"محرومين" صورة قريبة للمجتمع اللبناني بلا أقنعة بقلم: ناهد خزام

  • 10/19/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

محرومين صورة قريبة للمجتمع اللبناني بلا أقنعةيسلط المسلسل اللبناني “محرومين” الضوء على النماذج المهمشة داخل المجتمع اللبناني، إذ يبتعد العمل عن الشرائح المخملية من المجتمع التي تدور حولها معظم الأعمال الدرامية اللبنانية أو العربية على نحو عام، يجمع المسلسل الذي يستمر عرض حلقاته حاليا على قناة “أم تي في” بين عدد من الخيوط التي تتشابك معا لتصنع توليفة درامية جيدة وجديرة بالمتابعة. العرب ناهد خزام [نُشر في 2017/10/19، العدد: 10786، ص(16)]صورة قريبة من المجتمع اللبناني من دون عمليات تجميل بعيدا عن بهرج القصور والمنازل الفارهة يتجول مسلسل “محرومين” اللبناني بين الحارات والأزقة والمناطق اللبنانية النائية ليقترب من المنسيين، هؤلاء الذين لا تتجاوز أحلامهم حد العيش بشرف وكرامة، ولا يطمحون سوى للارتباط والحب والإنجاب أو “الستر”، كما يقول المثل المتداول، والمسلسل من إخراج وائل بوشعر وتأليف غريتا غصيبي. حتى الطبقات المهمشة لا تخلو من وجود الفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية فيما بينها، ما يولد العديد من الصراعات ويخلف الكثير من الأحقاد والآمال الضائعة التي لا سبيل إلى تحقيقها كما يرى البعض سوى الخروج من دائرة الفقر والعوز. وتلخص الفنانة اللبنانية هيام أبوشديد ذلك الأمر بنصيحتها التي تلقيها على مسامع ابنتها آية، وتحذرها خلالها من الارتباط برجل فقير، فهي تبحث لابنتها عن رجل ينتشلها من هذا الفقر ومن حياة الشقاء، كما تقول، حتى لو كان هذا الرجل يعمل على إغواء الفتيات مثل “غياث كرم” الذي يلعب دوره الفنان جهاد الأندري، غير أن رغبتها تلك تصطدم بطبيعة الشخصية القوية التي تتميز بها ابنتها آية التي تنظر إلى السعادة على نحو مختلف عما تراه أمها، فمن سيكسب منهما الرهان في النهاية؟ "محرومين" التجربة الدرامية الثالثة التي تجمع بين طوني عيسى وجوي خوري بعد مسلسلي"عشق النساء" و"علاقات خاصة" يقترب العمل من حياة مجموعة من العاملين في مركز للإسعاف في إحدى البلدات اللبنانية، تتشابك قصص هؤلاء وتتفاعل تفاصيلها مع بعضها البعض ومع آخرين. أما القصة المحورية للمسلسل فتدور حول طارق بدران الذي يؤدي دوره الفنان طوني عيسى، وهو رجل فقير يعمل في مجال المعمار ويعول ابنة وحيدة بعد أن تخلت عنها أمها، والتي تؤدي دورها نجمة “الفور كاتس” السابقة نسرين زريق، وهي التجربة الدرامية الأولى لها. ويُحمّل الأب طارق مساوئ تجربة الارتباط الفاشلة التي مر بها لكل النساء على ما يبدو، إذ تخلف لديه هذه التجربة آثارا من التوجس إزاء كل ما هو متعلق بالمرأة، ما يدفعه للانطواء على نفسه وابنته، حتى أنه يمنعها من الاختلاط بالآخرين ويحبسها في البيت مخافة أن يتم اختطافها. وفي المقابل تلعب المصادفة دورها في تعرّفه على “آية”، وهي واحدة من العاملات في مركز الإسعاف، وتؤدي دورها الفنانة جوي خوري، فتقتحم آية حياة طارق وابنته على نحو مفاجئ، وتبدأ العلاقة بينهما في التطور، فيجد طارق نفسه في صراع بين قناعاته المتوجسة من النساء وبين شعوره المتزايد بالعاطفة التي بدأت تتولد تجاه هذه الفتاة الجديدة التي اقتحمت حياته. تشتبك قصة آية مع قصص أخرى لزملائها في مركز الإسعاف الذي تعمل فيه، تتلاقى حكايات هؤلاء المسعفين مع بعضهم البعض ويوحّد بينهم ذلك الشعور بالمعاناة التي يشعر بها الجميع لأسباب مختلفة، إذ تعاني رشا من قهر والدها وأخيها، في حين تسعى إلى الارتباط بطلال ذلك الشاب الذي يسعى بجد إلى الارتباط بها رغم كل الظروف العائلية والمادية والخلافات العشائرية بين أهله وأهلها، أما زميلتهما ضحى فتجد نفسها فريسة للصراع بين حبها لزوجها ورغبتها في الانفصال عنه بسبب معاناته النفسية من جراء عدم قدرته على الإنجاب. استطاعت الكاتبة غريتا غصيبي تجميع هذه الأطراف معا لتكوّن نسقا دراميا خاصا تقف فيه الأدوار الصغيرة على نفس القدر من الأهمية مع الأدوار الأكبر مساحة، ولا بد هنا من الإشادة بعدد من الفنانين من أصحاب الأدوار اللافتة، والتي قد لا تشغل حيزا كبيرا في مساحة العمل إلاّ أنها امتلكت بعدا محوريا في سياق المسلسل على مستوى الأداء أو طبيعة الدور الذي تلعبه.الطبقات المهمشة لا تخلو أيضا من وجود الفوارق الطبقية والاجتماعية والثقافية فيما بينها، ما يولد الصراعات ويخلف الأحقاد وفي هذا السياق يطالعنا الفنان عبدو شاهين بدور “شاهين” الكوافير النسائي، وهو يمثل تركيبة خاصة ونمطية، ولكن رغم نمطيتها الفجة أحيانا، إلاّ أن الفنان عبدو شاهين يلفت الانتباه هنا لقدرته على تنويع الأدوار التي يقوم بأدائها من عمل لآخر. أجاد شاهين أداء دور الرجل المتغنج بحكم تعامله المستمر مع النساء، وهي نوعية مختلفة تضاف إلى رصيده من الأدوار التي أداها من قبل، وبمرور الوقت يثبت شاهين أنه فنان متنوع الأداء لا يقف عند نمط محدد من الشخصيات، فهو يقوم بدور البلطجي أو القبضاي بنفس القدر من التمكن الذي يقوم فيه بدور الضعيف أو المغلوب على أمره، كما أن له حضورا كبيرا على الشاشة. ومن بين الأدوار اللافتة أيضا دور الفنانة هيام أبوشديد في دور سميرة والدة آية (جوي خوري) وهو بين الأدوار المميزة في هذا المسلسل، وأجادت أبوشديد دور الأم خفيفة الظل التي تحاول بشتى الطرق الخروج من دائرة الفقر بدفع بناتها للارتباط برجال أغنياء، فهل تنجح في ذلك؟.. هذا ما ستسفر عنه الحلقات القادمة من المسلسل بالطبع. ولا تفوتنا هنا أيضا الإشادة بدور الفنان جهاد الأندري الذي أدى دور غياث كرم، وهو شخص ماكر يبحث عن فتيات جميلات لاستغلالهن في أعماله المشبوهة، واستطاع الأندري أن يجسد الدور على نحو لافت، وكذلك الفنان مجدي مشموشي في دور المعلم سلمان الباحث عن عروس جميلة حتى لو أدى ذلك إلى تحطيم قلب عامله الشاب طلال، والذي يحاول سلمان الإيقاع بحبيبته. وتجدر الإشادة أيضا بالفنانين إلياس الزايك وجو طراد وإيلي متري ومايسي عبود وسارة حاج علي وفرح عمرو وشيرين أبوالعز، كما يُشادُ على نحو خاص بكل من طوني عيسى وجوي خوري، إذ يعد هذا المسلسل التجربة الدرامية الثالثة التي تجمع بينهما بعد مسلسلي “عشق النساء” و”علاقات خاصة”. نجح صناع مسلسل “محرومين” في الخروج عن تلك الصورة النمطية التي اعتدنا عليها في الأعمال اللبنانية، فالعمل يسلط الضوء على تلك الشريحة الفقيرة والمتوسطة من المجتمع اللبناني، وهي الشريحة الغائبة عادة عن المعالجات الدرامية التلفزيونية، فنحن هنا إزاء دراما لبنانية خالصة ترسم صورة مغايرة لما اعتدنا رؤيته، أو هي صورة قريبة إلى المجتمع اللبناني من دون عمليات تجميل.

مشاركة :