جنايني هو حقا، ما إن يقترب حتى يغمر عطر خضرته الجميع، يمكنك أن لا تراه بسبب خجله، لكن من الصعب أن تنكر قوة حضوره.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/10/09، العدد: 10776، ص(16)] رأيت في الحلم أحمد الجنايني وهو لم لا يعرفه فنان وروائي مصر، مَن يعرفه لا بد أن يرى في حلمي به حدثا متوقعا، ذلك لأن الجنايني هو كائن حلمي. رقته وعذوبته وألفته وعاطفته وسلامه الداخلي ونغمة صوته، كلها تنسبه إلى عالم آخر، عالم لا تزال فيه العناصر تمتزج بعضها بالبعض الآخر، فتسيل فيه المعادن الصلبة وتتبخر السوائل وتعود أبخرته بأشكال كائنات حية، يسحرك الجنايني بعاطفته المكتومة فتود لو أن شفتيه تمكنتا من كل ذلك الكلام الذي صارت عيناه تضيقان به. في حلق الوادي رأيته أول مرة وفي الجم الأثرية أحببته وفي المحرس شغفت به، كل ذلك جرى في تونس وكان حوارنا عبارة عن كلمات متقاطعة، لن يكون الحوار مع الجنايني ممتعا إلاّ بذلك الأسلوب، فالرسام الذي كتب رواية عن ولعه بنساء مودلياني هو كثير الشبه بالرسام الإيطالي الذي عاش في باريس. أن تلتقي الجنايني فذلك يمنحك فرصة للقاء مودلياني بعاطفته الآسرة، شيء من ذلك الرجل الرقيق يمنحك فرصة للتفكير في الرسم باعتباره ضالة للأرواح الهائمة، لم يكن ممكنا أن يُقال له “لقد رأيتك في وقت سابق” فلا أحد يشبه الجنايني، إنه صنيع خياله، يمشي كمَن يمشي في نومه، لا يغضبه أنك لم تره فهو يعرف أنه غالبا ما يكون في حالة غياب، يصلك صوته الخفيض بقوة إيحائه، يتكلم كما لو أنه ينصت، ينظر في عيني مَن يكلمه كما لو أنه يبحث عن المقاطع الهاربة من الكلام. تدفعك قوة إنصاته إلى الاعتراف كما لو أنك تقف أمام قديس، شيء منه يظل عالقا بك ما أن تتركه، يذهب ذلك الشيء مباشرة إلى حلمك فتراه هناك مثل زهرة. جنايني هو حقا، ما إن يقترب حتى يغمر عطر خضرته الجميع، يمكنك أن لا تراه بسبب خجله، لكن من الصعب أن تنكر قوة حضوره، إن لم يكتب الشعر فإن الجنايني يعيش حياته مثل قصيدة. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :