أكد الإعلامي بقناة الجزيرة محمد كريشان، أن «الجزيرة» بدأت منذ تأسيسها حلماً طموحاً كسرت من خلاله ما كان سائدا في الإعلام التقليدي في ذلك الوقت. وقال كريشان في حوار خاص مع «العرب» إن «الجزيرة» دخلت طوال العشرين عاماً الماضية معارك ومنافسات في عدة قضايا، لكنها المرة الأولى التي تدخل في صراع ونزاع مباشر يستهدف النيل من القناة ودولة قطر، لافتاً إلى أن الهجمة الشرسة من إعلام دول الحصار، وتحوّلها إلى «هيستيرية وهلوسة إعلامية»، واكبتها تقارير موضوعية من القناة دون اللجوء إلى الفبركات والترّهات. وأكد كريشان أن إغلاق مكاتب القناة بعدد من الدول لم يحدّ من توسعاتها، مشيراً إلى أن تقنية الهاتف المحمول جعلت من السهل الوصول إلى الحقيقة، معتبراً أسلوب إغلاق المكاتب بدائياً لا يرقى إلى المهنية، فيما نوه إلى أنه سوف يقوم بتقديم برنامج جديد اسمه «سيناريوهات»، وهو عبارة عن برنامج سياسي استشرافي. وفيما يلي نص الحوار..كنت من أوائل المؤسسين لقناة الجزيرة عام 1996، فكيف تراها بعد عقدين من الزمن؟ - «الجزيرة» بدأت حلماً وطموحاً، لا يدري أحد إن كان سوف يتحقق أم لا؛ فعندما جئنا إلى دولة قطر لم يكن يتوقع كوادر العمل -سواء من الصحافيين، أو المعدّين، أو الفنيين، أو المذيعين- أن المشروع سوف يصل إلى هذا الحجم من الضخامة والشهرة والتأثير. ولكن بعد مرور 20 عاماً، أصبح المولود شاباً يافعاً، كبر وتحوّل من المحلي إلى العالمي؛ فبداية تأسيس القناة كانت تتلمّس طريقها إلى الحرية، وكسر التقاليد السابقة، والطموح إلى الاختلاف عن الإعلام السائد والمعروف في تلك الفترة، ولم تكن هناك هوية أو قالب معين للقناة. ولكن المؤسسين صنعوا هوية عبر التجارب السابقة، والتجربة بين الصواب والخطأ. وبالطبع، لا يمكن لأي مؤسسة إعلامية الاستمرار على ملامحها الأولى نفسها؛ فالكائن الإعلامي يتفاعل مع الأوضاع السياسية، ومن ثم لا بد من التغيير والتقييم خلال فترات معينة. البعض يتهم «الجزيرة» بعدم الحيادية والتحيّز نحو طرف آخر، خاصة بعد ثورات الربيع العربي. - «الجزيرة» بدأت مختلفة منذ اليوم الأول، وكانت منفتحة على جميع التيارات، وهذه بداية شجعت الجميع على المشاركة. لكن الظروف والتغيرات السياسية التي حدثت مؤخراً، جعلت من الصعب أن يستمر الإعجاب والمشاركة نفسهما لمدة عشرين عاماً. وهذا ليس قراراً مسبقاً من «الجزيرة»، ولكنها أوضاع سياسية فرضت على بعض التيارات عدم المشاركة لتوجهات؛ فمثلاً جميع التيارات المعارضة للرئيس مبارك كانت تجد لها مكاناً على شاشات «الجزيرة». لكن في الوقت الحالي نجدهم يرفضون المشاركة بحجة تأييد «الجزيرة» لـ «الشرعية»؛ مما يعتبرونه تحيزاً، لكننا نراه تأييداً لصناديق الاقتراع، وانحيازاً لشرعية الشعب. هل كنت تعتقد عندما التحقت بقناة الجزيرة أنها ستكون إحدى الوسائل التي تساهم في تحريك المياه الراكدة بالإعلام العربي؟ - منذ اليوم الأول لانطلاق القناة بدأت مختلفة، عبر استضافة شخصيات كان الإعلام الرسمي في دولها يطاردها، وكانت منفية في الخارج أو قابعة في السجون، وممنوعة من الظهور الإعلامي. وعندما سمحت «الجزيرة» لها بإعطائها مساحة من الحرية، جعلت لها صبغة وشهرة مختلفة عن الإعلام الآخر، فكانت «صوت من لا صوت له». إلى أي مدي نجحت «الجزيرة» في الخروج من الإعلام التقليدي إلى المواكبة في ظل الثورة التكنولوجية؟ - نعم، يُحسب لـ «الجزيرة» مواكبتها للتقنيات الجديدة، وبالطبع هناك من يصنّف الإعلام التلفزيوني بالتقليدي والقديم، كونه على وشك الاندثار. كما أن المستقبل في إعلام وسائل التواصل، ولقد أدخلت «الجزيرة» عدداً من التقنيات في عملها مثل «AJ+»، وبعض القنوات على «فيس بوك»، كما أن هناك نشرة إخبارية تُقدّم يومياً من مواقع التواصل، وترصد أهم التغريدات والفيديوهات وغيرها؛ مما ساهم في انفتاح كبير لـ«الجزيرة» على التقنية الجديدة. هل ترى أن «الجزيرة» كانت إحدى الأدوات التي شجعت على توصيل المعلومة عبر الهواتف؟ - عندما انطلقت ثورات الربيع العربي في عدد من الدول، أصبح من الصعب وصول المراسلين إلى الأماكن كافة التي يحدث بها تجمعات أو ثورات، وكان هناك عدد من المتطوعين يقومون بتصوير الأحداث وإرسالها إلى القناة، ونحن بدورنا نتحرى الدقة ونقوم بنشرها؛ مما ساهم في زيادة تلك التقنية، واعتماد البعض عليها في إيصال صوته إلى وسائل الإعلام الدولية. وقام معهد الجزيرة للإعلام بتبنّي تلك الفكرة، وقدّم عدداً من الدورات في فنيات إعداد التقارير الصحافية عن طريق الهاتف. كما كانت هناك صعوبة في استضافة أشخاص عبر الأقمار الصناعية، ولكن الهاتف حل تلك المشكلة، والدليل على ذلك أن بعض الدول التي أغلقت مكاتبنا يتم فيها استضافة أشخاص عبر الهاتف. كيف واجهت «الجزيرة» الحملات المفبركة لإعلام دول الحصار؟ - «الجزيرة» دخلت طوال العشرين عاماً الماضية معارك ومنافسات في عدة قضايا، أهمها: العراق، وجنوب لبنان، وفلسطين، وأفغانستان. لكن لأول مرة تدخل «الجزيرة» معركة مباشرة عن دولة قطر للدفاع عنها و نصرتها، حتى وصل الأمر للمطالبة بإغلاق القناة؛ لذلك كان الرد على ذلك عبر تقديم الجزيرة عدداً من التقارير الإخبارية المهنية البعيدة عن نطاق الخزعبلات و»الهلوسة الإعلامية»، الذي تورطت فيه وسائل إعلام دول الحصار. كما أن القناة لم تقف بشكل مباشر مع دولة قطر منذ انطلاقها لتدافع عنها إلا في تلك الفترة؛ للتجاوزات التي حدثت. ما رأيك في إغلاق مكاتب القناة بعدد من الدول؟ - لقد اعتدنا على تلك التصرفات طوال المدة السابقة. ولكن ما يؤسفنا أن القاهرة رغم المد والجزر بين «الجزيرة» والسلطات المصرية طوال فترة حكم الرئيس مبارك، فإنها لم تقم بإغلاق مكاتب القناة، فكانت لديهم ملاحظات أو قيود لاعتبار أن مصر لديها وزن محوري في العالم العربي، ويجب أن تخرج أصوات من مصر مؤيدة ومعارضة، كما أن أسلوب إغلاق المكاتب هو أسلوب بدائي لا يرقى إلى المهنية، كون المكتب يفتح الأصوات للمعارضين أو المؤيدين، وكانت السلطات المصرية تقدّم تقارير إيجابية نقوم بدورنا بنشرها من مبدأ حق الرد. كما أن هناك آلية أخرى هي إرسال الصور والتقارير عبر الهاتف والإنترنت، وفي النهاية يكون الخاسر هو النظام الذي أغلق القناة. ونحن نقوم بافتتاح العديد من المكاتب بعدد من الدول الأخرى مثل إثيوبيا. ما البرنامج المفضل الذي كان كريشان يتمنى تقديمه؟ - في الحقيقية ليس لدي برنامج خاص أسعى إلى تقديمه، ولكنني أفضل العمل في التقديم الإخباري المباشر والمقابلات؛ مما أكسبني فسحة واسعة من التنوع، جعلتني أشعر بعشق العمل الحواري الإخباري. إلى أي مدى خرج إعلام دول الحصار عن المهنية، وكيف تصفه من خلال تحليلك الإعلامي؟ - إعلام دول الحصار خرج عن المهنية ليتحول إلى «الهيستيرية والهلوسة الإعلامية»؛ فمثلاً عندما تقرأ عن مظاهرات في قطر، وقمع من الحرس الثوري للمتظاهرين، وحظر تجوّل، وجملة من الترّهات أظهرت ضحالة هذا الإعلام، ووصوله إلى حالة من الهيجان والسعار، نتيجة توجهه إلى قضية معينة متناسياً دوره في التوعية وتقديم المعلومة للمشاهد بشفافية وموضوعية. صرّحت أكثر من مرة أنك تعتبر «الجزيرة» جزءاً من «الميراث»، فهل يعني أن هناك زواجاً كاثوليكياً بينك وبين القناة؟ - هذه مزحة، ففي إحدى الجلسات وقع سجال واحتد النقاش، وكان موجوداً سعادة الشيخ حمد بن ثامر رئيس مجلس إدارة الشبكة، وقدّمت اعتذاري، وقلت إن تصرفي نابع من أن «الجزيرة» هي من ممتلكات والدي وأعتبرها ملكاً خاصاً. والطريف في ذلك أن الشيخ حمد طلب مني المواصلة على اعتبارها كذلك. كما أنه في حفل الذكرى العشرين لـ«الجزيرة» وبحضور سمو الأمير قلت: أواصل باعتبار أن «الجزيرة» من ممتلكات والدي؟ فأجاب سموه: نعم واصل. مما يدل على أن «الجزيرة» ليست مكاناً للعمل وكسب الرزق فقط، ولكنها تُعتبر مشروعاً، بدأ بطموح واستكمل مشواره، خاصة لدى المؤسسين. ما الجديد الذي يمكن أن يقدّمه كريشان للقناة، خاصة في ظل انفتاحها على برامج أخرى؟ - هناك برنامج جديد اسمه «سيناريوهات»، وهو عبارة عن برنامج سياسي استشرافي ينظر إلى القضايا الأكثر جدلاً وإلى أي مدى تذهب، كما يرسم مجموعة من السيناريوهات، ليصل في النهاية إلى السيناريو الأكثر ترجيحاً. ومن ثم يعتمد على خبراء ومختصين في الشأن لوضع افتراضية معينة على بعض الأزمات تحدث بعد مرور فترة من الزمن، مثل الأزمة الخليجية وماذا يحدث إذا استمرت بعد مرور عام أو عامين.;
مشاركة :