لو حدث خطأ ما تسبب في برمجتنا فكرياً على أمر خاطئ يتعارض مع الدين أو العقل، هذا لا يعني أننا نستمر في هذا الخطأ أو أن نربي أبناءنا عليه من حيث لا نعلم، مثالي هنا هو تصنيف الآخرين وإلباسهم الصفات المناسبة، فكثير منا تخرج من مدرسة القرية الصغيرة وتعاليمها القاصرة التي تناسب البيئات المنعزلة التي تستنكر الغريب وتستهجن لغته ولهجته ومنطقه ولباسه، وتصنف أخلاقه وطريقة تعامله، وفي المحصلة النهائية تجد قواعد عامة اتفق عليها الآباء وورثها الأبناء دون تعقل أو تفكير، ستجد أن أصحاب القرية الفلانية بخلاء، وأبناء القبيلة العلانية سرّاق، وذوي البشرة الفلانية جبناء، ثم يستمر البلاء حتى يصل إلى تصنيف أهل القرية أنفسهم بعضهم لبعض حتى يصنف الأخوة الأشقاء بعضهم وبالتالي كل ما يولد لهذا الأخ فهو يحمل جزءاً من تصنيف والده!! وعندما جاءت الحضارة المدنية وسكن الناس المدن الكبيرة وذابت كثير من الفواصل والاختلافات والحدود والطبقيات المصنوعة، خفت هذه الظاهرة كثيراً ولم تختفِ، ولكنها تبلورت بشكل آخر أشد فتكاً فيما أرى خصوصاً وأنها تلمس مسلمات الأطفال التي تغرس في أذهانهم من الصغر!! فليس من الذكاء أن تفرعن طفلك الصغير، أو توهمه بأنه نصف ملاك، أو أنه يتميز عن بقية أقرانه بصفاء نسب أو عراقة أصل أو جمال لون، أو أن يوهم المربي طالبه بأنه متفوق الذكاء على بقية طلاب أغبياء، أو انه مغبوط أو محسود لأنه كائن بشري مميز، والأسوأ أن يقتنع الطفل بكثرة ترديد الآباء عليه بأنه ليس كأحد من العالمين لأنه يملك الحق المطلق ويعرفه حق المعرفة!! اللهم إلا إن استثنينا المسلمات الإسلامية المقدسة وكذلك الأخلاق الإنسانية النبيلة، أما ماعدا ذلك لا يحق لك أن تفهم طفلك ان الآخر شيطان يريد أن يفسد عليه أمره، أو أن الآخر عدو يريد آن يفترسه، أو أن زميله في الصف يحسده ويتمنى زوال النعم عنه، بعض الأباء يسارع بحل مشاكل طفله بهذه التصنيفات التي تذبح عنده مبدأ إحسان الظن بالآخرين واتهام نواياهم ومقاصدهم الخبيثة، وهذه المعلومات لا تحتملها نفسية الطفل وعقليته الغضة، التي لا تحتمل نظريات التآمر وأخذ الحيطة المبالغ فيها واتهام كل تصرف وإساءة الظن في نوايا زملائه وأقرانه!! قد يتجاوز عن بعض ذلك في حال كون البلد تقاوم محتلاً فيعرف الطفل أن عدوه هو من حاربه واغتصب أرضه، أو في حال أن يخشى على عرض الطفل من البالغين من خارج منظومة الزملاء والأقران، وفي مثل هذه الحالات يكون الأمر استثناء كما ترون، أما وضع الطفل في حالة استنفار وتحليل وتصنيف في بيئته التي نحاول أن نوفر له فيها الأمان والاستقرار، فهي جناية على المجتمع وعلى نفسية هذا الكائن الصغير، تبقى هذه وجهة نظري، ومرحباً بالخلاف البناء، وعلى دروب الخير نلتقي.
مشاركة :