مقال لأحمد عبد ربه.. "مصر بين الإيمان والإلحاد"

  • 8/25/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صحيفة المرصد: هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالا تنشرها له صحيفة الشروق المصرية. يقول بعض المهمومين بالأمر أن هناك تزايدا ملحوظا في نسبة الإلحاد بين المصريين وخاصة من الشباب فى الآونة الأخيرة. وبدأ عدد كبير من هؤلاء في البحث عن أسباب الظاهرة ومحاولة إيجاد حلولا لها. مؤخرا دخلت مؤسسات الدولة الدينية على الخط ونسبت بعض الصحف الى الأزهر الشريف مشروعا "لمواجهة الإلحاد" عن طريق تنظيم حملات "للقضاء على الإلحاد"، ونسب أيضا الى بعض رجال الدولة مباركتهم لهذا العمل. ليس صحيحا أن قضية الإلحاد دينية أو كهنوتية لا تناقش إلا بواسطة علماء الدين ورجاله، ولكنها قضية سياسية بالأساس لأنها تتقاطع مع خطوط تماس قضايا كثيرة أخرى كحرية العقيدة والتعبير وموقع الدولة من المساحات الخاصة واستخدام الدين كوسيلة للحشد والتعبئة إلى آخره من قضايا حساسة مكررة في تاريخ الأمم الآخذة فى التحول. وبناء عليه تسعى هذه السطور الى محاولة الاشتباك مع القضية من ناحية سياسية وتاريخية وثقافية بحتة بعيدا عن المساحات الدينية التي لا يتخصص فيها كاتب هذه السطور. أولا: لست واثقا إن كانت الظاهرة الإلحادية قد تزايدت حقا مؤخرا؟ ولم تتاح لي فرصة قراءة أبحاث منهجية توثق الأمر، لكني أميل الى الاعتقاد بأن الزيادة في عدد الملحدين المصريين ربما تكون معقولة أو حتى أقل إذا ما قورنت بالزيادة المطردة في أعداد الملحدين حول العالم، ولكني أعتقد أن انتشار وسائل التعبير والتواصل الاجتماعي مع تزايد مساحة الحريات التي أتاحتها ثورة يناير قد جعل عددا من الملحدين يعبرون عن التحول في معتقداتهم الدينية بشكل أكثر حرية. ثانيا: التعامل مع "الإلحاد" على أنه مرض يجب "القضاء عليه" بحسب التصريحات المنسوبة لبعض رجال الدولة ورموز المؤسسات الدينية خطأ كبير، فالإلحاد أو اللادينية هي من قضايا حرية المعتقد التى نص عليها الدستور المصري في ٢٠١٤، وليس مطلوبا من العلماء ورجال الدين أن "يقضوا عليه" لأن هذا بطبيعة الأمور سيولد رد فعل سلبي لدى قطاع كبير من الشباب. وبدلا من ذلك يمكن للعلماء إيضاح بعض القضايا المتلبسة أو الغامضة دينيا، والإجابة على الأسئلة الصعبة التي يوجهها الكثير من الشباب لهم دون أن يجدوا إجابات محددة غالبا على طريقة "لا تناقش ولا تجادل"! فالنقاش الصريح الجريء مع الشباب هو وحده القادر على التعامل مع الظاهرة، أما سيطرة الكهنوتية والمسحات المقدسة عند التعاطي مع الأسئلة التي يفرضها تطور العصر ونمو العقل لدى الشباب نتيجة للحداثة والتقدم، فلن يودي إلا الى المزيد من عدم الثقة بين الطرفين. ثالثا: لماذا تتدخل الدولة في هذه القضية؟ للأسف تدخل الدولة المباشر أو غير المباشر في هذا الأمر يعود بنا الى نظرية سياسية قديمة ترى أن للدولة "وظيفة عقيدية"، ومع احترامي لنبل هدف النظرية حيث ترعى الدولة العقيدة وتحرسها، إلا أن التطورات الكثيرة الحادثة في العالم الآن قد جعلت الأمر معقدا، فالدولة أصبح بداخلها عشرات المعتقدات والتحيز لحماية عقيدة على حساب أخرى غير مقبول لمجرد أن المعتقدين بها أكثر عددا! كما أنه لا يمكن أن ندعي أن الدولة ستحمي كل المعتقدات لأن بعضها ببساطة يناقض البعض الآخر! والأهم من كل ذلك أن الدولة فى النهاية لن تحمي العقيدة بشخصيتها الاعتبارية ولكن ببساطة ستحميها عن طريق نظام سياسي، به ساسة ورجال دولة لديهم أجندات ومصالح وشبكات سياسية معقدة، وهو حتما (وقد كان بالفعل في التاريخ) مدعى لتحويل "حماية العقيدة" من هدف روحي سامي إيماني إلى أداة للتعبئة السياسية، ومن هنا كان النفاق الديني وكبت الحريات التي تنتهى (وقد انتهت بالفعل في تجارب مشابهة) بموجة إلحاد أكبر! رابعا: بدلا من أن يسعى علماء الدين ورجاله الى "مكافحة" الإلحاد عليهم أن يكافحوا ذواتهم ومؤسساتهم ومواقفهم وتراثهم أولا! فالإلحاد بجانب أنه موقف يعبر عن خبرة وإدراك وإيمان صاحبه الخاص، فهو أحيانا يكون رد فعل لتراث غير منقح ومتناقض حتى أحيانا مع النصوص المقدسة! انظروا في تراثكم ونقحوه أولا، انظروا في مناهجكم وعدلوا فيها بجراءة ما يتناقض مع عدالة وسماحة الأديان، راجعوا خطبكم البالية التي تدعي ليل نهار على "اليهود والنصارى"، ثم أخيرا ابعدوا أنفسكم عن السياسة التى لوثت بعضكم وجعلته ليس أكثر من كاهن للسلطان مما افقد بعض الشباب الثقة في كلامكم وتفسيراتكم ولم تعد الأمور واضحة إن كانت القدسية للنصوص أم للتفاسير أم أضحت لكم أنتم شخصيا؟ خامسا: ليست الحداثة خير أو شر، ولكنها تعبير عن تطور بشري استطاع أن يطوع الطبيعة بشكل كبير مقارنة بالعصور السابقة، وهي العصور التي شهدت نزول الوحي وانتشار الأديان السماوية منها والوضعية. ومن هنا تأتي المعضلة التى يرفض كثيرون التعامل معها بشجاعة وهي قضية التفسير! فكيف نعتمد بشكل حصري على مفسرين من قرون مضت في ظروف اجتماعية وثقافية واقتصادية مغايرة؟ التفسير والفتوى من علماء عاشوا فى القرن الرابع الهجري هي تعبير عن اجتهاد عقولهم التي تطورت بدرجة ما متأثرة بطبيعة وظروف ومعطيات هذا القرن، فكانت مخرجاتهم (تفسيراتهم) تعبيرا عن هذه التفاعلات المعقدة، فلماذا نعتمد هذه التفاسير بشكل حصري ونرفض تطويرها ونحن الآن على بعد أكثر من ألف عام؟ لقد شهدت عقولنا وعقول الأجيال الأصغر تطورات رهيبة على مدار القرون الماضية تزايدت بشدة مع عصر السماوات المفتوحة، فكيف نجبرهم على تجرع منتجات واجتهادات لا تعبر عن معطيات عصرهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. إلخ؟ سادسا: ما هو الضرر الذى يقع على الدولة من الإلحاد؟ أو من تغيير العقائد بشكل عام؟ هل هناك مثلا دراسة علمية موثقة تربط بين ارتفاع نسبة المؤمنين في دولة ما وبين زيادة انتاجية هذه الدولة؟ أو بين زيادة نسبة الملحدين أو غير المؤمنين وبين زيادة معدل الجريمة أو الاغتصاب أو التحرش "لا قدر الله"؟ وضع حدود للدولة لا يجب أن تتجاوزها عندما يتعلق الأمر بالمساحات الشخصية، ليس دفاعا عن الإلحاد أو هجوما علي الإيمان، ولكنه محاولة لمنع الساسة من التحالف مع علماء الدين ورجاله لتأميم المساحات الشخصية وتحويلها الى قرابين موجهة الى السلطة، وهو الأمر الذي يدفع الناس دفعا الى الكبت أو النفاق أو الاغتراب وكلها أمراض مجتمعية قضت على دول كثيرة قبلنا فلماذا نصر على تكرار المعادلة؟ أتذكر تلك الأيام حينما ذهبت قاصدا الدراسة الى إحدى الدول الشرق أسيوية ولم يكن بالجامعة سوى خمسة طلاب مسلمين منهم كاتب هذه السطور، وعندما وجد عميد الكلية التي ندرس بها، وهو بالمناسبة شخص لا ديني، أننا نصلي في الطرقات، فقد أمر بتخصيص إحدى الغرف لنا خصيصا لأداء الصلاة ونحن مجرد خمسة من عدة آلاف طالب وطالبة! وقد ظلت الغرفة كذلك لسنوات حتى غادرت الجامعة، وقتها فهمت أن التقدم والتحضر والعدل والحرية والأمانة لا تتحقق علي أيدى المؤمنين وحدهم، لكنها تتحقق أيضا بواسطة البشر والمواطنين المؤمنين بها والمنحازين للإنسانية ولحقوق كل البشر الذين خلقهم الله حتى وإن كان بعض هذا البشر لا يؤمن به! فهمت أن الدول التي تستمد شرعيتها من ادعاء التدين والإيمان قد تكون أكثر خطورة علي كل قيم التسامح والسلام والعدل والحرية، لأن تدينها يكون في الأغلب أدوات للحشد والتعبئة والتسويق السياسي على حساب الدين نفسه وقدسيته. فهل نضع الحدود أم نكرر أخطاء التاريخ؟ CNN

مشاركة :