سَأَلَني أَحدُهم قَائِلاً: «أَرَاك تَقضي الوَقت الطَّويل بَين الكُتب، فهَل مِن المُمكن أَنْ تُعطيني بَعض النَّظريَّات؛ التي خَرَجْتَ بِهَا؟» قُلت لَه: حَسنًا، سأَختَصر لَكَ مَا حَصدته مِن مَزرعَة الكُتب، وفَلاحة القِرَاءَة، والفَضل فِي ذَلك أوَّلاً وأَخيرًا - بَعد الله - يَعود إلَى الكُتب وأَصحَابهَا، ومَا أَنَا إلَّا كَما قَال الشَّاعر: «أَجود بمَالِ غَيري»، حَيثُ أُردِّد دَائِمًا البَيت الشَّهير:يَجودُ عَلينَا الطَّيّبون بمَالِهمونَحنُ بعِلم الطّيّبين نَجودُ!!إنَّ أَوّل القَواعِد التي خَرجتُ بِهَا مِن القِرَاءَة، أَنَّ الأمُور فِي الكون تَنقَسم إلَى قِسمين: قِسمٌ يُعرف بالحَقَائِق، وقِسمٌ آخَر يُعرف بالآرَاء، والحَقَائِق لَا تُمثِّل أَكثَر مِن 5% مِن وَاقِع الكون، والبَاقي كُلُّه آرَاء، ووَيلٌ لأُمّةٍ تُحوِّل الآرَاء والنَّظريَّات، والتَّصوُّرَات والأفكَار، إلَى حَقَائِقٍ ومُسلّمات..!ثَانيًا: خَلق الله - جَلّ وعَزّ - النَّاس للاختلَاف، ولَيس للاتّفَاق، وفِي ذَلك يَقول المَولَى - جَلّ وعَزّ-: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ)..!ثَالثًا: إنَّ الإنسَانَ يَقيس الأمُور حَسب تَصوّراته، وبِنيته المَعرفيَّة، وقَنَاعَاته المُسبَقَة، لذَلك هو يُحدِّد الصَّواب والخَطَأ؛ بُنَاءً عَلى خَلفيَّاتهِ الثَّقافيَّة، واعتمَادًا عَلى رَصيده المَعرفي الضَّئيل..!رَابِعًا: إنَّ الإنسَانَ كَائِن يَنمو ويَتطوَّر، ويَتجدَّد ويَتغيَّر، أَفكَاره قَبل خَمس سنوَات؛ لَيست هي أَفكَاره الآن، لذَلك مِن الحَمَاقَة أَن نَفرض آرَاءنا عَلَى النَّاس، ونُقنعهم بِهَا، فنَحنُ سنَتغيَّر ونَنمُو، وسنَكفر بِهَا، وهَذا مِن بَاب النَّذَالَة الفِكريَّة..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي القَول: هَذه بَعض التَّصوُّرات التي خَطرَت فِي بَالي؛ أثنَاء الإجَابَة عَن السُّؤَال، وبالتَّأكيد هُنَاك غَيرهَا، ولَديكم أَكثَر مِنهَا، بَل حَتَّى هَذا المَقَال ومَضمونه، ومَا جَاء بِهِ، قَد تُصيبه عَدوَى النَّذَالَة، وأَتنَازَل عَنه لصَالح مَزبلة التَّاريخ..!!
مشاركة :