منذ أن كان وعينا بالفجوة المعرفية والتقنية التي تفصلنا عن عدد من الدول ونحن نسعى إلى تحقيق نوع من التقدم من خلال نقل التقنية. ونقل التقنية مفهوم صرنا نستخدمه كثيرا في الاتفاقيات الثنائية مع الدول الصناعية خصوصا وأقمنا له مؤسسات كبرى تعمل على استهداف التقنيات المتقدمة. وقد مضى على استخدام هذا المفهوم أكثر من ثلاثين سنة من الجهود والسياسات والاتفاقيات، ونتائج تعكس التقدم الكبير الذي نعيشه اليوم. لكن هل حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم نقل التقنية؟ هل نحن بحاجة منهجيات جديدة أكثر فاعلية للتقدم التقني والعلمي؟ الجواب عن السؤالين الأخيرين سيكون غالبا نعم. نعم، الوقت قد حان لإعادة النظر في مفهوم نقل التقنية والبحث عن منهجيات جديدة أكثر فاعلية. والسبب وراء ذلك أن نقل التقنية ليس متاحا دائما، حيث تحرص الدول التي تملك التقنية على الاحتفاظ بأسباب تقدمها وعدم الإفصاح عن دقائقها الفنية. من أجل ذلك، تبقى شريحة من التقنيات المتقدمة حكرا على مطورها لا يسمح بنقلها. ويبقى تطبيق نقل التقنية محصورا في بعض التقنيات الأقل تقدما التي يسهل الحصول عليها من من المؤسسات العلمية من جامعات ومراكز أبحاث. هكذا يصبح مفهوم نقل التقنية مقصورا على هذه الفئة مع وجود استثناءات لا يمكن إغفالها. الأمر الآخر، أن التقنيات التي يمكن نقلها والتي لا يسمح بنقلها هي من حيث الأصل تتطور في سيرورة دائمة. ما ينقل من تقنية إن عد متطورا اليوم سيصبح متأخرا غدا. فالتقنية مثل سباق مارثوني ليس له نهاية، وما يهم في هذا السباق هو القدرة على الجري وليس الوصول إلى خط النهاية. عند النظر إلى منهجيات الدول الأخرى، الصين والهند، في إحراز تقدم تقني ملحوظ سنجد أن نقل بيئة صناعة التقنية مقدم على نقل التقنية نفسها. ومهما كانت هذه المنهجيات نتيجة تخطيط مسبق أو نتيجة حركة اجتماعية مركبة تبدأ من الابتعاث واستقطاب الكفاءات إلى الهجرة، فإن نتيجة كل ذلك ليست نقل التقنية بل رفع القدرات. ومن أهم وسائل نقل الخبرات والكفاءات هو العمل المباشر في البيئة التقنية المتطورة. يكفي على سبيل المثال أن نعرف أن الرئيس التنفيذي لغوغل، إحدى أكبر شركات التقنية في العالم اليوم، أمريكي من أصل هندي. إن إعادة النظر في مفهوم نقل التقنية يتضمن ضرورة توسيع نطاقه -إن لزم الأمر- للاستثمار في المواهب والكفاءات قبل التقنيات. ما نحتاجه اليوم هو احتكاك أكبر بمؤسسات التقنية الكبيرة وزرع المواهب القادرة على نقل البيئة وليس التقنية فقط.
مشاركة :