ليس هناك لدى كل سعودي وعربي أهم من أن تتوقف إيران عن أطماعها القومية والتوسعية، وأن يستقر العالم العربي ويتجاوز اضطراباته ومصائبه ويتجه إلى مستقبل أفضل لشعوبه.العرب محمد العصيمي [نُشر في 2017/10/10، العدد: 10777، ص(9)] في المحيط المحلي السعودي لا يمكن أن تخطئ عين المراقب شغف مواطني المملكة بمتابعة زيارة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو وكـأنهم يتابعون مبـاراة نهائية في كـرة القدم لمنتخبهم الوطني. السبب في ذلك يعود إلى تغير المزاج السياسي الشعبي في المملكة بعد أن حققت الدولة على مستوى السياسة الخارجية، في أقل من ثلاث سنوات، ما لم تحققه في ما مضى من سنوات لظروف مختلفة؛ من بينها، أو من أهمها، ما يوصف في ما مضى بالتأني السعودي الزائد عن الحد في اتخاذ بعـض المواقـف، أو تأجيل هذه المواقف لاعتبارات ليس هنا مكان تفصيلها. في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز تغيرت الحال بسرعة ودخلت المملكة العربية السعودية بجرأة، لم تكن متوقعة، لا في العالم ولا في المملكة، حربا ضد الحوثيين الموالين لإيران في اليمن. وحشدت لهذه الحرب تحالفا سياسيا وعسكريا عربيا يحدث لأول مرة في تاريخ العرب الحديث من حيث عدد الدول العربية المشاركة فيه. تلى ذلك، في ديسمبر 2015، تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي ضم، فور الإعلان عنه، 41 دولة عربية وإسلامية، مع بقاء باب التحالف مفتوحا أمام باقي الدول الممتنعة في حال رغبت بالانضمام، كما فعلت سلطنة عُمان التي انضمت إلى هذا التحالف بعد عام من تشكيله. خطوة أخرى لافتة ومفاجئة تحدث عنها السعـوديون كثيرا وهي التحسن الملموس في العلاقات بين المملكة والعراق بعد أكثر من ربع قرن من الانقطاع والتأزم في العلاقات. وقتها قيل إن قادة البلدين أظهروا قدرة واضحة على تجاوز الخلافات أو ترحيلها وقدرة على مقاومة الضغوط الإقليمية، بل ومقاومة الضغوط المحلية، كما هي الحال في العراق بالذات. وبعد سلسلة من الزيارات واللقاءات بين المسؤولين من الدولتين والتي راقبها السعوديون بحرص ورضا، اتفقت الرياض وبغداد، أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى المملكة في يونيو الماضي، على تأسيس مجلس تنسيقي للارتقاء بعلاقاتهما إلى المستوى الاستراتيجي، الأمر الذي اعتبر تخليا سعـوديا عـن سيـاسة النأي بالنفس في الموضوع العـراقي وخطـوة مهمة لاسترداد العراق إلى الحضن العربي بعد أن بسطت إيران نفوذها عليه لما يقرب من 14 سنة. في يونيو الماضي، أيضا، حدث اختراق آخر في السياسة الخارجية السعودية لا يقل من حيث أهميته ومفاجأته عن قرار عاصفة الحزم والحرب السعودية- العربية ضد الحوثيين، حين أعلنت المملكة، مع البحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر، قطع علاقاتها مع قطر وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها حفاظا على أمنها القـومي ودرءا لتهديدات التنظيمات الإرهابية التي يرعاها النظام القطري ويمولها. وقتها تحفظ بعض السعوديين على المستوى العام من القرار، وعبروا عن ذلك بوضوح على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لكن حين وُضعت أمامهم شواهد ودلائل الاعتداءات القطرية الموثقة بالصوت والصورة تشكل إجماع سعودي مع المقاطعة، لم يخرج عنه سوى بعض المحسوبين على تنظيم الإخوان المسلمين، أو المتعاطفين معهم. بعد كل هذه الاختراقات في السياسة الخارجية السعودية جاءت زيارة الملك سلمان إلى موسكو. وفي أثناء هذه الزيارة اتضح حجم تنامي الوعي السياسي لدى عامة السعوديين بأهمية بلدهم وتأثيرها الدولي والإقليمي، واتضح أكثر تغير بوصلة سياسة المملكة الخارجية التي أصبحت، بعد دروس إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، تؤشر إلى علاقات وتحالفات دولية متعددة ومتنوعة على كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية. ولذلك كان التفاعل الشعبي السعودي مع الزيارة على وسائل التواصل الاجتماعي غير مسبوق؛ حيث شهد كل يوم من أيام هذه الزيارة وضع وسم (هاشتاغ) أو أكثر عن كل حدث أو تفصيلة من تفاصيلها؛ إلى درجـة حصول نقاش طويل ومتشعب عن مستوى استقبال الملك في مطار موسكو والتفقه في البروتوكول الروسي في استقبال رؤساء الدول. اهتم السعوديون أيضا بما يمكن أن تنتجه هذه الزيارة من تحجيم للعلاقات بين روسيا وإيران إلى أقل مما هي عليه حاليا، ففي يقين السعوديين، كما قال الأكاديمي المستعرب غريغوري سوشاتس للتلفزيون الروسي، أن إيران هي العدو الاستراتيجي لبلدهم في منطقة الشرق الأوسط، وكان من المهم أن تختار المملكة في علاقاتها مع روسيا، أخذا في الاعتبار العلاقة الوثيقة بين روسيا وإيـران، تكتيكا واقعيـا يخضع لقابلية التطور في السنوات القادمة بعد أن يصبح بالإمكان بناء المزيد من التعاون والثقة بين البلدين المهمين في الأمن الدولي والإقليمي. ما نصل إليه إذن، مع كل ما أحاط ونتج عن زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا، هو أن السعوديين الذين شهدوا عددا من الاختراقات السياسية الخارجية في غضون ثلاث سنوات أصبحوا أكثر قربا وتفاعلا مع هذه السياسة الناشطة والمؤثرة على المستويين المحلي والإقليمي، إذ ليس هناك لدى كل سعودي وعربي أهم من أن تتوقف إيران عن أطماعها القومية والتوسعية، وأن يستقر العالم العربي ويتجاوز اضطراباته ومصائبه ويتجه إلى مستقبل أفضل لشعوبه. كاتب سعوديمحمد العصيمي
مشاركة :