شيطنة المختلِف! ظلت صورة الآخر الإنسان (المختلِف)، إلى وقتنا الحاضر، وإلى وقت غير معلوم صورةً ضبابية، مختلفة من مجتمع إلى آخر، ومن جيل إلى جيل، فتنزلق تارة إلى مرحلة التأزم، وتارة أخرى إلى مرحلة التماهي والتلازم! وسنهتم هنا بصورة ذلك (المختلف) داخل المجتمع الواحد المحدود. ولا بدّ من الاعتراف قبل الانطلاق, أن المكتوب هنا لن يقول كل شيء, ولكنه في المقابل, لن يكون خاليا من كل شيء, وهذا ما يميزنا نحن البشر, فما يبقينا في دائرة البشرية هو نقصنا وجرينا الدؤوب خلف وهم الكمال, رغم كل الأخطاء التي نرتكبها, والتي تقعدنا عن درجة الكمال بمراحل ومراحل, وهذه هي العلامة البارزة التي تشعرنا بإنسانيتنا! ولو لم نُبرز أعمالنا بأخطائها لبقينا نصححها حتى الموت, مع الاعتذار لمحبي بورخيس على التصرف! من صور هذا (المختلِف) في مجتمعنا: هو شخصٌ معقَّد، أناني، معتدّ برأيه إلى أبعد مدى، يرى نفسه فوق الجميع، بينما يرى الآخرين لا (شيء!)… لا تورط نفسك بمعرفته، لن تستفيد شيئا من علاقتك به، إنه رغم نفوذه ومكانته الاجتماعية، ومنصبه الذي هو فيه إلا أنه لا يخدم أحدا، اتركه وشأنه!…(أبَعد كل هذا يا صاح نتركه؟! ماذا، بالله عليك، أبقيت له من شأنه؟!) . هذه الصورة، وغيرها من الصور، المثيرة للاشمئزاز، والشفقة! تواجهنا في ميدان الحياة الفسيح، إذ يتفنن البعض في رسم صورة قاتمة, كالحة, لذلك (المختلف)، وربما ارتقت هذه الصورة إلى درجة تسمح لنا بتسميتها (شيطنة)، لكنّ المثير للشفقة، حقا، أنك تصطدم بحقيقة أخرى عندما تعايش ذلك الشخص (المختلف) الذي حُشدت له كل تلك الصفات القبيحة! إذ سرعان ما تجد فيه شخصا وديعا، وقورا، على قدر كبير من الود والاحترام والتفاهم، مهتم بشأنه، وشأن الآخرين، ناصحٌ، ناصع القلب، والوجه والابتسامة، محبّ للخير، موجِّه إليه، لا يتكلم إلا فيما يعلم، ولا تجده، أبدا، يهرف بما لا يعرف! ولكنّ قدَر الله عليه، جعلَه عرضة للألسن والأفواه، وهنيئًا له من كان هذا قدره! قد لا يجانب الحقيقة من يجزم, بما لا يدع مجالا للشك, أنكم وقعتم في مواجهةٍ من هذا النوع؛ فالحياة ملأى بطبقة أولئك الذين همّهم الأول في الحياة تتبّع سقطات الآخرين، ونسف كل ما تزخر به حياتهم. ولا غرابة! فمن لا يمتلك القدرة على معرفة نفسه، لا يمكنه أن يمتلك القدرة على كفها عن تلفيق التّهم وتأليف الافتراءات ضد الآخرين! إن من نعم الله على المرء أن يرزقه القدرة على التمييز بين ما يقال عن الآخرين، وبين ما هم عليه في حقيقتهم، ونسأل الله أن نكون ممن أنعم الله عليهم بتلك! لكن من حق كل امرئ أن يتساءل: لم يحصل ذلك؟ وما الذي يجعل إنسانا يرمي آخر بما ليس فيه؟ وما الدوافع التي تقف خلف ذلك؟ وكيف يوطّن المرء نفسه على تمرير كل تلك الإساءات وتجاوزها؟ بل وجعلها مصدر قوة له تدفعه للمزيد من التميز والاختلاف؟! بكل تأكيد, لن تجد بين هذه السطور تلك الإجابة الكافية الشافية لكل تلك التساؤلات، لكني أرجو أن تجد فيها ما يهون الأمر! هذه المشكلة لا ترجع, بالضرورة, إلى الحسد الدفين الكامن في الصدور، مع أن في هذا العالم من المعذبين من لا تخلو صدورهم منه! ولا إلى الغيرة المتسلّطة على كثير من القلوب، مع أن في هذا العالم من تقتله في اليوم مئة مرة أو تزيد! ولكنها قد ترجع إلى النزعة الفطرية التي تتفرد بها كثير من الأنفس البشرية التي تنفر من الشخص (المختلف) – والنَّاس أعداء ما جهلوا، ومن جهلوا!- الذي لا يتصرف كما يتصرفون، ولا يتكلم كما يتكلمون، ولا يثرثر كما يثرثرون، ولا يكون لهم كما يريدون! إليك قارئي الكريم، وإليّ، وإلى كلّ مراهق أرهقه تتبعه لردّات فعل الآخرين تجاه أفعاله وتصرفاته، وإلى كل مرهفٍ آلمه عذاب ضميره وهو يرخي أذنه لما يقال فيه، وإلى كل شاب وضع خطوته الأولى على الطريق لمستقبل أكثر أملا وإشراقا: أنت الوحيد الذي تعرف جيدا قيمة ذاتك، وأنت الوحيد الذي يمتلك القدرة على وضعها في المكان الذي تريد، ما عليك إلا أن تتعلم التجاهل فمن تعلمه فقد اجتاز نصف مشاكل الحياة, كما يرى نجيب، ولتسر في الطريق الصحيح متسلحا بقيم ومبادئ لا تستطيع زوابع الحياة زعزعتها، ولا تلوِ على أحد. واعلم أنه لا يضرك ولن يضرك ما رُميت، وما تُرمى، وما سوف تُرمى به، “فالسفن آمنة على الشاطئ – كما يقول البرازيلي كويلو- لكنها ليس من أجل ذلك صنعت”، ثم نمّ قدراتك ومواهبك التي وُهبت، وانطلق متسلحا بالصبر على ما يواجهك، ولتتيقن أن “لا موهبة – كما يدّعي الماغوط- من دون ثمن!” وأنه من النادر جدا أن يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم! أحمد هادي يحيىأخبــــار مـشـابـهـة No related posts.
مشاركة :