تحقيق: محمد إبراهيم «رخصة المعلم» رهان المدرسة الإماراتية لاستقطاب كفاءات تربوية إلى الميدان التربوي، هكذا يرى الخبراء التربويون، معتبرين أنها من أبرز المشاهد التطويرية في العام الدراسي الجاري 2017-2018، وخطوة جادة لمواكبة الاتجاهات العالمية الحديثة في تربية الأجيال.في وقت أعدت الإمارات مشروع «رخصة المعلم»، على اعتبار أن مربي الأجيال يعد حجر الزاوية في إصلاح وتطوير التعليم، وتحقيق منتج تعليمي عالي الجودة، يحاكي متطلبات المستقبل والثورة الصناعية الرابعة، لاسيما أن مستجدات ومسارات تطوير التعليم عالمياً، فرضت أدواراً جديدة على المعلمين، حيث لم تعد مقتصرة على جودة الأداء، والقدرات على ممارسة المادة العلمية.المتابع لمسارات تطوير التعليم في المدرسة الإماراتية، يجد أن وزارة التربية والتعليم تركز جهودها على المرحلة المقبلة لإيحاد ترجمة واقعية لرؤية المشروع الذي ينطلق ضمن تفاصيل العام الجاري، وتحقيق أهدافه، لاسيما أنها بدأت المرحلة التجريبية للمشروع، باختبار تجريبي استهدف 100 معلم ومعلمة من 6 مناطق تعليمية، يدرسون 6 مواد أسياسية تضم اللغتين العربية والإنجليزية، والرياضيات والأحياء والفيزياء والكيمياء.«الخليج» تناقش مع قيادات التعليم والخبراء والتربويين، أهمية مشروع «رخصة المعلم»، وكيف يسهم في بقاء أفضل العناصر التربوية في الميدان، وإلى أي مدى يواكب المستجدات التعليمية في ميادين العلم العالمية، وكيف تنعكس نتائج المشروع على جودة المخرجات مستقبلاً، ليحاكي في مضمونه رؤية الإمارات 2021.دور محوريفي وقفة معه، أكد حسين بن إبراهيم الحمادي، وزير التربية والتعليم، أهمية الدور المحوري والأساسي الذي يضطلع به المعلم في تطوير المنظومة التعليمية في الدولة، باعتباره الركيزة الأساسية في تحقيق خطط التعليم، ورسم السياسات المؤثرة في مسار تطور وتقدّم العملية التعليمية برمتها، وتحقيق بيئة تعليم تفاعلية، وتنشئة أجيال مهيأة فكرياً وعلمياً وذهنياً. وقال إن المعلم يتربع على قائمة اهتمامات الوزارة؛ إذ تنشد كوادر تربوية مؤهلة ملهمة للطلبة تمكنهم من امتلاك مهارات العصر، وقادرة على تحويل التحديات إلى فرص؛ لإيجاد جيل مبدع ومبتكر، مشدداً على أهمية التدريب المستمر لتحقيق مقتضيات التطور في المهارات، وتعزيز خبرات الكوادر التدريسية والتربوية، وتنمية أفقها وقدرتها على توظيف أساليب التدريس الحديثة في المدرسة الإماراتية. استمرارية التطويروترى جميلة المهيري، وزيرة دولة لشؤون التعليم العام، أن «رخصة المعلم» التي تطلقها الوزارة للعام الدراسي الجاري، تهدف لضمان استمرارية عملية تطوير مهارات المعلمين، ورفدهم بتجارب وأدوات تسهم في تحقيق مجمل الخطط والسياسات التربوية، واستقطاب الكفاءات التعليمية، بما يصب تالياً في خدمة الأهداف الطموحة للوزارة، وتحقيق المستهدفات التربوية المتوخاة. وقالت: «إن تكريس أفضل الممارسات التربوية في المدرسة الإماراتية، يشكل أحد أبرز محاور اهتمامنا؛ إذ تستهدف إعداد طالب يتمتع بشخصية متكاملة وبسمات عالمية، ليسهم في بناء وطنه، تحت إشراف كوادر تربوية مؤهلة، وضمن بيئة تعليمية جاذبة، وبإدارة قيادات تربوية مميزة، لتكون دافعاً له لحب العلم والإقبال عليه، وتوثيق ارتباطه بالمجتمع المدرسي». وأكدت أن المؤسسة التربوية والتعليمية، هي المسؤولة عن إعداد جيل قادر على استيعاب ومواكبة تطورات العصر والتعامل معها، حتى يتمكن من أخذ دوره الأساسي والوطني المؤثر في منظومة الاقتصاد المعرفي، خلال القرن الحادي والعشرين، و«نحن ماضون في توفير متطلبات ذلك، ويمثل المعلم زاوية ارتكاز ومنصة نحو تحقيق ما نتطلع إليه، من تعليم حديث من الطراز الرفيع».كفاءة الأداء المهنيوتكمن أهمية مشروع «رخصة المعلم»، في إيجاد كوادر تربوية تستطيع مواكبة متغيرات المستقبل في المجالات كافة، لاسيما أن التعليم يشهد مسارات تطويرية متنوعة ومتسارعة عالمياً.. هذا ما تضمنه رأي الخبير الدكتور وافي الحاج، موضحاً أن ممارسة العديد من المهن يقترن بـ«ترخيص مزاولة المهنة»، كما هو الحال في مجال الطب والمحاماة والهندسة، وغيرها من الميادين. وأكد أهمية امتلاك الحد الأدنى من كفاءة الأداء المهني، كشرط ضروري لممارسة المهنة، لاسيما في قطاع التعليم، من أجل حماية الأجيال من الممارسين غير الأكفاء، مضيفاً أن رخصة المعلم مسار فاعل يسهم في تطوير أداء المعلم، وإعداده ومتابعة تطوره، بما يتفق مع متطلبات مهنته، وفق ضوابط إجراءات تحكم عمله، وتجعل منه معلماً فاعلاً ومؤثراً في مسيرة تقدّم طلابه، باعتباره أهم عناصر المنظومة التعليمية.تمهين التعليمأما التربوية اعتدال يوسف سحويل، فترى أن الاتجاهات الحديثة في التعليم، أبرزت أهمية ترخيص المعلمين في ميادين العلم، لاسيما أنه أصبحت لهم أدوار شتى في تعليم الطالب، ووسائل تأهيله وإعداده للمستقبل، ما يتطلب منهم تطوير أدائهم والاطلاع والقراءة المستمرة، لمتابعة المستجدات التربوية الحديثة، وتطوير إمكاناتهم ومهاراتهم المهنية، والتركيز على الاطلاع على البحوث التربوية، وعدم الاكتفاء بالجانب النظري، خاصة مع تسارع المستجدات العلمية وتطور التقنيات الحديثة، وظهور الكتاب والفصل الذكي، والمنهج التكنولوجي.وأضافت أن المعلم يعتبر حجر الزاوية، في أي مساع لإصلاح وتطوير التعليم، وهناك تكمن أهمية إعداده باستمرار، وفق المتغيرات الحديثة، معتبره أن ترخيص المعلم يعد ترجمة واضحة لتمهين التعليم، الذي يعتبر مهنة كغيرها من المهن التي تتطلب الاعتراف ووجود المعايير والشروط اللازمة لممارستها، والاستمرار فيها وتقديم الكفايات الأساسية لها، والضوابط المناسبة لسلوكها وأخلاقها.مهنة واضحة المعالموفي لقائه أكد الدكتور فارس الجبور، مدير المدرسة الأهلية الخيرية بالشارقة، لـ«الخليج»، أن ترخيص المعلم يهدف إلى الارتقاء بالتعليم، وجعله مهنة واضحة المعالم، ويشكّل الأساس المناسب لعمليات إصلاح وتطوير عملية التعليم والتعلّم؛ إذ إنه يشكل ضابطاً للنوعية في برامج تربية المتعلمين، لاسيما أن نتائج الدراسات العالمية أثبت أن المعلمين الذين يتم اختيارهم باستخدام اختبارات الترخيص لمزاولة مهنة التدريس، أفضل من المعلمين الذين تم اختيارهم بالمؤهلات العلمية، أو بعدد سنوات الخبرة، فالترخيص آلية تضمن للنظام التعليمي امتلاك مربّي الأجيال، بالقدر الأساسي من المعارف والمهارات الفنية المطلوبة للتعيين في الوظيفة، أو الاستمرار في شغلها. وقال إن الاهتمام بالمعلم يؤكد ضرورة التركيز على اختياره وإعداده وتدريبه، فمعيار المسؤولية في تكوين المهنة، يقوم على شرطين: الأول حرية المهنة، والثاني تقنين ظروف العمل نفسها، وما يتطلبه هذا التقنين من إصدار تشريعات تحدد مسؤولية المعلم، وتوفر السياج القانوني الذي يضمن الاعتراف بالمهنة، وتحريم ممارستها على غير المؤهلين لها، موضحاً أن الهدف الرئيس من تبنّي فكرة الترخيص لممارسة مهنة التعليم، يتبلور في ترقية وصقل النمو المهني للمعلم، بما يحقق تحسين فاعلية العملية التعليمية.صعوبات ومعوّقاتمن جانبه يرى المعلم محمد عصام، أن المعلمين ذوي المهنية والخبرة، لديهم القدرة على تشخيص التعليم والتعرف إلى صعوباته، التي تعوق المتعلمين في المراحل المختلفة، وتركز جهودهم دائماً على معالجتها، ومرجعيته في ذلك خلفيتهم العلمية في الجوانب الأكاديمية والتربوية والثقافية؛ إذ يسعون دائماً إلى تجديد معرفتهم وتنمية استعمال وسائل التعليم، ووسائل الاتصال والتقنيات المتصلة بها، واهتمامهم المتواصل بالتغير الذي يحدث في بيئتهم التربوية.وأكد أن وزارة التربية والتعليم، تركز في المرحلة المقبلة على اختيار أفضل العناصر التربوية التي تتمتع بقدرات ومهارات القرن الحادي والعشرين القادرة على الإبداع والابتكار، ومواكبة الاتجاهات التربوية الحديثة في المواد العلمية كافة، لاسيما المواد الأساسية، معتبراً أن رخصة المعلم خطوة جادة نحو الوقوف على نقاط القوة، ومعالجة مواطن الضعف لدى مربّي الأجيال بين أركان المدرسة الإماراتية.تجارب عالميةوفي وقفة مع بعض التجارب والممارسات العالمية في هذا الاتجاه، اكتفت «الخليج» بثلاث دول متقدمه في التعليم، منها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصدرت دول العالم، في تطبيق مشروع رخصة المعلم عام 1987؛ إذ طبقت نظام الاعتماد المهني للمعلم في جميع ولاياتها، وباتت رخصة التعليم شرطاً لازماً لكل معلم للسماح له بممارسة مهنة التعليم. ويعتقد كثير من المربين أن هذا الإجراء أسهم بفاعلية في تعزيز مكانة التعليم في أمريكا.أما اليابان فهي من الدول التي يحتل فيها المعلم مكانة مرموقة مادياً واجتماعياً، ولا يعيّـن المعلم فيها بجميع المراحل التعليمية، إلا بعد حصوله على الدرجة الجامعية الأولى كمطلب أساسي لممارسة مهنة التعليم، ويتم تعيينه في مدخل الخدمة بصورة مؤقتة لمدة عام دراسي واحد، يرافقه خلال هذه الفترة معلم المادة الأساسي لمتابعته وإرشاده أثناء قيامه بتدريس المادة، وبناء على تقرير إيجابي من معلم المادة الأساسي عن أداء المعلم الجديد، يتم ترشيحه للجلوس لاختبار وطني لمزاولة مهنة التدريس «رخصة المعلم».وفي المملكة العربية السعودية، وضعت هيئة تقويم التعليم العام في المملكة، 50 معياراً لحصول المعلمين والمعلمات على رخصة «مزاولة المهنة». جهود «التربية»وحول جهود وزارة التربية والتعليم في تحقيق المنهجية الجديدة، لاستقطاب الكوادر التربوية ذات الكفاءات والمهارات التي تواكب التطوير العالمي في التعليم، اعتمدت الوزارة أربعة معايير موحّدة للمعلمين في الإمارات، تتضمن 14 عنصراً، و42 معياراً، إضافة إلى 99 مؤشراً للأداء، من أجل بناء نظام تعليمي متميز، يؤكد أن المعلمين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، لديهم كفاءات مهنية تنسجم مع أهداف رؤية الدولة 2021، وأفضل الممارسات الدولية.خمسة شروط لنجاح المشروعحدّد خبراء التعليم 5 شروط أساسية لنجاح مشروع ترخيص المعلم، تتمثل في: «تأهيل الموارد البشرية المتخصصة، لإعداد وإدارة المشروع، وتعاون مؤسسات التعليم العالي والمجتمع، ووجود مركز تدريب للمعلمين عالي الكفاءة؛ لتلبية متطلبات المشروع، فضلاً عن دعم الاتجاهات الإيجابية نحو نظام الترخيص، من قبل الفئات المستهدفة، ووضع تشريع له».المعلم وميادين العلمأكد عدد من الخبراء والمتخصصين في التعليم، أن نظام المساءلة القائمة على أداء المعلم في الآونة الأخيرة، يشكل اهتماماً كبيراً بين المجتمعات وميادين العلم؛ إذ يقدم النظام المعرفة البنائية التي يتم على أساسها تحسين جودة أداء المعلّم، في برامج كليات التربية، ليتم اختباره بعد ذلك، ولا يمنح رخصة لمزاولة مهنة التعليم، إلا إذا نجح في هذا الاختبار، وهذا يعني أن درجة البكالوريوس لا تكفي لأن يمارس المعلم مهنة التدريس، بل يجب اجتيازه اختبارات رخصة التعليم.
مشاركة :