أيها الكُتَّاب، إنه دوركم، فبدلا من إحباط كل محاولة لتوسيع حقل الكتابة ابذلوا جهدا في مراجعة المفاهيم وادفعوا ورش ودورات الكتابة الإبداعية العربية خارج النفق.العرب وليد علاء الدين [نُشر في 2017/10/27، العدد: 10794، ص(14)] انتشرت عربيا وبشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية ورش ودورات الكتابة الإبداعية. وهي في المجمل –كما أراها- ظاهرة صحية، تنم عن زيادة وعي بدور الكلمة المكتوبة، حتى لو كان الأمر نتيجة لطلب متزايد على كتابة أنواع أدبية بعينها طلبا للشهرة أو أملا في الحصول على ما يُرصد لها من جوائز مغرية. وأيا كان الدافع، ففي النهاية الفرز متروك للزمن. ولا مشكلة إذا زاد الكمُّ وتراجع الكيف –مؤقتا- لأن هذا الكم يشكل بيئة ثرية ووسطا مفيدا يسمح بظهور إنتاج نوعي مميز. كما أنه له فوائده في نواح أخرى كثيرة. في مقدمة تلك الفوائد، أن هذا الكم الكبير من محاولات الكتابة هو وثائق اجتماعية دالة، وشهادات غنية على ملامح العصر من زوايا عديدة وخلفيات متنوعة ثقافيا واجتماعيا ودينيا وربما عرقيا. وهي شهادات لا يمكن توفيرها بأي حال من الأحوال وبموجب أي رغبة من الرغبات –على هذه الصورة- داخل تجربة ميدانية أو بحث علمي مهما بلغت ضخامة الميزانيات المرصودة له. ولا يعطل سوى غياب مؤسسات وجهات رسمية أو خاصة معنية بمتابعة ظواهر المجتمع ومنتجاته وتحليلها ودراستها. هذا الكم ينطوي كذلك على فوائد ربما تبدو لبعض الناس غير مقنعة، ولكنها حقائق، يمكن بقليل من التأمل الهادئ تلمس وجه الأهمية فيها. من ذلك؛ التفكير في أن انشغال الشباب بمحاولات التعبير عن أنفسهم بالكتابة، أو الحصول بواسطتها على نظرة احترام وتقدير اجتماعي، هو بديل رائع للانكفاء على الذات والإحباط، أو الانخراط في تيارات التطرف والإرهاب لمعاقبة المجتمع الذي أهملهم. لن يخلو التفكير في ظاهرة رواج الكتابة والانشغال بها من إيجابيات، لذلك فإنني أندهش من محاولات البعض تكسير مجاديف كل تجربة ورشة أو دورة كتابة إبداعية، والهمز واللمز بحق مديرها والقائمين عليها. دعنا من التفتيش في دوافع من يرغبون في ممارسة الكتابة، ولنحاول فهم دوافع الرافضين للأمر. في ظني أن هذا الرفض –الذي يبدو لي متعاليا- راجعٌ في أساسه إلى خلل في المفهومين الأساسيين لعملية الكتابة الإبداعية، وهما: الكتابة، والإبداع. أضف إلى ذلك خلل متوارث في مفهوم الموهبة ملتبس بأوهام حول أنها منحة من قوى أعلى في مساحة تشبه الوحي السماوي أو المدد الشيطاني. وهو خلل يمتد هنا ليتصل بمفهومي التعلم والتدرب، ليصبح الأمر مأساويا بعمق عند جمع الأمرين معا في دورة تعلم أو تدرب على الكتابة الإبداعية. أشارك الرافضين الرأي إذا كانت الورش ودورات التدريب تنبع من منظومة الخلل المفاهيمي تلك، فتتحول إلى ورشة مدرس وتلاميذ، أو معلم ومتعلمين، أو حتى ورشة خبير يسعى لنقل خبرته إلى راغبين. كل هذه الأشكال النمطية من التواصل محكوم عليها بالفشل في أي مجال، فما بالك حين يتعلق الأمر بالإبداع! المشاركون في ورشة كتابة إبداعية هم أشخاص يفترض أنهم تواقون للتعبير عن ذواتهم بواسطة أحد فنون الكتابة الإبداعية. والكتابة عملية إنتاج، بمعنى أنها عملية تحويل مُنتج من حالته المعنوية اللامادية إلى حالة مادية ملموسة ذات مواصفات متواضع عليها –على الأقل في وقت الفعل. رغم توفر الرغبة والتوق فإن هذه العملية –أي التحول من معنوي إلى مادي- تقف أمامها الكثير من العوائق، منها ما هو ذاتي متعلق بالذات الراغبة في الكتابة، ومنها ما هو عام بسبب الثقافة السائدة، المحكومة بالمفاهيم المغلوطة عن كل ما يتعلق بالكتابة الإبداعية وأشكالها، وعن العناصر المؤثرة في معادلتها، إضافة إلى سيادة حس تقديس النماذج والأشخاص والتجارب من دون نقد أو مراجعة تحفظ للريادة والتاريخ حقوقهما وتحرر الإبداع من قيودهما. أيها الكُتَّاب، إنه دوركم، فبدلا من إحباط كل محاولة لتوسيع حقل الكتابة ابذلوا جهدا في مراجعة المفاهيم وادفعوا ورش ودورات الكتابة الإبداعية العربية خارج النفق. شاعر مصري مقيم في الإماراتوليد علاء الدين
مشاركة :