالتاريخ الأميركي في جامعة فوردهام يرى أن اللوبي الذي يدعم انتشار الأسلحة ينفق أموالا أكثر من أي جماعة أخرى على أعضاء في الكونغرس من أجل الدفاع عن العنف في أميركا ومنع أي محاولات للحد من هذه المخاطر عبر التعديلات القانونية.
مشاركة :