في الفكر الإداري: فن تقسيم المركزية

  • 10/23/2017
  • 00:00
  • 32
  • 0
  • 0
news-picture

تشكلت مجتمعاتنا ثقافياً وإدارياً في إطار دمج التقليدية ذات التراث العقدي في معظمه وبين منظومة الرأسمالية العالمية كون الكثير من مجتمعاتنا العربية لم تتبن الاتجاهات غير الرأسمالية وأعني الماركسية نظراً لتباعدها الثقافي والاجتماعي مع وسائل العيش والتراث في تلك المجتمعات.. مسألة شائكة وتحديداً في مجتمعاتنا تلك المرتبطة بتحقيق وصول مناسب نحو فهم ما هو الممكن إدرايا في مجتمعاتنا، وهل يمكن أن تسهم التحولات نحو الحداثة والتغيير في تقليل مخاطر المركزية أو ما يمكن تسميته (الكوليسترول الإداري)، في إطار البيروقراطية التي لم يعد العالم يتحدث عنها بعمق كما هي موجودة في مجتمعات كثيرة ومنها مجتمعاتنا العربية، في الخليج تفكر المجتمعات بجدية من أجل اختراق حاجز الصوت للوصول إلى تحول مجتمعي يسمح لشعوب الخليج بممارسة التحول والحداثة بكل دقة. نحن بحاجة ماسة إلى نموذج تحولي في الفكر الإدراي بغض النظر عن الكلفة الثقافية التي يجب أن ندفعها من أجل هذا التحول، الذي يجب أن يحدث وبكل إصرار، أنا من الذين يؤمنون أن التحول والتغير لا تصنعه الظروف بل هو يصنعها ويتحمل كل تبعاتها، بمعنى دقيق التحول من حالة إدارية وفكرية وثقافية ومجتعية ليست مرتبطة بأي ظروف يمكن أن تمهد لها الطريق فهي استجابة مباشرة لتحولات دولية وعالمية ولا يجوز حتى التفكير بالتأخر عنها. سؤال ملح آخر يقول لماذا إذن وفي مجتمعاتنا العربية تحديداً تواجه الكثير من برامج التحول أزمات تقنية وثقافية واجتماعية تعمل على تحديها وإيقافها؟ الجواب كبير جداً ومن المؤكد أنه يحتاج إلى دراسة مستفيضة ولكن هناك مؤشرات يمكنها أن تدلنا على أبرز تلك المعوقات وخاصة في عمق النظام البيروقراطي وأعني تحديداً المركزية، كما يمكن أن نضيف إلى هذا المؤشر الكيفية التي تطرح فيها قضية الانتقال إلى الحداثة في المجتمعات التقليدية. خلال العقود الأربعة الماضية دخلت مجتمعاتنا نحو تعاطي مفاهيم الحداثة والعولمة وليس شرطاً أن تكون قد أصبحت جزءاً من هذه المنظومة أو أنها فقط تستجيب لظواهر التحول العالمية من حيث تعاطي فكرة العولمة والحداثة، قضينا العقود الثلاثة الماضية في أزمة فكرية وثقافية وعشنا صراعاً متعدد الأطراف إلى درجة أن فكرة الحلال والحرام أصبحت جزءاً من قبول فكرة التطور أو رفضها، لقد توقفنا عند نقطة مهمة مفادها أننا إما غير قادرين على التحول أو أن نؤمن بأن التطور والتحول أصبح جزءاً من المحرمات المجتمعية تحت منظومة الثبات على مكتسبات الماضي ورفض فكرة التغيير. في مجتمعنا يميل منتقدو التحول والتغيير إلى اعتبار فكرة التحول، فكرة لا يمكن للمجتمع استيعابها بشكل دقيق، وأنها وسيلة من وسائل الغزو الثقافي للمجتمع، في الحقيقة إنه نظرياً يمكن التفكير في هذه الفكرة، فهناك الكثير من النظريات التي أطلقت وحاولت أن تربط بين فكرة العولمة والحداثة بكونها نتيجة لتوسع الرأسمالية، وهذه ما تمت منقاشتها بشكل دقيق في كتاب عنوانه (السوسيولوجيا المعاصرة)، ما يهمني هنا هو الكيفية التي تتعامل بها مجتمعاتنا اليوم مع مشروعات التحول والتغيير الاجتماعي والثقافي والفكري وهذا ما جعلني أجادل في هذه المقالة حول فكرة (تقسيم المركزية)، كأحد الحلول لتفكيك التكتل، الفكري - الثقافي - الإدراي، المقاوم للتغيير تحت منظور التقليدية وخاصة في المجتمعات الفرعية والأطراف. تشكلت مجتمعاتنا ثقافياً وإدارياً في إطار دمج التقليدية ذات التراث العقدي في معظمه وبين منظومة الرأسمالية العالمية كون الكثير من مجتمعاتنا العربية لم تتبن الاتجاهات غير الرأسمالية وأعني الماركسية نظراً لتباعدها الثقافي والاجتماعي مع وسائل العيش والتراث في تلك المجتمعات. هل مجتمعاتنا قابلة للتحول والتغيير مع الالتزام بقدر مناسب من التقليدية السائدة؟ أعتقد أنه يمكن بناء نموذج للتحول يخص هذه النوعية من المجتمعات، ولكن يجب علينا أن ندرك أن أي إخلال في قواعد الحداثة وأركانها الأساسية سوف يجعلها هشة وغير قابلة للتطبيق، وعلى الجانب الآخر يجب أن نعرّف وبدقة ما نحن بحاجة إليه من تقليدنا، لأن حجم الإضافات التي تراكمت علينا خلال العقود الماضية أنتجت ما لا يمكن لأي مجتمع في هذا الزمن تحمله. نحن بحاجة إلى أن نطلق مشروع التغيير بشكل ثقافي، بعد أن أطلقناه بشكل إداري بكل عناصره ومحتوياته، وهذا يعني أن يتحول المجتمع إلى ورشة عمل من النقاشات تحت قبب الجامعات ومراكز الحوار والمؤسسات الثقافية، فهذا النهج سوف يقودنا إلى ممارسة (تقسيم المركزية) على جميع المستويات فكرياً وثقافياً، كل ذلك من أجل صناعة مجتمع متفاعل مع مشروعات التحول والحداثة ومشارك في فهمها كما فهمها المسؤول والمشارك في بناء عمليات التغيير والتحول.

مشاركة :