مسعود البارزاني حاول أن ينقل الحلم الكردي إلى الواقع وفشل. أما إذا استقال فإنه سيحول هزيمته إلى انتصار، وهو ما يمكن أن ينظر إليه كل كردي بفخر.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2017/10/27، العدد: 10794، ص(8)] إن استقال مسعود البارزاني من منصبه رئيسا لإقليم كردستان العراق، فإنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه باعتباره أول سياسي يستقيل من منصبه بسبب فشله في إدارة وظيفته وتصريف شؤون مواطنيه في العالم العربي. تلك سابقة تاريخية ستهب البارزاني صفة السياسي الذي يؤمن بالديمقراطية، وستحرر الأكراد من عقدة الزعيم التاريخي إلى الأبد. وهو ما يمكن أن يحدث تحولا عظيما لدى شعوب المنطقة في فهم علاقتها بحكامها. سيحق للأكراد يومها أن يلحقوا مسعود البارزاني برموزهم الوطنية التاريخية. لقد ضحى الرجل بمستقبله السياسي من أجل مستقبل شعبه. أنا على يقين من أن الزعيم الكردي لو أقدم على الاستقالة لن يحظى باحترام وتقدير شعبه فحسب، بل ستنظر إليه شعوب العالم كله بإجلال تقديرا لتضحيته. مسعود هو ابن النضال الكردي من أجل الحرية. فالرجل الذي ولد قبل سبعين سنة في مهاباد، الجمهورية الكردية التي وأدت في إيران، يحمل في دمه تاريخا من التضحيات من أجل أن يقوم وطن قومي للأكراد. غير أن عيبه أنه يحكم بالطريقة التقليدية، وهو ما يجعله زعيما شعبويا من غير أن يؤهله ذلك للانتقال بشعبه إلى العصر الحديث. لقد دخل مسعود منذ العام 1991 في غيبوبة عشائرية لم تعد تسمح له بالنظر إلى متغيرات السياسة الدولية بعيني سياسي معاصر. لذلك راهن على استفتاء الانفصال الذي كان يعرف أن نتائجه كانت جاهزة. كان رهانه شعبيا وهو محق في ذلك، غير أن ميزان السياسة لا يضع أحيانا الشعوب في اعتباره. وهو ما أخطأ البارزاني في فهمه.استقالة مسعود البارزاني ستهبه صفة السياسي الذي يؤمن بالديمقراطية، وستحرر الأكراد من عقدة الزعيم التاريخي إلى الأبد. وهو ما يمكن أن يحدث تحولا عظيما لدى شعوب المنطقة في فهم علاقتها بحكامها في لحظة عمى تاريخية قرر الزعيم الكردي أن يقفز خارج المربع المسموح له بالإقامة واللعب فيه. لقد تعامل بخفة غير متوقعة من زعيم بحجمه مع العوامل الإقليمية والعالمية، وكـان واضحا أن إسرائيل وحـدها تدعمه في رهانه الانفصالي. في المحصلة فإن البارزاني قد خسر رهانه الشعبي، فهل كان ذلك مدعاة لخسارته شعبيته التي يستمدها من تاريخ نضالي طويل؟ تتخلى الشعوب عن زعمائها في لحظة ضيق غير متوقعة. لست في مجال المقارنة، ولكن ذلك ما حدث لشارل ديغول في العام 1968 حين تخلى الشعب الفرنسي عن زعيمه التاريخي من أجل التغيير وإقامة دولة جديدة. ما يحلم به الشعب الكردي في العراق أن يعيش حياة حرة كريمة. وهو حلم تبين للأكراد أنه غير قابل للتحقق في ظل زعامة عشائرية تتاجر بتضحياته من أجل أن تتضخم ثرواتها على حساب فقره. لم يكن الأكراد في ظل زعامتهم التاريخية سوى شعب معزول، يعاني شبابه من البطالة والجهل بالرغم من أن إقليمهم كان ينعم بهبات محلية وعالمية. وكما يبدو فإن البارزاني لم يخطئ التقدير إلا حين اعتقد أن حلم الوطن القومي كفيل بأن يُنسي الأكراد تفكيرهم في حياتهم اليومية. وهو ما يمكن توقعه من زعيم شرق أوسطي يعيش في برجه العاجي. لذلك فإن البارزاني لو أقدم على الاستقالة، فإنه سيهبنا فكرة عن زعيم يضحي من أجل شعبه. وهي هدية يستحقها الأكراد الذين وقعوا بين انفصالهم الوهمي عن العراق بعد عام 1991، وبين انضمامهم الوهمي إلى العراق بعد العام 2003 وهو عام الاحتلال الأميركي. بطريقة تبسيطية يجوز لنا القول إن رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني حاول أن ينقل الحلم الكردي إلى الواقع لكنه فشل. أما إذا استقال فإنه سيحول هزيمته إلى انتصار. وهو ما يمكن أن ينظر إليه كل كردي بفخر. في غيابه عن الحكم سيكرس البارزاني زعامته التاريخية. أما إذا أصر مسعود البارزاني على البقاء رئيسا لإقليم كردستان، فإنه يقدم الأكراد إلى العالم باعتبارهم شعبا فاشلا. كاتب عراقيفاروق يوسف
مشاركة :