محمد بن سلمان قال إن عهد الملك سلمان سيكون عهد القضاء المبرم على الفساد ولن ينجو فاسد أيا كان بفعلته سواء كان أميرا أم وزيرا، وها هو يقفز هذا الجدار المستحيل ويسجل سابقة عربية لا تخص السعوديين وحدهم.العرب محمد العصيمي [نُشر في 2017/11/14، العدد: 10812، ص(8)] يفترض أن يكون عنوان هذه المقالة “ثورة محمد بن سلمان على الواقع السعودي” لكن كلمة ثورة غير محبذة في القاموس السعودي، ليس للكلمة ذاتها وإنما لما تحمله من دلالات على طبائع ونتائج الثورات العربية المعاصرة، سواء تلك التي حدثت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، أو التي حدثت في العامين 2011 و2012 وكانت نتيجتها سقوط عدد من رؤساء الدول في ظل ما سمي ثورات الربيع العربي. ومع ذلك إذا اعتمدنا هذه الكلمة واستخدمناها سعودياً فإن ثورة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ليست من ذلك القاموس البائس المفجع الذي وصل ببعض الدول العربية إلى أن تصبح دولاً فاشلة؛ كما هو الحال الآن في سوريا أو ليبيا أو اليمن، وحتى لبنان أو العراق الذي بدأ يشم نفسه أخيرا، بعد خراب استمر لأربع عشرة سنة؛ وبدأ يتلمس طريقه إلى الإمكانات المحلية والإقليمية المتاحة لإعادة البناء وإعادة الاعتبار إلى دولة العراق العربية المستقلة بقرارها والغنية بتاريخها وثرواتها. قبل ثلاث سنوات تقريبا لم أكن، باعتباري مواطنا سعوديا معنيا بالشأن العام، أحلم ولو بنزر يسير مما تحقق إلى الآن على كل الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المملكة، وبالذات على صعيد تمكين المرأة ومحاربة الفساد، والدخول في مرحلة جديدة كليا يقودها أمراء ووزراء في الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم. كان اليأس قد بلغ مدى كبيراً لدى النخب السعودية في حدوث إصلاحات اقتصادية واجتماعية خارقة؛ بعد أن طال تردد النظام وطال انتظار حدوث مثل هذه الإصلاحات الكفيلة بأن تنتقل دولة غنية ومؤثرة مثل المملكة من حالة ساكنة اعتيادية، إلى حالة متحركة وطامحة إلى تغيير جذري يطال كل شيء من السياسة الخارجية إلى السياسات الداخلية، لا سيما تلك السياسات التي تتعلق بحياة الناس وضمان حقوقهم واختياراتهم الحرة. في الرابع من نوفمبر الجاري حدث ما لم يخطر أبداً على بال أحد، بل إنه ربما، بالمعنى الإيجابي، شكل صدمة للسعوديين وللعالم، حيث توالت الأوامر الملكية وتوالت القرارات، في تلك الليلة التاريخية، بإطلاق حملة كبرى لمحاربة الفاسدين الكبار والقبض على أحد عشر أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء والمسؤولين السابقين ورجال الأعمال المتهمين بقضايا فساد.السعوديون بقيادة الملك سلمان ومحمد بن سلمان، يصنعون ربيعهم الخاص بهدوء وسلام ودون إسالة قطرة دم واحدة. هناك فحسب هدف واحد لهذه المرحلة غير العادية في حياة السعوديين، هو هدف التجديد والمعاصرة والمناعة لم ينم السعوديون ليلتهم تلك؛ ليس فقط بسبب حالة الاستبشار التي انتابتهم بعد سماعهم لهذه القرارات، بل لثقل الأسماء التي ترددت، وإن لم تعلن رسمياً، على وسائل التواصل الاجتماعي. كان الناس، وأنا أشخص الحالة هنا بصفتي شاهد عيان، بين مصدق ومكذب؛ إذ تصور السعوديون حدوث أي شيء في هذه المرحلة لكنهم لم يتصوروا مطلقاً أن يساق أمراء ووزراء ورجال أعمال كبار إلى التحقيق ويحاكموا مثلهم مثل المواطنين العاديين وربما، بعد المحاكمة، تصادر أموالهم وكياناتهم التجارية وممتلكاتهم العقارية. نفذ محمد بن سلمان إذن ما كان قد وعد به حين أجرى أول حوار إعلامي بمناسبة صدور رؤية المملكة 2030 ولم يأخذه الناس آنذاك على محمل الجد، فهو قال في ذلك الحوار المتلفز، إن عهد الملك سلمان سيكون عهد القضاء المبرم على الفساد ولن ينجو فاسد -أيا كان- بفعلته سواء كان أميرا أم وزيرا. وها هو عمليا يقفز هذا الجدار المستحيل ويسجل سابقة عربية لا تخص السعوديين وحدهم، بل أزعم إنها تخص كل العرب الذين يئسوا من تجفيف منابع الفساد وتحقيق العدالة في بلدانهم؛ رغم كل الدماء والتضحيات التي قدموها، فلربما تكون في هذه الخطوة السعودية، الخارقة عربياً بكل المقاييس، بارقة أمل وعدوى إيجابية تنتقل إلى المحيط العربي كله. من ذلك نستطيع أن نقول إن السعوديين، بقيادة الملك سلمان ومحمد بن سلمان، يصنعون ربيعهم الخاص بهدوء وسلام ودون إسالة قطرة دم واحدة. هناك فحسب هدف واحد لهذه المرحلة غير العادية في حياة السعوديين وهو هدف التجديد والمعاصرة والمناعة. ولكي يتحقق هذا الهدف لم يكن ممكنا القبول بأنصاف الحلول أو القبول بالمداورات التي كانت تحدث في السابق، كما كان يحدث مع رموز الصحوة والتطرف الذين اختطفوا الدين واعتبروه ملكية خاصة، أو المداورة والمجاملة مع من يستغلون أسماءهم ونفوذهم ويسطون على المال العام. وما يعنيه ذلك في نهاية المطاف، أن هناك أملا سعوديا كبيرا بدأ يتبلور بأن تكون المملكة دولة قوية في الداخل وفي الخارج، وبأن الرهان لتحقيق هذا الوضع المرتقب هو في تصويب الإرادة الوطنية دون هوادة في اتجاه القضاء على التطرف وعلى الفساد باعتبارهما المقوض لكل الإرادات وكل الطموحات في بناء دولة تحوز كل مكتسبات الحداثة والمعاصرة. وفي هذا السياق، بالمناسبة، ظهر خلال اليومين الماضيين، سؤال لدى الكثير من السعوديين الذين فوجئوا بحجم الهجوم على بلدهم وقيادتهم من أصوات عربية في أعقاب صدور قرارات محاربة الفساد، حيث لم يفهموا سبب هذا الهجوم الكاسح على عملية إصلاح تعد مطلباً ملحاً لدى كل الشعوب العربية. وليس هناك من تفسير سوى أن أي بارقة أمل تأتي من السعودية أو الخليج غير مرحب بها من محور العرب الإيرانيين ومن “القومجية” المحسوبين على هذا المحور. كاتب سعوديمحمد العصيمي
مشاركة :